تتم تسمية القطارات السريعة عادة باسم "Bullet Train" أو القطار الطلقة أو المدبب، لأن الطريقة التي تم تصميمه على أساسها تشبه الجزء المدبب من طلقات الرصاص المعدنية المعروفة.
وفي أواخر القرن العشرين في اليابان، كانت هذه القطارات السريعة بمثابة سبق ناجح تجاوزت فيه ما توصلت إليه الدول الأخرى في إمكانيات السفر عبر القطارات، لكن كان لديهم مشكلة واحدة مستمرة. وهي أنه أثناء مرور القطار، يتراكم ضغط الهواء على شكل موجات في مقدمة جسم القطار؛ مما يتسبب في حدوث صوت يشبه قصف الرعد في العربات الأمامية.
وقد تسببت هذه المشكلة في معاناة الركاب من الصداع والشعور بأن القطار كان ينضغط من الجانبين ضاغطاً على آذان الركاب عندما يدخل أي نفق.
كيف كانت بداية الاختراع؟
كان إيجي ناكاتسو، المهندس والمدير العام لقسم التطوير التقني لما يسمى قطارات "الرصاصة" في اليابان، أو ما يُعرف بشركة Japan Railway West المشهورة، بسجلها الفريد أواخر القرن العشرين في السرعة والسلامة.
وبعد حضور محاضرة عام 1990 عن الطيور لمهندس طيران في إحدى الفعاليات التثقيفية للتطوير، أدرك ناكاتسو أن دراسة ومتابعة تحليق الطيور يمكن أن تساعد في عملية تطوير القطارات بشكل سابق لما تم التوصل إليه في ذلك الوقت، وفقاً لموقع Green Biz.
وتربط خطوط سانيو وكيوشو شينكانسن، التي تديرها Japan Railway West، أكبر مدينتين في غرب اليابان، وهما أوساكا وفوكوكا، وذلك في امتداد لخط توكايدو الأقدم للسكة الحديد، من مدينة طوكيو إلى مدينة أوساكا.
ويُعد خط توكايدو شينكانسن، البالغ طوله 515 كيلومتراً، أكثر خطوط السكك الحديدية عالية السرعة ازدحاماً في العالم، إذ نقل هذا الخط 4.9 مليار مسافر منذ افتتاحه عام 1964 (خلال أولمبياد طوكيو)، وحتى عام 2010.
في الواقع، تنقل القطارات في اليابان- ما يقدر بـ64 مليون مسافر في اليوم الواحد- أكثر من أي مواطنين في أي مكان آخر في العالم.
وقد كان تطوير تلك القطارات أحد أهم الأهداف للشركة، ولكن من أجل القيام بذلك، كانت الحاجة الماسة الأساسية هي في جعل تجربة السفر عبره أكثر هدوءاً.
ولأن تلك القطارات كانت تمر أحياناً عبر أحياء كثيفة والعديد من الأنفاق، كان ذلك يؤدي لمزيد من الضوضاء؛ لدرجة أنها في بعض الحالات كانت تُنتج دوي اختراق صوتي يسمعه السكان على بُعد 400 متر من القطار ومكان مروره.
الإلهام الأول كان من أجنحة البوم الهادئة أثناء التحليق
وفقاً لموقع Earth Sky، عمل ناكاتسو بشكل شخصي على تطوير تقنيات من شأنها تخفيف هذا الأثر الصوتي الحاد، فحاول في بداية الأمر صنع جسم مشابه لجناحي البومة وتثبيته على المقدمة الجانبية للقطار لتخفيف أثر الارتطام بالهواء والضغط الناجم من السرعة العالية للقطار.
وبالفعل في عام 1994، حقق "الرسم البياني للجناح" نجاحاً كبيراً، إذ جعل القطار قادراً على السير بسرعة 320 كم/ساعة، ومع ذلك يلبي معيار الضوضاء الصارم الذي لا يجب أن يتجاوز 70 ديسيبل، وفقاً لما حددته الحكومة في ذلك الوقت.
وبالرغم من النجاح المبدئي للخطة، كانت مشكلة الدوي الصوتي أكثر تعقيداً في هذه المرحلة. لأنه عندما يسرع القطار في نفق مثلاً، كان يولد موجات ضغط جوي تصل إلى مخرج النفق بسرعة الصوت. لذا خرج الهواء في موجات منخفضة التردد (أقل من 20 هرتز) ما أنتج طفرة كبيرة واهتزازات هوائية هددت سلامة القطار والأنفاق، على حدٍّ سواء.
في هذه المرحلة كان يتعين على فريق التصميم أن يجد طريقة لإعادة تصميم شكل القطار لكي يسير بشكل أسرع دون إنشاء هذا التأثير الناجم عن السرعة، والمفتاح لعلاج تلك المشكلة من خلال منع تراكم موجات الضغط في ذيل القطار عن طريق تقليل مساحة المقطع العرضي للقطار وإعادة تصميم أنفه الأمامي.
البحث عن الإلهام في طائر الرفراف
دفعت تلك التبعات المهندس ناكاتسو للبحث مرة أخرى عن الإجابة في الطبيعة. ومن تجاربه في مراقبة الطيور، تذكر طائر الرفراف، وهو طائر يغوص بسرعة عالية من الهواء إلى الماء الأكثر كثافة مسبباً القليل جداً من رذاذ الماء.
وقام فريق Japan Railway West بتحليل منقار الرفراف ووجدوا أنه يحتوي على الشكل الانسيابي الأمثل: جسم مكافئ دوراني يحتوي على مقاطع عرضية مثلثة مع انحناء جوانب المثلثات، ما يشكل شكلاً ماسياً مضغوطاً.
من هنا كان مشهد الطائر وهو يصطاد السمك مصدر إلهام للمهندس الياباني، الذي قرر حينها تطبيق هيكل منقار الرفراف في مقدمة القطارات، الأمر الذي لم يساعد القطار على الخروج بهدوء من الأنفاق فحسب، بل أتاح أيضاً سرعات أعلى وزيادة كفاءة الطاقة واستهلاك الوقود.
ويبلغ الحد الأقصى لسرعة تشغيل القطار في اليابان 320 كم/ساعة، وهو رقم قياسي عالمي في ذلك الوقت، ويلبي معايير الضوضاء الصارمة. كما أنه أنتج حوالي 16% من ثاني أكسيد الكربون من الرحلة المكافئة له بالسيارة.