نقوم نحن البشر، بدفن الميت وإقامة عزاء لائق يجتمع فيه أفراد العائلة والأصدقاء لمواساة بعضهم البعض، وقد يستمر حزننا على الفقيد أياماً أو أسابيع، وقد نحمل هذا الحزن في قلوبنا لشهور وسنوات.. لكن في عالم الحيوان هناك أساليب أخرى للتعبير عن الحزن، سنورد لكم بعضها في هذا التقرير:
كيف تحزن الحيوانات؟
الحيتان تحمل صغارها الميتة لساعات
تعرف الحيتان القاتلة التي تدعى أيضاً باسم حيتان الأوركا، بأنها حيوانات اجتماعية تعمل بشكل جماعي للبحث عن الطعام وتتشارك الصيد فيما بينها؛ بحيث يحصل جميع أفراد المجموعة على كفايتهم من الطعام.
لكن وفي عام 2010، تم رصد أنثى حوت تتصرف على نحو غريب في سواحل جزيرة سان خوان بواشنطن، واكتشف العلماء أن هذه الأنثى البالغة من العمر 24 عاماً تحمل في فمها مولوداً ميتاً.
ووفقاً لعالم الأحياء روبن بيرد فإن الجثة التي تحملها أنثى الحوت في فمها كانت لصغيرها الذي وُلد ميتاً أو مات بعد الولادة بوقت قصير.
وقد تتبع بيرد الحوت مع زملائه لمدة 6 ساعات متتالية، ولاحظوا أنها لم تفلت صغيرها طوال كل تلك المدة.
ومن المثير للاهتمام، أن عدداً من الباحثين لاحقاً كانوا قد أبلغوا عن مشاهد مماثلة للحيتان التي تحمل جثث صغارها في فمها.
مع ذلك، لا يعلم الباحثون تحديداً السبب الذي يدفع الحيتان للقيام بذلك، لكن عالمة الأحياء الإيطالية ميليسا ريجينت التي كتبت بحثاً عن تلك التصرفات وشاهدت بنفسها 14 حالة مشابهة، تقول إن الحيتان تعبر عن حدادها وحزنها على صغارها بهذه الطريقة.
تقديم الطعام للزميل الميت
لا يقتصر الحزن في عالم الحيوان على الصغار الموتى فقط، فقد شوهدت بعض الحيوانات وهي تبدي حزناً على موت أصدقائها أيضاً.
ففي عام 1972، ذكرت عالمة الأحياء وعالمة الأنثروبولوجيا بجامعة ييل، أورسولا موسر كوجيل أن اثنين من حيوانات البوتوس الإفريقية الأسيرة أصيبا بـ"الاكتئاب" بعد موت صديق لهما.
وقام الحيوانان بوضع الطعام لرفيقهما الميت، بالرغم من عدم وجود غذاء كافٍ لهما، ربما على أمل أن يأكل فيعود على قيد الحياة وفقاً لما ورد في موقع The National Wildlife Federation.
وفي تنزانيا، لاحظت كوجيل أن أحد صغار الشمبانزي امتنع عن الأكل وبات أكثر خمولاً بعد أن توفيت والدته، ومات بعد شهر واحد بسبب الهزال الذي أصابه لامتناعه عن الأكل منذ أن ماتت والدته.
وكتبت كوجيل عن هذه الحادثة: "كان عالمه كله يدور حول والدته، ومع ذهابها أصبحت الحياة جوفاء وبلا معنى".
الزرافات تصاب بـ"الاكتئاب"
الزرافات أيضاً تحزن بصورة شديدة إذا ما وافت المنية أحد صغارها، فقد تم رصد زرافة من نوع "روتشيلد" على سبيل المثال، في السافانا الكينية، وهي تشهد موت صغيرها عام 2010.
في البداية لاحظت عالمة الأحياء زوي مولر أن هناك 17 أنثى زرافة تجري عشوائياً ويبدو عليها الحزن، واتضح لاحقاً أن أحد الصغار قد مات وتجمعت الزرافات لعزاء الوالدة الواقفة بجوار جثة صغيرها.
بقيت الزرافة لأيام واقفة بجوار الجثة دون أن تأكل أو تشرب، وعلى الرغم من أن الضباع كانت قد نهشت من جسد الصغير الميت إلا أن الأم بقيت بجوار الجثة مع أنها كانت نصف مأكولة.
فسرت مولر سلوك الزرافة على أنه حزن على فقدان صغيرها، على الرغم من أن "حزن الحيوانات" أمر غير متفق عليه في المجتمع العلمي، وقد كانت مولر نفسها تؤمن بعدم وجوده، لكن وبعد تلك الحادثة قالت:
"تغير موقفي الشخصي. سأكون الآن أكثر انفتاحاً بشأن الاعتراف بالحزن غير البشري. الزرافات، البشر، كلنا ثدييات. نظامنا العاطفي مدفوع إلى حد كبير بالهرمونات، ومن المرجح أن تكون الهرمونات قد تطورت بشكل مشابه في جميع الثدييات".
هرمونات قرود البابون
درست عالمة البيئة آن إنغ بالفعل مسألة الهرمونات تلك، وكان فريقها البحثي يجمع عينات بانتظام من براز قردة البابون لقياس مستويات هرمونات محددة.
في منطقة دلتا أوكافانغو في بوتسوانا، درست إنغ السلوكيات العاطفية لدى قردة البابون، كانت "سيلفيا" واحدة من القردة الكبار في السن واللواتي استطعن فرض سيطرتهن على بقية أعضاء المجموعة، وكانت رفيقتها الوحيدة هي ابنتها سييرا التي كانت تقضي معظم أوقاتها معها.
في يوم من الأيام هاجمت الأسود قردة البابون وراحت سييرا ضحية لذلك الهجوم. وبعد هذه الحادثة المؤسفة أمضت سيلفيا الكثير من الوقت بمفردها، تقول إنغ: "لو كانت إنساناً، لكنت سأقول بالتأكيد إنها مكتئبة".
وبمراجعة البيانات الهرمونية لسيلفيا لاحظت إنغ أن مستويات هرمونات التوتر التي تسمى الجلوكوكورتيكويد ارتفعت لديها بشكل واضح بعد موت ابنتها، لكنها عادت إلى المستوى الطبيعي بعد شهرين من الحادثة.
الشمبانزي يحمل صغاره الميتة لأسابيع
تشير الأبحاث إلى أن حيوانات الشمبانزي تفهم الموت وتحزن عليه، وتم رصد عدد من حيوانات الشمبانزي التي حملت جثث صغارها لأسابيع بعد موتها.
فقد تابع العلماء مجتمع الشمبانزي في الغابات المحيطة بمدينة بوسو بغينيا لأكثر من ثلاثة عقود ورصدوا حالات مشابهة.
على سبيل المثال، أودى مرض تنفسي شبيه بالإنفلونزا في عام 2003 بحياة خمسة من القرود، بما في ذلك رضيعان، وقد ذكرت عالمة الأحياء دورا بيرو أن استجابة الأمهات لموت صغارهن كان مثيراً للدهشة، فقد حملت الشمبانزي جثث صغارها لأسابيع بالرغم من أن الجثة تيبست وتحنطت خلال ذلك الوقت.
وخلال هذه الفترة كانت الأمهات ترعى الجثث كما لو كانت على قيد الحياة فتطرد الذباب من حولها وتداعبها.
وقد فسر العلماء هذه الظاهرة على أنها مزيج من مشاعر الحزن وإنكار الحقيقة ورفض التخلي عن الصغار الموتى، وفقاً لما ورد في موقع Live Science.
خلاف في المجتمع العلمي حول حياة الحيوانات العاطفية
حتى يومنا هذا لا يوجد إجماع علمي حول وجود مشاعر الحزن لدى الحيوانات.
يقول عالم الأحياء جيوفاني بيرزي، رئيس منظمة Dolphin Biology and Conservation، وهي منظمة بحثية غير ربحية مقرها إيطاليا: "إن كلمة (الحزن) هي كلمة يُنظر إليها على أنها غير قانونية بين العلماء؛ فقدرتنا على فهم ما يحدث من وجهة نظر الحيوان محدودة للغاية".
يتساءل بعض العلماء عما إذا كان يمكن لمخلوق أن يحزن على الموت دون إدراكه لفكرة الفناء.
يقول أليكس بيل، عالم الأحياء الرئيسيات بجامعة ليفربول جون مورس في إنجلترا: "عليك أن تفهم عبارة (أنا على قيد الحياة) لكي تفهم أن شخصاً ما قد مات". "هنا تحديداً نواجه المشاكل: معظم الحيوانات، على حد علمنا، ليس لديها وعي".
لكن حججاً كهذه من ناحية أخرى تثير غضب بعض العلماء المناصرين لفكرة وجود مشاعر واعية لدى الحيوانات مثل كارل سافينا عالم البيئة في جامعة ستوني بروك ومؤلف كتاب Beyond Words: What Animals Think and Feel.
يقول كارل: "هناك العديد من الحيوانات التي تفهم الموت بالمعنى العملي" على سبيل المثال، الحيوانات المفترسة تفهم الفرق بين الأحياء والأموات عندما تفترس ضحاياها.
كذلك فإن مشاهدات عديدة كتلك التي أوردناها في هذا التقرير تؤكد للعديد من العلماء أن الحيوانات تشعر بالحزن مثلنا، وتفهم بطريقة أو بأخرى معنى الموت.