تشعر بأنك عالق ولا تستطيع النجاة؟ إليك خطوات عملية لتجاوز الماضي والتعافي من ذكرياتك المؤلمة

هل أنت مستعد لخوض أهم رحلة في حياتك؟ رحلة التعافي والتصالح مع الماضي والتجارب السابقة

عربي بوست
تم النشر: 2021/08/08 الساعة 10:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/08 الساعة 10:09 بتوقيت غرينتش
أن تعلق في الماضي ليس أمراً مستغرباً، لكن من المهم معرفة ضرورة التعافي - iStock

يقولون كثيراً "ما فات مات"، لكن الحقيقة أن الماضي لا يموت أبداً، على الأقل بالنسبة للكثيرين منا، وقد يصل به الأمر أن يتحكم بصورة كاملة في حاضرنا ومستقبلنا أيضاً.

إن كنت تمر بليالٍ طويلة من عدم القدرة على النوم بسبب التفكير في الماضي، وتشعُر أن ما مررت به من تجارب سابقة يتحكم بشكل كبير في تفاصيل حياتك اليومية من أصغرها لأكبرها، فاعلم أنك لست وحدك.

رغم أن الأمر لن يكون سهلاً أبداً، لكن كل ما عليك فعله لكي تنجو من هذه الدوامة هو أن تبدأ مشروعاً ذاتياً مهماً، وهو العمل على تجاوز الماضي والمُضي قُدُماً بحياتك، ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.

من الممكن أن يتحكم الماضي المؤلم في حاضر الشخص ومستقبله - iStock
من الممكن أن يتحكم الماضي المؤلم في حاضر الشخص ومستقبله – iStock

لماذا نعلق في الماضي؟

عندما تواصل التفكير في ماضيك وذكرياتك السابقة فهذا يعني عادةً أن لديك مشكلات لم يتم حلها تتعلق بتجربة قاسية أو فترة مهمة من حياتك.

إذا لم تتعامل مع مشاكلك العاطفية فسوف تستمر في العودة إلى الفصل العالق في محاولة إما لتفسيره وفهمه أو لمحاولة إيجاد حلول "كان من الممكن" أن تجنبك كل هذا العناء.

وبالرغم من أن التفكير في تجربة سابقة وإعادة شريط أحداثها مراراً وتكراراً في رؤوسنا لأمر طبيعي وشائع تماماً بين غالب الناس، إلا أن الاسترجاع والاجترار لن يؤدي إلى دفعك أكثر فأكثر في أحضان الاكتئاب.

ففي كل مرة نسترجع فيها وقتاً أو تجربة مؤلمة وقاسية، نعيد إحياء هذا الحدث في نظامنا العصبي، وبالتالي نظرياً يمكنك تجربة نفس الحدث مئات المرات وعيش معاناة مئات المرات.

وكلما واصلت التفكير بهذا النمط كنت عرضة أكثر للوقوع في فخ الوهم، وتماهت رؤيتك الموضوعية والعقلانية للحدث، ما يدفعك للغرق أكثر، وهكذا دواليك.

لا تتجاهل مشاعرك، ولا تنكر حقها في الظهور

أحد الأخطاء التي يرتكبها الكثير من الناس هو أنهم يحاولون تجاهل مشاعرهم تماماً، وهو أسوأ شيء يمكن فعله، لكن إذا كنت ترغب في تجاوز الماضي فعليك أن تشعر بمشاعرك، وألا تهرب منها أو تنكر وجودها، هذا هو المفتاح لفهم سبب انزعاجك في المقام الأول، ومحاولة علاجه تبدأ من تلك الخطوة.

وبحسب موقع LifeHack، حاول البكاء كما لو أنك لن تبكي مجدداً في حياتك، أو حتى قم بالصراخ في وسادتك حتى تشعر بالإنهاك. المهم أن تدع المجال لهذا القدر من الفوران الشعوري في الخروج، وتأكد أنها خطوة ضرورية من أجل الوصول للعتبة التالية من رحلة التعافي.

ومع ذلك، لا تعلق في هذه المرحلة أيضاً، تأكد من تذكير نفسك بأنك لست هذه المشاعر فحسب، بل هي عَرَض طبيعي، ومهما بدا لك عكس ذلك الآن فهي مؤقتة أيضاً، كل المآسي مهما بلغت قسوتها سيأتي يوم يتمكن فيه الشخص من تذكرها دون أن ينهار أو يسقط مغشياً عليه من فرط البكاء عليها.

لا تعلق في دوامة السلبية المفرغة

أظهرت الدراسات وفقاً لموقع LifeHack، أن "بعض حالات الإدراك السلبي المطوَّلة يمكن أن تؤدي إلى إصابة الشخص بحالة من الاكتئاب وتعزز بقاءها". وهناك أدلة متجددة على أن المزاج المكتئب يؤثر على إمكانية الوصول للإدراك.

بمعنىً آخر يمكن أن يؤدي التفكير السلبي إلى الإصابة بمرض الاكتئاب، وهو الأمر الذي يؤدي بدوره إلى إنتاج سلاسل من الأفكار والمشاعر السلبية، ما يؤدي لحلقة مفرغة من الألم النفسي الشديد الذي لا فكاك منه.

وهذا أيضاً يجعل من الصعب جداً تجاوز الماضي والمُضي قُدُماً بأي شكل من الأشكال.

ومن خلال تعديل نمط الحياة اليومية، والاستعانة بالوازع الديني والمُعتَقَد وبالمقربين وحلقات الدعم والأطباء النفسيين إذا لزم الأمر، يجب العمل على توجيه العقل للنظر إلى الأمور بإيجابية أكبر.

وبالنظر إلى الإيجابيات التي اكتسبتها من تجربة ما سيبدأ عقلك لا إرادياً في استبدال الأفكار السلبية بأفكار إيجابية، ثم ستبدأ في الحصول على نتائج إيجابية بالتبعية.

من أجل التعافي عليك السماح لمشاعر أن تخرج مهما كان ذلك مؤلماً واستغرق كثير من الوقت - iStock
من أجل التعافي عليك السماح لمشاعر أن تخرج مهما كان ذلك مؤلماً واستغرق كثير من الوقت – iStock

الماضي تجربة لكسب الخبرة وليس نمطاً أو أسلوباً للحياة

يمكنك دوماً استخدام التجارب السلبية الماضية التي مررت بها بالفعل للتعلم واكتساب المهارة والشجاعة في خوض التجارب المستقبلية مهما كانت تجاربك السابقة مؤلمة.

وبحسب مجلة Entrepreneur، عليك أخذ بعض الوقت وتخيَّل أنه بمثابة "الهدنة" للتفكير في التجربة وإلقاء نظرة على الطرق التي يمكن أن تفيدك بها بالفعل في المستقبل.

ويمكنك التعلم من تجاربك ومساعدة نفسك في بدء رحلة تجاوز الماضي من خلال التفكير في تلك الأسئلة التالية البسيطة:

  1. ما حقيقة ما حصل فعلاً؟ أجب فقط بالحقائق مهماً كان صعباً عليك أن تكون موضوعياً ومُتحكّما في قدر نظرتك الرومانسية للأمور، فالإنسان يميل دوماً إلى رؤية المواقف بصورة عاطفية بعد المرور بها وفقاً لمشاعره تجاهها، وهذا لا يعني بالضرورة أن تلك الرؤية حقيقية أو دقيقة فعلاً.
  2. حدِّد ما هي المشاعر التي تشعر بها فعلاً؟ لا تضع شروطاً ولا تكبح نفسك، حاوِل فقط أن تعبّر عن كل شيء تشعر به حيال تلك الفترات التي تشعر أنك لا تستطيع أن تتجاوزها، ويمكنك إما مشاركتها مع شخص موثوق ومقرّب لن يطلق عليك الأحكام عند مشاركته بها، أو كتابتها في دفترك اليومي الخاص، أو الاستعانة بطبيب أو استشاري نفسي متخصص لمساعدتك على خوضها وسردها بوعي وأمان.
  3. اسأل نفسك كيف يمكنك استخدام الأمر لتقوية نفسك ومشاعرك؟ مهما كان الفصل الأليم الذي علقت به في حياتك، تجاوز الماضي لن يكون قابلاً للتنفيذ إلا بالنظر إلى الدروس المستفادة مما وقع بالفعل. ومحاولة استيعاب الخطوات الواقعية التي بإمكانك اكتسابها في تجاربك المقبلة، بمعنى "كيف يمكن أن تتطور وتنضج وتصبح نسخة أفضل من نفسك بسبب ما حصل؟".

بعد الإجابة عن هذه الأسئلة واستحضار هذا الكم الكبير والثقيل من التفاصيل والذكريات، الآن وقت أن تفعل العكس تماماً، وهو محاولة المضي قُدُماً وتجاوز الماضي ما استطعت من خلال التوقف عن عيش هذا الشريط مجدداً ومجدداً.

ففي حين أن التفكير في الماضي لبعض الوقت لدراسته والاستفادة منه والتصالح معه أمر مقبول، بل ومهم وحيوي جداً، فإن الخوض فيه كلما سنحت الفرصة لعقلك أن يدور بخيالاته لن يحقق سوى مزيد من استحضار المشاعر السلبية والشعور بالأسى الذي قد يُفضي للقلق والاكتئاب.

لا تلعب دور الضحية

ليس رغبة منك في التجنّي على الآخرين بكل تأكيد، ولكن من المريح أن نشعر أن الطرف الآخر هو المسؤول عن كل ما حدث في حياتنا من أحداث مؤلمة، وذلك لكي نتخفف من الحمل بعض الشيء، ونضطر لعدم قبول الحقيقة.

وبالرغم من أنه أحياناً قد يشعرنا بالرضا، لكن إلقاء اللوم على الآخرين يمنعنا بشكل حقيقي من المضي قُدُماً وتجاوز الماضي بسلام.

وغالباً ما يكون توجيه أصابع الاتهام مجرد مبرر لترديد الشكوى واللوم والأسى على ما فات، دون أي شعور بالمسؤولية.

وتضيف مدربة الحياة والاستشارية روشيكا باترا لموقع Pick the Brain أن إلقاء اللوم على الآخرين يجعلنا في الواقع نمنح القوة لشخص آخر، ويجعلنا صغاراً وضعفاء ومفعولاً بنا.

وتضيف موضحة: "عندما نلوم الآخرين -سواء كان الآخر شخصاً أم أحداثاً أم عوامل خارجية- فإننا بذلك ندخل تلقائياً في المنطقة السلبية، نحن نوجه طاقتنا في طريق كراهية هذا الشيء المسؤول عن كل شيء، لأننا ببساطة لم نكن قادرين بما يكفي على المضي بحياتنا بما يخدم مصالحنا"، وهو نمط من التفكير السلبي الذي لن يُعزز سوى مشاعر الهوان والضعف والسلبية التي يعاني منها الشخص المتألم.

تجاوز الماضي من خلال التصالح معه

أن تكون في سلام مع ذكرياتك المؤلمة وتتمكن من تجاوز الماضي من خلال التصالح مع ما لديك من تجارب مهما كانت قاسية، لا يعني أنه عليك الإعجاب بما حدث أو الشعور بالسعادة الخالصة عند استرجاعه، بل يكمُن التصالح وإيجاد السلام في عملية قبول أن هناك معنى وغاية لما حدث، وهذا كل ما يهم.

وبحسب موقع Reliable Life Strategies، يأتي الأمر من الالتزام تجاه نفسك بأنك لن تدع تجاربك السابقة تمنعك من أن تكون حاضراً خلال حاضرك ومستقبلك.

ولأنه من الممكن أن يمضي الشخص في حياته وهو يشعر بالغضب والألم والإحباط من شيء حدث منذ سنوات وحتى عقود، من الضروري معرفة أن التمسك بتلك المشاعر الثقيلة سيجعلك تتآكل شيئاً فشيئاً. وستحل هذه الأحاسيس محل مشاعر أخرى أكثر إيجابية وفائدة لك، مثل مشاعر التسامح والقبول والرضا والقناعة والأمل.

قد تشعر تجاه ماضيك أنه كان غير عادل، أو مؤذياً بشكل محض، أو مهيناً وجارحاً، أو قاسياً بصورة مطلقة، ومع ذلك فإن أكبر مصدر حقيقي لتلك التعريفات القاسية يكمُن في تمسكك أنت بتلك المشاعر ومواصلة تعزيز إحساسك بها من خلال الاجترار والاستسلام وعدم محاولة تجاوز الماضي وذكرياته.

ومن خلال الغفران والتسامح، سواء تجاه نفسك أو تجاه الآخرين يمكنك إتمام رحلة التعافي.

لا شيء يساعدك على التعافي والاستفادة من ماضيك مثل القبول والتصالح مع كل شيء - iStock
لا شيء يساعدك على التعافي والاستفادة من ماضيك مثل القبول والتصالح مع كل شيء – iStock

لا أحد يعلم ما المستقبل.. لذا كل ما عليك فعله الآن هو صنع ذكريات جديدة!

قد تؤدي تجاربك السابقة إلى حدوث سلسلة من الأحداث التي ستقودك يوماً ما إلى مكان جميل، هذا مما لا شك فيه، وهو غالباً ما يكون الواقع فعلاً، لو امتلكت بعض الصبر واليقين والمثابرة.

عندما تتوقف عن ربط نفسك وحياتك الحالية بذاتك السابقة، يمكنك النظر إلى خبراتك بإحساس من السلام الداخلي والقبول، مهما بدا ذلك خيالياً الآن بالنسبة لك.

أخيراً، ابدأ في صنع ذكريات جديدة وإيجابية لتحلّ محل تلك الذكريات السلبية من الماضي. على سبيل المثال، اقضِ وقتك مع الأشخاص الذين يجعلونك سعيداً، قم بممارسة الأشياء التي تجلب لك السعادة، وزر الأماكن التي تجلب لك السلام، وهكذا. وتذكر دوماً أن صنع ذكريات جديدة أفضل من أن تظل عالقاً في الماضي.

وفي الواقع، اكتشف العلماء وفقاً لموقع Scientific American العلمي، أن وجود الكثير من الذكريات القديمة يجعل تكوين ذكريات جديدة أكثر صعوبة، في أمر يشبه حافظة مساحة هاتفك المحمول مثلاً، لا يمكنك إضافة الملفات الجديدة إذا ما كانت كل المساحة لديك شاغرة بالفعل.

لذا إن كنت ترغب في تجاوز الماضي حقاً، قم بالخروج من حيّز الراحة وابدأ بخوض التجارب واكتساب الخبرات واصنع ذكريات لطيفة تُعينك على ما قد مضى.

تحميل المزيد