لَطالما تم توثيق فوائد الغناء في العديد من الأبحاث والتجارب، ونحن نعلم جيداً أنه من الجيد أن تغني كلما سنحت لك الفرصة، إما أثناء الاستحمام للحصول على ميزة تفخيم الصوت في الحمام، أو عندما تعلق في إشارة حمراء بسيارتك وتشعر بملل الانتظار.
ولكن ما الذي يحدث في الجسم بشكل يجعل الغناء مفيداً حقاً؟
في هذا التقرير نستعرض كيف من الممكن أن يساعد الغناء على تحسين المزاج العام ومعالجة التوتر والقلق، وحتى تحسين الصحة العامة وتعزيز أداء الجهاز المناعي ضد الأمراض.
ما فوائد الغناء؟
أظهرت عقود من البحث أن الغناء الفردي والجماعي مفيد على عدة مستويات، وبحسب موقع Healthline للصحة والمعلومات الطبية، من بين تلك الفوائد ما يلي:
علاج القلق والتوتر
قامت دراسة أُجريت عام 2017 ونشرتها مجلة Frontiers in Psychology لأبحاث علم النفس، بقياس كمية الكورتيزول -هرمون التوتر- في لعاب المشاركين قبل قيامهم بالغناء وبعده.
ووجد الباحثون في تلك الدراسة أن كمية الكورتيزول كانت أقل بعد الغناء، وهو مؤشر على أن الناس شعروا براحة أكبر بعد قيامهم باتباع إيقاع نغمة معينة بأصواتهم.
كما وجدوا أيضاً أن من فوائد الغناء أنه يقلل من مستويات التوتر، سواء كان المشاركون يغنون في مجموعة أو وحدهم.
ومع ذلك، ينخفض الكورتيزول فقط إذا كنت تغني في مكان لا يجعلك قلقاً أو تشعر بالحرج، إذ قد ترتفع مستويات الكورتيزول اللعابي بعد أداء غنائي أمام جمهور أو في إطار غير مريح.
تحسين المزاج العام
المجهود البدني الذي ينطوي عليه الغناء، سواء من ملء الرئتين بالهواء، والتحكُّم الدقيق في الحبال الصوتية، بالإضافة لحركات الفم والجسم، جميعها من بين الأسباب التي تجعله نشاطاً يعزز المزاج الجيد.
ويُعد الغناء تمريناً هوائياً يتم فيه إطلاق مادة الإندورفين، وهي المواد الكيميائية التي تبعث على الشعور بالسعادة في الدماغ.
وبحسب بايشالي موخيرجي، عضوة الرابطة الإقليمية لجنوب شرق آسيا للاتحاد العالمي للعلاج بالموسيقى، يقوم الإندورفين بمنحنا شعوراً بالنشوة، لذلك يرتبط كل ذلك بتقليل التوتر.
ومن بين آثاره على الأشخاص المصابين بالقلق ويعانون من نوبات الهلع المستمرة، يسمح التنفس العميق عند الغناء بتبادل كامل للأوكسجين في خلايا الرئة.
وهو الأمر الذي يؤدي إلى تنشيط الجهاز العصبي السمبتاوي بالجسم، والذي يؤدي بعد ذلك إلى إبطاء معدل ضربات القلب وتوسيع الأوعية الدموية وخفض ضغط الدم، بحسب موقع BBC.
تعزيز صحة الجهاز المناعي
هناك بعض الأدلة على أن من فوائد الغناء أنه قد يقوي جهاز المناعة ويساعد في محاربة الأمراض.
وفي دراسة أجريت عام 2004 بمجلة PubMed العلمية، تمت المقارنة بين تأثيرات الغناء وتأثيرات الاستماع إلى الموسيقى فقط.
وفي جلستين منفصلتين، قام المشاركون إما بالغناء أو الاستماع إلى الموسيقى، ثم جرت ملاحظتهم لتحديد مستوى كفاءة الجهاز المناعي.
وأظهر أولئك الذين غنوا مستويات أعلى من الغلوبولين المناعي أ، وهي أجسام مضادة يفرزها الجسم للمساعدة في مكافحة العدوى.
في المقابل، قلَّل الاستماع إلى الموسيقى (بدون غناء) من هرمونات التوتر، ولكنه لم يُحفز جهاز المناعة في الجسم.
يزيد من القدرة على احتمال الألم
عندما تقوم بالغناء ضمن مجموعة، سواء كانت جوقة كبيرة أو مجموعة صغيرة، فإن الغناء الجماعي يتسبب في إفراز جسمك للإندورفين.
ويمكن أن يساعد هذا الهرمون في تعزيز المشاعر الإيجابية، وحتى تغيير إدراكك للألم.
ووجدت دراسة أجريت عام 2012، ونشرها موقع Sage Journals للدراسات والأبحاث، أن الغناء والقرع على الطبول والرقص في مجموعة من الناس يؤدي إلى إفراز الهرمونات التي تزيد من تحمُّل الألم بطرق لا يؤديها مجرد الاستماع إلى الموسيقى.
كما لاحظ الباحثون أن الشعور بالتواصل الاجتماعي، وليس الموسيقى نفسها، هو الذي يساهم في زيادة تحمُّل الألم.
تحسين وظائف الرئة
نظراً لأن الغناء ينطوي على التنفس العميق والاستخدام الخاضع للرقابة لعضلات الجهاز التنفسي، فقد يكون مفيداً لبعض حالات الرئة والتنفس.
أظهرت الدراسات أن تقنيات التنفس المستخدمة مع الغناء قد تقدم فوائد للأشخاص الذين يعانون من الحالات التالية:
- اضطراب الانسداد الرئوي المزمن (COPD).
- الربو.
- التليف الكيسي.
- سرطان الرئة.
- التصلب المتعدد (MS).
- الشلل الرباعي.
في حين أن الغناء لا يعالج أياً من تلك الحالات السالف ذكرها، لكنه يساهم في تقوية عضلات الجهاز التنفسي، ما قد يساهم في تسهيل عملية التعافي، ويزيد من كمية الأوكسجين في الدم.
تحسين كفاءة المخ والقدرة على التركيز
وجدت العديد من الدراسات أن المطربين والموسيقيين عادة ما يكون لديهم معدل ذكاء أعلى من غيرهم، وذلك في تشابه مع المهارات العقلية المتطورة للأشخاص الذين يمتلكون أكثر من لغة واحدة.
وبحسب دراسة نشرها موقع Medical Daily الطبي، عام 2014، من بين فوائد الغناء أنه يحسِّن وظائف دماغك بشكل عام ويساعدك على التفكير بشكل أوضح.
ووجد البحث الذي شمل مئات الطلاب الأمريكيين، أن الأطفال الذين يتعلمون الغناء أو العزف على آلة موسيقية لا يظهرون فقط وظائف عصبية أفضل، بل يمكنهم أيضاً التعلم بصورة أسرع وأفضل.
وتقول نينا كراوس، عالمة الأعصاب في جامعة نورث وسترن، التي أشرفت على البحث: "وجدنا أن التدريب الموسيقي سواء بالعزف أو الغناء يمكن أن يغير الجهاز العصبي كلياً عند الطفل"، إذ جعلت تلك الأنشطاء هؤلاء الأطفال أكثر قدرة على التعلُّم.
الغناء ينشط عضلات الوجه والحجاب الحاجز
يمكن أن تقوي التقنية الصحيحة للغناء قوة الحجاب الحاجز وعضلات البطن والظهر.
وبحسب موقع Lifehack للمعرفة والمنوعات، يمكنك أيضاً تدريب عضلات وجهك بطرق فريدة عند الغناء، ما يجعل وجهك يبدو أكثر نشاطاً وحيوية.
أما بالنسبة لعضلاتك الوربية -وهي مجموعات العضلات التي تعمل بين الضلوع وتساعد على تشكيل وتحريك جدار الصدر- فهي ستتلقى التمرينات اللازمة أيضاً كلما قمت بالغناء.
لذلك فإن الغناء مفيد لصحتك النفسية والجسدية على حدٍّ سواء، ما الذي تنتظره إذن؟ أسمِعنا صوتك.