على بعد 15 كيلومتراً من الرباط توجد الحدائق العجيبة في المغرب، حيث تتواجد نباتات غريبة ونادرة من بيئات مختلفة.
بمجرد ما تطأ قدم الزائر هذه الحدائق ينسلخ عن العالم الخارجي المليء بالأصوات المزعجة للمركبات والآلات، ويندمج وسط عالم الطبيعة الأخضر وأصواتها البديعة من تغريد العصافير وحفيف الأشجار وخرير المياه ونقيق الضفادع وغيرها.
في فصل الصيف يهرب سكان العاصمة وما جاورها من الحرارة المرتفعة إلى هذه الحدائق، لقضاء يوم كامل فيها، والاستمتاع بالأجواء الباردة والمنعشة والمناظر الخضراء.
يقول مدير الحدائق العجيبة إبرهيم حدان لـ"عربي بوست" إن هذا الفضاء يتميز بما يسمى "ميكرو كليما"، أي المناخ الأصغري أو المجهري (مجموعة من الظروف المناخية تجعل مساحة معينة متجانسة معزولة عن بيئتها العامة).
ويضيف أنها "تختلف درجة الحرارة بين داخل الحدائق ومحيطها الخارجي، وقد لاحظنا أنها تكون أقل في الداخل بـ10 درجات في فصل الصيف مقارنة مع الخارج، نظراً لتكثف النباتات والأشجار وعلوها، حيث توجد فيها أشجار عمرها 70 سنة ذات علو مرتفع، تعطي برودة تنعش الجو".
تأخذك الحدائق العجيبة في رحلة بين مختلف غابات العالم، وجولة ضمن 11 حديقة متنوعة تفصل بينها جسور أرضية وأخرى معلقة، وممرات حجرية، وبيوت من القصب وبرك، وتجد نفسك وسط متاهات تقودك إلى تشكيلة من آلاف النباتات، منها نباتات مائية وسطحية تتوزع على مساحة تمتد إلى خمسة هكتارات.
حلم فرنسي يتحقق بالمغرب
تعود فكرة إنشاء الحدائق العجيبة إلى مهندس زراعي فرنسي متخصص في البستنة، غادر بلده نحو المغرب بعد الحرب العالمية الثانية، وقرر الاستقرار في منطقة بوقنادل بسلا ضواحي الرباط، اشترى قطعة أرض لتحقيق حلمه وشغفه ببناء حديقة تضم نباتات نادرة ومتنوعة من مختلف دول العالم.
يقول الدكتور إبراهيم حدان إن المهندس مارسيل فرانسوا جال وقتها المستعمرات الفرنسية، بحثاً عن مكان مناسب لإقامة جنة النباتات كما سماها، فوقع اختياره على منطقة بوقنادل لما يميزها من تربة خصبة وفرشة مائية وفيرة.
وضع مارسيل تصميم الموقع كما تخيله على مساحة تقارب الخمسة هكتارات، وبدأ يزور دول القارات الخمس ويحضر معه أصنافاً متنوعة من النباتات، ويزرعها في جنته إلى أن أكمل حدائقه العجيبة.
وتتوزع في هذا المكان 11 حديقة هي: حديقة الكونغو والسافانا والبرازيل والبيرو وحدائق جزر الأنتيل والبرازيل والمكسيك والحديقة الأندلسية وحدائق اليابان والصين وآسيا الوسطى، وتتميز كل حديقة بنباتات تميزها تختلف في شكلها عن باقي الحدائق.
من مشروع شخصي إلى حديقة عمومية
تحولت هذه الحدائق من حلم ومشروع شخصي لهذا المهندس الفرنسي إلى حديقة عمومية، ولهذا التحول حكاية يقصها لـ"عربي بوست" مديرها الحالي إبراهيم حدان.
يقول المتحدث إن الحكومة المغربية قررت عام 1973 استرداد الأراضي من أيدي المعمرين الفرنسيين الذين ظلوا يستحوذون عليها، حتى بعد استقلال المغرب دون أي عقود بيع أو ملكية.
وكانت الحدائق العجيبة قد أقيمت فوق أرضٍ تصنف ضمن أملاك الدولة، لذلك استردها المغرب من مستغلها الفرنسي مارسيل فرانسوا، وتم تفويتها لوزارة الداخلية، ثم لمعهد الدراسات النباتية في سلا.
غير أنه بالنظر لطبيعة هذه الحدائق وخصوصياتها تم الاتفاق على أن يبقى مؤسسها الفرنسي مشرفاً عليها ومسيراً لها كما كان، مقابل أجر شهري.
وظل مارسيل يعتني بحدائقه بعد هذا الاتفاق لمدة خمس عشرة سنة إلى أن تدهور وضعه الصحي وقرر في عام 1984 العودة إلى بلاده، لقضاء ما تبقى من عمره مع أسرته.
ترميم وفق رؤية المؤسس
مع مغادرة مؤسس الحدائق العجيبة والمشرف عليها نحو فرنسا، تدهور حالها بسبب الإهمال، إلى أن قررت السلطات إصلاح الموقع وترميمه سنة 2000، وتكفلت بهذه المهمة مؤسسة محمد السادس للبيئة التي ترأسها الأميرة للا حسناء.
أنشأت هذه المؤسسة لجنة من الخبراء والمختصين من القطاع العام والخاص، ليعملوا على إعادة الحدائق العجيبة إلى سابق عهدها، وبعث الحياة فيها وفق رؤية وتصميم مؤسسها وترميم منزله وتحويله لمتحف، واعتمدت اللجنة في هذه العملية على الصور والوثائق المتوفرة، وبعد سنوات من العمل فتحت الحدائق أبوابها للعموم عام 2005.
وتقوم مؤسسة محمد السادس للبيئة التي تشرف على تدبير وتسيير هذا الموقع بثلاث مهام -بحسب الدكتور فدان- هي المحافظة على هذا الموروث الطبيعي الذي يضم نباتات نادرة من مختلف الدول، والحفاظ عليها وتثمينها، ووضع برامج للتربية البيئية الموجّهة لأطفال المدارس والزوار، وجعل هذه الحدائق موقعاً للراحة والترفيه والاستجمام للمغاربة، خاصة من سكان الرباط سلا والمناطق المجاورة.
تراث طبيعي
تعتبر الحدائق العجيبة موقعاً بيولوجياً متنوعاً يضم حوالي 350 من النباتات النادرة و130 نوعاً من الزواحف والطيور والأسماك والعديد من الأشجار المختلفة، وقد صُنفت ضمن التراث الطبيعي من طرف وزارة الثقافة منذ يوليو/تموز 2003.
يوضح حدان أن هذا التصنيف يحمي الحدائق العجيبة من أي تهديد قد يشكله التوسع العمراني، ويضيف أنها عرفت في السنوات الماضية إقبالاً كبيراً من سكان المناطق المجاورة، خاصة بعد توفير وسائل النقل العمومي إليها.
بالنسبة له، فهذا الموقع فريد من نوعه، ويزداد الإقبال عليه بشكل ملحوظ في فصلي الربيع والصيف، إذ يصل عدد الزوار سنوياً حوالي 120 ألف زائر، فضلاً عن جانب الرحلات المدرسية التي تنظمها المدارس لاستكشاف عالم النباتات الغريب.