تجاوز الانتقاد مؤمناً بهواية استثنائية.. حكاية بالصور لعز الدين الذي حوَّل محيطه لعالم من المصغرات

عربي بوست
تم النشر: 2021/12/12 الساعة 14:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/12/13 الساعة 09:02 بتوقيت غرينتش
عز الدين داخل ورشته في المغرب ا خاص عربي بوست

بمواد بسيطة متوفرة في البيت، يضع الشاب المغربي عز الدين الحسني العالم بين يديه، ويحولها إلى عالم المصغرات في مشاهد حقيقية إلى مجسمات صغيرة بحجم اليد.

في ورشته بمدينة سلا إحدى ضواحي العاصمة المغربية الرباط، يعتكف عز الدين لساعات وأحياناً لأيام لإنجاز مشروع ما.

أحد أعمال عز الدين في فن المصغرات / خاص عربي بوست
أحد أعمال عز الدين في فن المصغرات / خاص عربي بوست

في النهاية يفاجئ محيطه بصالون مغربي مصغر بكافة تفاصيله الدقيقة، أو مختبر طبي متكامل يضم جميع الأجهزة الموجودة في أي مختبر حقيقي، أو مزرعة صغيرة تستلهم تفاصيلها من فترة الستينات، أو زاوية من داخل مسجد الحي.

يصنع عز الدين هذه عالم المصغرات في إطار لا يتجاوز 50 سنتيمتراً، لكي يتمكن من التحكم في المشهد خلال تصويره.

ويستوحي من بيئته ومن حياته اليومية في مدينته مشاهد فيحوِّلها إلى مصغرات، يلتقط لها صوراً ويشاركها مع متابعيه على مواقع التواصل الاجتماعي.

لعبة سيارة حولها عز الدين إلى موديل سيارة تاكسي بتفاصيل تعود إلى فترة السبعينات / خاص عربي بوست
لعبة سيارة حولها عز الدين إلى موديل سيارة تاكسي بتفاصيل تعود إلى فترة السبعينات / خاص عربي بوست

عالم المصغرات.. محاكاة الواقع

يُعرِّف عز الدين الحسني فن المصغرات بأنه تحويل مشهد واقعي بكافة تفاصيله الدقيقة إلى مجسم مصغر يحاكيه في كل شيء.

يقول لـ"عربي بوست" إن شغفه هذا هو وسيلته للتعبير وإيصال أفكاره، مضيفاً أنه يستعمل كل ما يتوفر لديه من أجل صناعة تفاصيل مشروعه من البلاستيك والخشب والحديد والإسفنج والحبال إلى البن المطحون والسكر والطحين.

ويضيف المتحدث أن "الكاتب يوظف الكلمات للتعبير عن الأفكار المتزاحمة في ذهنه وعن مواقفه ونظرته لمحيطه وللعالم، أما أنا فوسيلتي للتعبير هي عالم المصغرات وتصويرها".

 من أعمال الحسني في تجسيد مشاهد من الواقع / خاص عربي بوست
 من أعمال الحسني في تجسيد مشاهد من الواقع / خاص عربي بوست

بدأ اهتمام عز الدين بهذا الفن قبل سنوات، دخل عوالم "يوتيوب" لتقوية تعلماته والاستفادة من فنانين محترفين في المجال، غير أنه لا يخفي أن لمسته الخاصة أضفت على أعماله بعداً محلياً مختلفاً.

يشير إلى أن بعض الأشياء لم يجدها في فيديوهات اليوتيوب، لذلك علَّم نفسه بنفسه وقام بتجارب للوصول إلى نتائج مرضية معتمداً على الوسائل البسيطة المتاحة له.

كان أول مجسم مصغر احترافي صنعه عز الدين عبارة عن مختبر طبي، بطلب من صديق أراد أن يهديه لزوجته.

يحكي أنه وضع قائمة بالأجهزة والديكورات التي توجد في المختبرات، ووضع التصميم وصنع كل الأدوات بيده من الميكروسكوب إلى الثلاجة والمكاتب وغيرها من مكونات المختبر.

أول مجسم احترافي صنعه عز الدين ويتعلق بمختبر طبي / خاص عربي بوست
أول مجسم احترافي صنعه عز الدين ويتعلق بمختبر طبي / خاص عربي بوست

عصامية أمام الظروف

لم تتح الظروف الاجتماعية لعز الدين الحسني فرصة استكمال دراسته، إذ غادر المدرسة في سن مبكرة وتقلب وهو طفل في مهن عديدة، غير أن مدرسة الحياة جعلته مؤمناً بنفسه وبقدراته ويسعى إلى إتقان ما يقوم به.

يقول لـ"عربي بوست" إن "شغفي هو دافعي للتعلم، لا أتوقف حتى أتقن ما كان يبدو لي في البداية صعباً".

في صناعة المصغرات، يأخذ المقاييس بالتناسب مع مجسم صغير لإنسان، مثلما يفعل المهندسون المعماريون خريجو المدارس العليا، غير أن مدرسة عز الدين كانت هي التجربة والممارسة والخيال.

أما عالم التصوير الفوتوغرافي، فكانت بداياته فيه بواسطة هاتف ذكي صغير، ومع الوقت اشترى عدة كاميرا ولوازم الإضاءة، وعلم نفسه بنفسه.

بعد انتهائه من صناعة مجسم جديد، ينطلق في عملية التصوير، يغير زاوية التقاط الصورة عدة مرات وكذلك موقع الإضاءة، يلتقط عشرات الصور، وبعد عشرات المحاولات يصل إلى الصورة المثالية ويشاركها على مواقع التواصل الاجتماعي.

مجسم مصغر لمكان الصلاة / خاص عربي بوست
مجسم مصغر لمكان الصلاة / خاص عربي بوست

بين التجارة والشغف

يزاول عز الدين تجارة الأثواب، وبفضل مهنته يستطيع تمويل شغفه في عالم المصغرات، مع تزايد خبرته واحترافيته حوَّل غرفة كان يخصصها مخزناً للبضائع إلى ورشة عمل.

يقضي عز الدين في هذه الورشة ساعات طوال غارقاً في وضع تصميم لمشروع جديد أو صناعة المواد أو تجربة ما.  

أمام صعوبة العثور على الأدوات اللازمة لهذا العمل في المتاجر بمدينته وغلائها على الإنترنت، يجد عز الدين في الجوطيات ضالته ( الأسواق الشعبية لبيع المواد المستعملة)، حيث يمضي ساعات متجولاً بين البائعين لإيجاد أداة معينة، وفي حال استعصاء العثور عليها يصنعها بنفسه من مواد خام.

يحاول عز الدين التوفيق بين تجارته مصدر رزقه وبين شغفه في عالم المصغرات وتصويرها، تؤازره في هذا الطريق زوجته التي تعتبر موهبته نعمة من الله.

 مجسم لعربة في طريق يتساقط فيها الثلوج / خاص عربي بوست
 مجسم لعربة في طريق يتساقط فيها الثلوج / خاص عربي بوست

يتذكر عز الدين بداياته في عالم المصغرات ويقول: "كان أصدقائي يستغربون مما أقوم به ويستهزئون بي، اعتبروا ما أفعله مضيعة للوقت، لكن كلماتهم لم تدفعني للاستسلام بل للتعلم والعمل أكثر والتشبث بشغفي، عندما رأوا المجسمات التي صنعتها والدقة التي ظهرت عليها، انبهروا بها وأبدوا إعجابهم وتحولوا إلى تشجيعي، غير أن أكبر دافع لي للاستمرار هو كلمات التشجيع التي أجدها على مواقع التواصل الاجتماعي من الناس، هؤلاء كلما نشرت صور مشروع جديد، يثنون عليه ويكتبون تعليقات إيجابية ومحفزة".

ويزيد تفاعل متابعي الحسني على مواقع التواصل الاجتماعي وتشجيعات أصدقائه من مضيه في هذا الطريق، ويأمل انتشار هذا الفن في بلاده بين الشباب وتنظيم منافسات بهذا الشأن، ويرى أن ذلك سيمكِّن من اهتمام المحلات التجارية بتوفير الأدوات اللازمة في صناعة عالم المصغرات لتسهيل العمل ويسهم في انتشار هذا الفن الذي ما زال حضوره محتشماً في البلاد.

تحميل المزيد