الأرقام لا تكذب.. فوفقاً لمركز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) يبلغ متوسط عمر المرأة في الولايات المتحدة قرابة 81 عاماً، في حين يبلغ متوسط عمر الرجل 76 عاماً، وبشكل عام تبلغ متوسطات أعمار النساء في مختلف أرجاء العالم نسباً أعلى من متوسطات أعمار الرجال… لكن لماذا تعيش النساء عمراً أطول من الرجال؟ إليكم الإجابة:
لماذا تعيش النساء عمراً أطول من الرجال؟
الاختلافات البيولوجية هي العامل الأساسي الذي يجعل متوسط أعمار النساء أعلى من متوسط أعمار الرجال، ويوجد سببان رئيسيان لذلك وفقاً لأستاذة علم الديموغرافيا، فرجينيا زارولي.
يرتبط السبب الأول باختلاف الهرمونات الجنسية، إذ تمتلك النساء مستويات أعلى من هرمون "الإستروجين" مقارنة بالرجال ويمتلكن كذلك مستويات أقل من هرمون "التستوستيرون".
ووفقاً لدراسة نشرت عام 2017 في دورية "بيولوجي أوف سكس ديفرنسيس"، يوفر هرمون الإستروجين حماية من مجموعة من الأمراض، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية.
في المقابل، ترتبط المستويات العالية من هرمون "التستوستيرون" بزيادة خطر الإصابة ببعض الأمراض، مثل سرطان بطانة الرحم وسرطان الثدي لدى النساء وسرطان البروستاتا لدى الرجال، وذلك حسبما أفادت دراسة نشرت عام 2020 في دورية "نيتشر" الطبية.
وعن تأثير هذا الهرمون على متوسط العمر يقول كيونغ جين مين، أستاذ العلوم البيولوجية بجامعة إينها في كوريا الجنوبية: "تقلل الهرمونات الجنسية الذكرية من وظيفة المناعة وتزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية".
وفي دراسة نشرت عام 2012، قام مين وزملاؤه بفحص السجلات الصحية التاريخية لـ 81 من الخصيان الكوريين: (الرجال الذين تم إخصاؤهم وهم أطفال، وبالتالي توقفوا عن إنتاج الكثير من هرمون التستوستيرون). ووجدوا أن الخصيان يميلون إلى العيش حوالي 14 إلى 19 عاماً أطول من الرجال الطبيعيين الذين يشاركونهم نفس الوضع الاجتماعي والاقتصادي، وفقاً لما ورد في موقع Time.
وأوضحت فرجينيا زارولي أنَّ هرمون "التستوستيرون" قد يرتبط أيضاً بالسلوك المتهور أو السلوكيات المحفوفة بالمخاطر وارتفاع مستويات العدوانية، الأمر الذي يزيد من خطر الوفاة في عمر أصغر.
ثمة أيضاً دور للعامل الجيني، إذ يمتلك كل إنسان كروموسومين جنسيين: "X" و "Y". وتحمل النساء نسختين من الكروموسوم "X" ليكون تركيبها الجيني (XX) بينما يحمل الرجال كروموسومي "X" و "Y".
يحتوي الكروموسوم X على عدد جينات أكبر من الكروموسوم "Y". وتحمل النساء زوجاً من الكروموسوم "X" – أي مادة وراثية إضافية- وهو ما يسمح لهن، على سبيل المثال، بامتلاك خطة احتياطية في حال حدوث خلل جيني في واحد من الكروموسومين "X". تمنح هذه الميزة البيولوجية النساء –في المتوسط- حوالي عامين إضافيين في الحياة، مقارنةً بالرجال.
العوامل الاجتماعية تلعب دوراً كذلك
عندما يعيش الأطفال الرضع في أماكن ذات معدلات وفيات عالية، مثل مناطق المجاعات والأوبئة، فإنَّ معدلات بقاء المواليد الإناث على قيد الحياة أعلى من المواليد الذكور، وفقاً لدراسة أجريت عام 2018 بقيادة أستاذة علم الديموغرافيا، فرجينيا زارولي.
وجدت فرجينيا أنَّ النساء يعشن، في المتوسط، 4 أو 5 سنوات أكثر من الرجال. إذاً ما السر أيضاً في ميزة بقائهن على قيد الحياة فترة أطول من الرجال؟
قالت فيرجينا إنَّ ثمة عوامل اجتماعية تؤدي دوراً كبيراً أيضاً في هذا الصدد. وفقاً لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، يميل الرجال غالباً إلى تدخين السجائر وشرب الكحول بدرجة أكبر من النساء، بالإضافة إلى أنَّ الرجال أكثر عرضة للإفراط في شرب الكحوليات بمقدار الضعف تقريباً من النساء.
ووفقاً لبيانات البنك الدولي، فإنَّ 35% من الرجال حول العالم يدخنون، مقارنةً بنسبة 6% فقط من النساء.
وقد أفادت دراسة استقصائية نشرت عام 2020 في المجلة العلمية "Advances in Clinical and Experimental Medicine" بأنَّ النساء تميل إلى اتّباع نمط التغذية الصحية في حين يميل الرجال إلى تفضيل الوجبات الدهنية وتناول الوجبات السريعة.
وفقاً لدراسة أجراها مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) عام 2001، كانت احتمالات زيارة النساء للطبيب أعلى من الرجال بنسبة 33% مع استثناء الزيارات المرتبطة بالحمل، وفقاً لموقع Live Science الأمريكي.
ومع ذلك، يستحيل الفصل تماماً بين البيولوجيا والتأثيرات الاجتماعية لشرح ظواهر مثل سبب انخراط الرجال في سلوكيات محفوفة بالمخاطر.
قالت فيرجينيا زارولي: "يميل كلا العاملين –البيولوجي والاجتماعي- إلى التأثير في فجوة متوسط العمر المتوقع الموجودة بين الجنسين"، وأضافت أنَّ "التأثير المتبادل بين العاملين يستحيل تقسيمه".
ظاهرة حديثة نسبياً
لم تكن فجوة العمر المتوقع دائماً كبيرة كما هي عليه الآن. تظهر سجلات تفصيلية عن معدلات الوفيات أنَّ النساء لم يعشن عمراً أطول من الرجال على نحوٍ متواصل حتى بداية القرن الـ20 تقريباً، وذلك حسبما ورد في تقرير صادر عن "المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية".
قبل ذلك الوقت، كانت الأمراض المعدية متفشية وتودي بحياة كلا الجنسين على قدم المساواة تقريباً. بالإضافة إلى ذلك، كانت النساء كثيراً ما يتعرضن للموت أثناء الولادة.