تشتهر الفترة المعروفة باسم العصور الوسطى كواحدة من أكثر العصور عنفاً وسوداوية في التاريخ الإنساني، وقد امتدت تلك الحقبة قرابة 1000 عام، من القرن الخامس إلى الخامس عشر، وهي الفترة التي اتسمت بقدر كبير من عدم المساواة والوحشية في كثير من أنحاء أوروبا.
وكان لوسائل التعذيب في تلك الفترة نصيب الأسد من الابتكار والاستخدام، إذ كانت هناك أسباب عديدة للتعذيب خلال العصور الوسطى أهمها التعصب الديني والعقوبات الجنائية.
وبطبيعة الحال، لم يكن كل من وقعت عليه العقوبة مجرماً، إذا كان الأطفال يلاقون عقوبات التعذيب وحتى الإعدام، بسبب سرقة الطعام، نتيجة للفقر المدقع والجوع الذي تفشّى في تلك الفترة.
وفي كتابه الصادر عام 1975 بعنوان "تاريخ التعذيب في إنجلترا" شرح ل. أ. باري سبب قيام الأشخاص في تلك الفترة التاريخية بتخصيص الوقت والإمكانات من أجل ابتكار واختراع أدوات تعذيب، لكلٍّ منها فنون في التعذيب وإيصال الألم للضحية.
وقال وفقاً لموقع How Stuff Works: "أكثر ما يلفت انتباهنا عند التفكير في أدوات التعذيب منذ العصور الوسطى ليس البربرية والوحشية، ولكن التنوع غير الطبيعي، وما يمكن تسميته بالمهارة الفنية في إيصال الألم".
فقد كان الرجال يفكرون في كيفية صناعة تلك الآلات لفترة طويلة وبعناية لإيصال جميع أشكال المعاناة، وقد قارنوا ودمجوا أنواع التعذيب المختلفة، حتى أصبحوا أساتذة في فنهم، والأكثر براعة في المجال، وقد أنفقوا على هذا الموضوع الكثير من الموارد.
بداية مفهوم التعذيب في القرون الوسطى
في العصور الوسطى، كان التعذيب يُستخدم لانتزاع المعلومات والإكراه على الاعتراف ومعاقبة المشتبه بهم وترويع الخصوم وإشباع الضغائن الشخصية.
وتاريخياً، استخدم الإغريق والرومان القدماء التعذيب للاستجواب، ويُعتقد أنهم أول من ابتكر في هذا المجال. وحتى القرن الثاني الميلادي كان التعذيب يستخدم فقط على العبيد والخدم، إذ كانت شهادة العبد لا تُقبل إلا إذا انتُزعت عن طريق أدوات التعذيب.
وكانت العديد من أدوات التعذيب المعروفة في ذلك الوقت من ابتكار السلطة المسيحية، وتراوحت من التواء الأطراف، أو لف الأربطة بشدة على أعضاء الجسم المختلفة، أو تمديد الشخص على آليات اللولب لشد أطراف الجسم، وذلك لأن الكنيسة تمنع إراقة الدم، فبالتالي كانت الأدوات تعتمد على الألم لا الإصابة.
وقد استخدم الفرنسيون النورمانديون الذين جاءوا إلى إنجلترا مع الأمير ويليام، التعذيب لاستخراج معلومات عن مواقع الكنوز.
ويقول الأنجلو ساكسوني كرونيكل في تأريخ له منذ عام 1139 بحسب موقع Medieval Warfare: "علقوهم من إبهامهم أو رؤوسهم، ووضعوا النار على أقدامهم. وضعوا خيوطاً معقودة حول رؤوسهم، ولفوها إلى أن وصلت إلى الدماغ".
وتابع معدداً ألوان التعذيب المستخدمة في تلك الفترة قائلاً: "وُضع بعضهم في صندوق قصير وضيق وضحل، ووضعوا فيه حجارة حادة، وضغطوا على الرجل فيه بشدة، لكي يكسروا جميع أطرافه، لا أستطيع أن أسرد كل صور التعذيب التي تعرض لها الرجال البؤساء في هذه الأرض".
وقد استخدمت المحاكم الأوروبية في العصور الوسطى وأوائل العصر الحديث التعذيب، اعتماداً على جريمة المتهم المزعومة والوضع الاجتماعي له. واعتُبرت أدوات التعذيب وسيلة مشروعة لانتزاع الاعترافات أو الحصول على أسماء الشركاء في أي جريمة، أو غيرها من المعلومات حول أي شأن وجده ذوو السلطة والمناصب مستحقاً.
1- براغي سحق الإبهام والأصابع
تمثل أداة الإبهام المسمارية شكلاً خبيثاً جداً من أشكال التعذيب، فهي لا تسبب موت الشخص عند استخدامها عليه، لكنها تسبب له عذاباً لا يُطاق، وكانت تُستخدم بشكل كبير خلال العصور الوسطى.
ويتألف الجهاز من ثلاثة قضبان معدنية منتصبة، يتم وضع الإبهام بينها، وينزلق شريط خشبي بشكل أفقي بطول القضبان المعدنية، ويضغط الأصابع على القضيب الحديدي السفلي بشكل يهشّم العظام.
وكانت البراغي الإبهامية تلك عبارة عن تطوير لجهاز سابق يُعرف باسم الوصلات، الذي كان يمكنه سحق جميع الأصابع العشرة ويشبه كسارة البندق.
ويُعتقد وفقاً لموقع How Stuff Works، أن نشأة تلك الأدوات تعود إلى الجيش الروسي حينما كانت تستخدم كعقوبة لسوء تصرف الجنود. وبحسب الموقع فقد أحضر رجل اسكتلندي مجموعة منها معه حينما انتقل إلى المملكة المتحدة.
2- مرشّة الرصاص
في أداة تستخدم إلى يومنا هذا في الكنائس الكاثوليكية، يستخدم الكهنة مرشة معدنية معينة لتقطير قطرات من الماء المقدس على الحشود خلال القداس.
وفي أداة تعذيب بنفس الفكرة، كانت تستخدم مرشة تحمل في الأساس نفس الفكرة، لكن الفارق أنه كان يتم ملأها بالمعدن الساخن المنصهر بدلاً من الماء المنعش والمبارك.
وبشكل أساسي، كان يتم تقطير السائل الساخن على وجه وعيون الضحايا في العصور الوسطى، ما كان يؤدي إلى ألم غير عادي وتشوهات، التي قد تفضي في النهاية إلى الموت البطيء بحسب موقع Thrillist.
3- لجام التوبيخ لعقاب النميمة
يُشار إلى أدوات التعذيب تلك تسمّى أحياناً باسم لجام برانك، وقد اعتمدت بشكل كبير على التشهير العام بالضحية، واستُخدمت في المقام الأول على النساء.
وبصرف النظر عن صعوبة الاضطرار إلى ارتداء قناع حديدي ثقيل على وجهك (والذي قد يكون عقوبة كافية في حد ذاته)، كان يتم تجهيز هذا الجهاز بلجام مسنن يتم غرسه في لسان الضحية كلما حاول التحدث.
وكانت هذه الأداة شائعة الاستخدام مع النساء اللواتي اعتُبِرن ثرثارات أو تناقلن الأخبار الكاذبة والنميمة، لكن بطبيعة الحال قد يكون تم استخدامه على نطاق واسع لعقاب واضطهاد النساء بصورة عامة، بغض النظر عن ارتكابهن لجرم معين أم لا.
4- العذراء الحديدية
كانت أداة "البكر الحديدية" أو "العذراء الحديدية" من أدوات التعذيب المضاعف، إذ كانت تخترق جسد الضحايا بعشرات الخناجر الحديدية، وفي نفس الوقت تضغطهم في نعش معدني ضيق لا يدخله الهواء أو النور.
وبالرغم من شيوع فكرة أن تلك الأداة تم استخدامها في العصور الوسطى، لكن يرجّح المتخصصون في تاريخ أدوات التعذيب أن تلك الآلة خيالية تم ابتكارها في القرن التاسع عشر، على يد هاوين للعصور الوسطى والأدوات المستخدمة القديمة.
وبحسب موقع Gizmodo كان أحد من ابتكر تلك الأداة هو ماثيو بيكوك، الرجل الذي قضى القرن التاسع عشر في جمع اللوحات وأدوات التعذيب التاريخية. وقد أراد أن يثبت كيف كان العصر الحديث آنذاك أفضل بكثير من الماضي.
وكان القصد من البكر الحديدية، التي جمعها وبناها من قطع تذكارية متنوعة، "إظهار الروح المظلمة خلال العصور الوسطى على النقيض من تقدم البشرية الذي وصل له الإنسان في القرن الـ19".
5- الرف الخشبي
تم استخدام الرف الخشبي كأحد أدوات التعذيب الشائعة في جميع أنحاء أوروبا لعدة قرون، وكان يأتي بأشكال عديدة، ولكن هذه هي فكرته الأساسية: يتم تقييد الضحية في جهاز ميكانيكي خشبي يتكون من عمودين متباعدين يمكن أن يدورا بدفعهما، وفيه يتم ربط قدمي وكفي الضحية، ويقوم المسؤول عن التعذيب بلفّ العمود الخشبي أو العجلة الدوارة تلك، ما يؤدي إلى شد جسم الضحية حتى خلع المفاصل أو حتى تمزيق الأطراف.
ويمكن أن يقترن هذا النوع من التعذيب بأشكال أخرى في العصور الوسطى لجعل الأمور أكثر إيلاماً، ففي إحدى القصص التي نشرها موقع How Stuff Works، تم ربط شاب مسيحي في عجلة كتلك حتى دُمرت مفاصله بسبب الشد، بعد ذلك أُشعلت نار تحت العجلة، ما زاد من حدة التعذيب.
وكان أحد أنواع الرفوف الخشبية تلك يُعرف باسم الحصان، وكان جهازاً خشبياً يشبه بشكل غامض حصاناً حقيقياً في الشكل، ويتم تقييد الضحية إلى عارضة الجهاز، ووجهه للأعلى، وتُربط بكرات أسفل الحبال المشدودة الملصقة على يدي وقدم الضحية، ويتم شد ومط الضحية حتى خلع مفاصلها، ثم يُترك هناك إلى أن يعترف بالمعلومات المرغوب فيها أو حتى الموت.
6- تقنية التعليق والغرق والتقطيع لأرباع
يتكون هذا التعذيب من عدة مراحل، وهو يعتمد على التقنية أكثر من كونه معتمداً على آلة بعينها. وفي المرحلة الأولى يتم جر الضحية (أو سحبها) عبر المدينة وهو مربوط في حصان راكض، لكي يجري إعدامه.
وفي المرحلة الثانية، يتم شنق الضحية بشكل كافٍ لدرجة تجعله يكاد يموت، لكن لا يموت فعلياً، ثم يتعرض لمزيد من التعذيب سواء من خلال نزع الأحشاء أو عبر قطع الرأس، أما المرحلة الثالثة بحسب موقع Thrillist، فيتم تقطيع الضحية إلى أربع قطع مختلفة، أو "أرباع".
7- مهد يهوذا
تم إطلاق اسم أسوأ صديق ليسوع وفقاً للمعتقد المسيحي، على هذا الجهاز المرعب، من دون معرفة سبب تلك التسمية على وجه التحديد.
وبحسب الموقع ذاته، فإن تلك الأداة عبارة عن هرم مدبب ويوضع الناس فوقه، بحيث يكون طرف الهرم المدبب مغروساً في أعضائهم التناسلية.
وعلاوة على فظاعة تلك الآلة، كان يتم إضافة الأوزان إلى قدمي الضحية، ما أدى إلى حدوث خوزقة كاملة للضحية، أو عدوى إنتانية، والتي عادة ما تفضي إلى الموت البطيء في شكل آخر من أشكال التعذيب البشع خلال العصور الوسطى.
8- سكافيزم أو أكل الضحية حية
نشر موقع The Archive التاريخي أن أصل ذلك النمط من التعذيب كانت بداية نشأته من بلاد فارس القديمة. وفيه يتم وضع الضحية في العراء لكي تأكله الحشرات.
وفي التفاصيل، كان يتم ربط الضحية تعيسة الحظ في جذع شجرة، وإطعامه خليطاً من الحليب والعسل لكي يصاب بالإسهال. بعد ذلك يتم تركه عارياً ومغطىً بالمزيد من الحليب والعسل، ويُترك ليجلس في فضلاته مع العسل والحليب لحين تأتي الحشرات لتتغذى عليه.
وعادة ما تحدث الوفاة في هذا النمط بسبب الجفاف أو الصدمة الإنتانية أو الغرغرينا. ومع ذلك يُعتقد أن تلك الطريقة لم تكن تستخدم على نطاق واسع في العصور الوسطى كما يُشاع.
نهاية ثقافة التعذيب بمفهومها القديم
تلك الوسائل البشعة من التعذيب وغيرها الكثير من أدوات التعذيب التي استخدمت خلال أكثر فترات التاريخ الإنساني سوداوية أصبحت جزءاً من الماضي اليوم.
وكانت أساليب الإعدام والتعذيب البطيء على الجرائم الخطيرة جزءاً من العدالة حتى تطورت المفاهيم الإنسانية في فلسفة القرن السابع عشر، إذ تم استنكار "العقوبة القاسية وغير العادية" في قانون الحقوق الإنجليزي لعام 1689.
وخلال عصر التنوير، طور العالم الغربي فكرة حقوق الإنسان العالمية. ويمثل اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948 اعترافاً بحظر عام للتعذيب من قبل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة UN، وفقاً لموقع Medieval Warfare.