في مثل هذا اليوم، في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني من العام 1895، أصبح الفيزيائي فيلهلم كونراد رونتجن هو أول شخص يعرف ويستخدم الأشعة السينية، وهو تقدُّم علمي مهم غيَّر مفهوم البشر في مجالات متنوعة، وكان على رأسها المجال الطبي.
والأشعة السينية هي موجات طاقة كهرومغناطيسية تعمل بشكل مشابه لأشعة الضوء، ولكن بأطوال موجية أقصر بحوالي 1000 مرة من موجات الضوء، قادرة على الرؤية عبر الأجسام.
وقد تم استغلال هذه الخاصية في تطوير نوعيات متقدمة من الأشعة الآمنة القادرة على اختراق الأبنية والرؤية عبر الأجسام الصلبة وحتى في الاستكشافات الفضائية.
نستعرض في ذكرى اكتشاف الأشعة السينية كيف تطور الطريق أمام هذا السبق العلمي لمرحلة استطاع فيها أن يستلهم إمكانات الكركند للرؤية عبر كل شيء تقريباً.
الإلهام من عيون الكركند في تطوير تليسكوبات استثنائية
ألهمت أنظار كائنات الكركند البحرية تطوير تليسكوب أشعة سينية X-Ray شامل الرؤية بخاصية 360، بعدما كان نطاق الرؤية قبل هذا الإلهام ضيقاً ومحدوداً، إذ لا تستطيع تليسكوبات الأشعة السينية السابقة سوى مسح شريط ضيق من السماء في وقت واحد.
وحول ذلك يقول جورج فريزر، عالم الفلك بجامعة ليستر في المملكة المتحدة ورئيس المشروع الذي بحث هذا التطوير في عام 2006، لموقع New Scientist: "الرؤية ضيقة الأفق كانت تتسبب في تفويتنا رشقات نارية وومضات عابرة في الفضاء، كان من المهم الحصول عليها ولكننا لم نتمكن أبداً من ذلك في السابق".
من ناحيتها، تمتلك عيون الكركند الكروية ذات حجم حبة البازلاء، ملايين الثقوب، ما يسمح للضوء بالدخول من أي اتجاه تقريباً، وهو ما يمنحهم رؤية بزاوية واسعة تكاد تكون بـ360 درجة تقريباً.
الفارق بين الأشعة السينية التقليدية والجديدة المستلهمة من الكركند
بحسب موقع HowStuffWorks الأمريكي، يعتمد نظام الأشعة السينية التقليدي على جهاز مُولّد للأشعة السينية يُطلق حزمةً منها على الجسم أو في الاتجاه المرغوب في اكتشافه، إضافة لجهاز آخر كاشف للأشعة السينية (وهو نظامٌ بصري).
ولتكوين الصورة يتم إطلاق الأشعة السينية على الجسم، فتمر بعض الأشعة من خلال الجسم وتنكسر، بينما يمتص الجسم بعض الأشعة بالكامل، ويعكس البقية الأخرى.
ودور كاشف الأشعة السينية هنا هو "رؤية" الأشعة المنعكسة التي تمر من خلال الجسم، ويعمل هذا النظام بشكل جيد، لكنه ليس مثالياً لعدة أسباب.
أولها أنّ الأشعة السينية المنكسرة تنحرف بزوايا مختلفة، لذا فمن الصعب على الكاشف أن يجمعها ويركز عليها بشكلٍ فعّال لتجميع المعلومات المطلوبة.
وثانيها أنّ الأشعة السينية يجب أن تكون ذات طاقة عالية للغاية حتى يتمكّن الكاشف من جمع ما يكفي من الطاقة لتكوين صورة، لأنّ الانكسار يجعل النظام أقل كفاءة.
كما أنّ الأشعة السينية ذات الطاقة العالية ليست آمنة بنسبة 100%، خاصة فيما يتعلق بالاستخدامات الطبية على البشر.
في المقابل، تعتمد عيون البشر والحيوانات الأخرى على انكسار الضوء أيضاً.
لكن عيون الكركند مثلاً تعمل بطريقةٍ مختلفة عند النظر إلى الضوء، ويُمكن القول إنّ لديها جهاز رؤية فريداً من نوعه تماماً في عالم القشريات.
فما الذي يجعل بصر الكركند مميزاً لهذه الدرجة؟
إمكانيات بصر الكركند التي غيرت اللعبة
تعتمد رؤية الكركند على انعكاس الضوء، وليس انكساره.
وبالتالي يتمتع الكركند بهذه القدرة على رؤية انعكاس الضوء بفضل آلاف المربعات الموجودة داخل عينه، والتي تقع بالقرب من قاعدة قرون الاستشعار. وهذه المربعات هي بصر الكركند.
إذ تتكون بالكامل من جدران مستقيمة وزوايا قائمة، لتُمكّن عين الكركند من عكس أشعة الضوء التي تدخلها بزوايا قياسية تُعرف باسم زاوية السقوط. وهذا الاتساق في زوايا الانعكاس يسمح لجهاز التصوير بإرسال كافة حزم الأشعة المنعكسة عن جسمٍ مُحدد إلى بؤرة العدسة.
ومن هنا تم تطوير ماسح ضوئي للأشعة السينية يعتمد على دمج قدرات بصر الكركند القائم على الانعكاس في نظامه. ويُطلق على الجهاز اسم جهاز عين الكركند لتصوير الأشعة السينية (LEXID)، وهو يستنسخ الجهاز البصري للكركند بدرجة كبيرة.
وبحسب موقع Steemit العلمي، يتألّف الماسح من مُولّد أشعة سينية منخفض الطاقة وجهاز بصري. ويتألّف الجهاز البصري هنا من آلاف المربعات المعدنية شديدة اللمعان، التي تعكس وتُحاذي الأشعة السينية أثناء مرورها باتجاه الجسم المُستهدف (مثل نقطةٍ بعينها في الفضاء).
وترتد حزم الأشعة عن جدران المربعات بزوايا يمكن التنبؤ بها بالكامل، لذا يتمكن النظام من جعلها تتحرّك في موجات متوازية. وهذا التوازي في الأشعة المنبعثة يسمح لها بتركيز حزمها على مساحةٍ أصغر بكثير في وقتٍ واحد، ويُمكّن الأشعة السينية من اختراق الجسم بشكلٍ أعمق.
ويستطيع جهاز عين الكركند الرؤية من خلال الكتل الخرسانية، والخشب، و7.62 سم من الفولاذ بسهولة، وبدقةٍ شبه مثالية.
صحيح أن الصورة لا تكون عالية الدقة، لكنها جيدةً بما يكفي لكشف ما بداخل حاوية شحن مثلاً.
وبفضل قدرة النظام البصري على تركيز الأشعة السينية بكفاءةٍ أكبر، فهو يعمل بطاقةٍ منخفضة دون التضحية بالقدرة البصرية، وهذا يعني أنّ هذا أكثر أماناً على البشر من الأجهزة السابقة لأنّه يُعرض الجسم للإشعاع أقل بكثير.
إسهامات عملية لاستخدامات الأشعة الخارقة
استطاعت هذه الأشعة مساعدة العديد من المجالات في توفير قدرات بحث استثنائية لم تكن متاحة لهم من قبل، على سبيل المثال يوفر علماء الآثار أسابيع كانت تضيع في محاولة الدخول إلى أماكن وجود الآثار، قبل أن يكتشفوا أنّها فارغة في النهاية.
وقد دخلت رؤية الكركند في مجال علم الفلك، وحملت آخر تجليات هذا النظام اسم تليسكوب "الكركند-محطة الفضاء العالمية"، الذي يتم استغلاله في استكشاف ما خارج المجرة والثقوب السوداء، وفقاً لموقع HowStuffWorks.