صُورت فيها أفلام عالمية وتحولت قِبلة لأكبر المنتجين.. السينما تُحول ورزازات المغربية لهوليوود إفريقيا

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/07 الساعة 16:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/08 الساعة 10:45 بتوقيت غرينتش
واجهة متحف السينما بورزازات (خاص عربي بوست)

لم تفوّت المغربية سارة دربال زيارة متحف السينما في ورزازات ضمن برنامج رحلتها للجنوب الشرقي للمملكة، ففي نظرها لا تكتمل زيارة المنطقة ذات الصيت السينمائي العالمي دون دخول متحفها الشهير الذي يختزن ذكريات السينما العالمية.

انبهرت سارة بمهارة الصناع المغاربة الذين شاركوا في صنع وبناء ديكورات وخلفيات ومعالم تؤرخ بدقة للحضارات الرومانية والفرعونية والإغريقية والإسلامية.

بالنسبة لها، مكنتها هذه التجربة من التعرف عن قرب على كواليس تصوير الأفلام العالمية، مُبدية في حديث مع "عربي بوست"، إعجابها بمبادرة الحفاظ على أستوديوهات التصوير، وديكورات، وملابس وُظفت في أفلام عالمية وعرضها للجمهور عوض إتلافها بمجرد الانتهاء من التصوير.

غير أنها تأمل أن يحظى المتحف بمزيد من الاهتمام والتطوير، عبر خلق دينامية مع الزوار لتفادي رتابة المكان، مثل وضع شاشات تعرض لقطات لبعض الأفلام التي صورت فيه، وتجهيز المتحف ببعض التقنيات الرقمية الحديثة.

قاعة عرش النبي سليمان التي صور فيه فيلم عنه (خاص عربي بوست)
قاعة عرش النبي سليمان التي صور فيه فيلم عنه (خاص عربي بوست)

عالم من السينما

قبالة قصبة تاوريرت الشهيرة- وهي مبنى تاريخي بُني في القرن الـ17 الميلادي- يوجد متحف السينما في ورزازات، يقف الزائر أمام بوابته لالتقاط صور مع تماثيل فرعونية ضخمة قبل أن يغوص -عبر غرف متعددة- وسط عالم سينمائي.

قاعة عرش النبي سليمان، غرفة آسية زوجة فرعون، عربات رومانية، ملابس جنود رومان، تماثيل فرعونية، سجون تحت الأرض، مغارة علي بابا، مدافع، محكمة الجن… تلك بعض الديكورات التي يحتفظ بها متحف ورزازات السينمائي والتي استخدمت في أفلام عالمية كان هذا الأستوديو موقع تصويرها.

وخصصت إدارة المتحف قاعة لعرض آلات تصوير قديمة وأجهزة صوت وغيرها من الآليات التي تركها صناع أفلام في ورزازات، وقاعة أخرى لعرض ملابس قديمة استعملت في تصوير أفلام تحكي عن الفترتين الفرعونية والرومانية.

وعلى طول أحد ممرات متحف السينما في ورزازات، تتراص ملصقات لأشهر الأفلام التي صُورت في ورزازات أو داخل هذا الأستوديو مثل: بابل، غلادياتور، لورانس العرب، الوصايا العشر، إبراهيم، موسى، يوسف، سليمان وسبأ، شمشون ودليلة وغيرها.

غرفة آسية زوجة فرعون التي تم التصوير فيها في فيلم عن النبي موسى (خاص عربي بوست)
غرفة آسية زوجة فرعون التي تم التصوير فيها في فيلم عن النبي موسى (خاص عربي بوست)

من أستوديو إلى متحف

شُيدت بناية متحف السينما في ورزازات في ثمانينيات القرن الماضي على يد مستثمرين ايطاليين، وصُورت فيها أفلام أجنبية عديدة، وبعد مغادرتهم قررت السلطات المغربية في عام 2007، تحويلها إلى متحف للسينما.

ويعتبر متحف السينما في ورزازات الذي يشغل مساحة هكتارين وجهةً أساسية لزوار مدينة ورزازات من المغاربة والأجانب، وما زال موقع تصوير يستهوي صناع الأفلام المغاربة والأجانب.

يقول إبراهيم هناوي -وهو مرشد سياحي- لـ"عربي بوست"، إن "المتحف جزء أساسي من برنامج الرحلات التي تقترحها وكالته للسياح. ويضيف أن السياح الأجانب- الذين يشتغل معهم- تعتريهم الدهشة عندما يكتشفون أن أفلاماً عالمية استمتعوا بمشاهدتها صُورت بورزازات، وأن المتحف يحتفظ بديكورات منها، أو خلفيات تصوير مشاهدها.

ويلفت هناوي إلى أن متحف السينما في ورزازات إلى جانب أستوديوهات التصوير المتعددة تشكل عناصر جذب سياحي لورزازات، وتُبرز سمعة المدينة العالمية كوجهة مفضلة لصناع الأفلام.

خلفيات تصوير فرعونية (خاص عربي بوست)
خلفيات تصوير فرعونية (خاص عربي بوست)

متحف السينما في ورزازات.. وجهة منتجين

تستقطب ورزازات التي تبعد عن الرباط العاصمة بنحو 500 كم العديد من المخرجين والمنتجين العالميين، ويسعى المسؤولون المحليون لتطوير بنيتها المادية وإمكاناتها البشرية؛ للحفاظ على سمعتها العالمية.

وإلى جانب متحف السينما في ورزازات، شيَّد مستثمرون أستوديوهات تصوير مفتوحة أستوديو أطلس، وهو أكبر أستوديو طبيعي في العالم، وأستوديو أوسكار وأكلا، وفي سنة 2006 أنشئ المعهد المتخصص في مهن السينما لصقل قدرات شباب المنطقة بالمعرفة السينمائية.

فمنذ عشرينيات القرن الماضي، كان المغرب وجهة مفضلة للعديد من منتجي الأفلام الأجنبية، بدءاً من فيلم "مكتوب"، الذي صُور في طنجة سنة 1919 ،إلى "عطيل" لأورسون ويلز سنة 1952، ثم "الرجل الذي يعرف أكثر من اللازم" لألفريد هيتشكوك 1955.

وخلال مئة عام من الأفلام، اكتسبت ورزازات سمعة عالمية حتى لُقبت بهوليود إفريقيا، وبفضل الاهتمام العالمي بها وبمواقع أخرى، اختارت اليومية البريطانية "الغارديان" في أبريل/نيسان 2015، المغرب كأفضل ثاني وجهة عالمية لتصوير الأفلام.

خلفيات تصوير فرعونية (خاص عربي بوست)
خلفيات تصوير فرعونية (خاص عربي بوست)

المتحف… اكتشاف وذاكرة

بالنسبة للفنان مصطفى المساوي، وهو أستاذ في المعهد المتخصص بمهن السينما في ورزازات، فإن المتحف مَعلمة سينمائية لا يكتمل تكوين الطلبة والمهتمين بالسينما في المنطقة إلا بزيارته.

يقول المساوي في حديث مع "عربي بوست"، إنهم يُشجعون الطلبة للقيام بزيارات فردية للمتحف، حيث يكتشفون ويعاينون إمكانية إنشاء بلاتوهات تصوير تبهر الجمهور بمواد بسيطة ومتوافرة، مثل الخشب والصباغة الزيتية وغيرهما، كما يكتشفون آلات قديمة بمثابة تحف فنية تعود لفترة كان صناع الأفلام يعتمدون فيها على آلات ضخمة للتصوير والتحميض والمونتاج.

وينظم معهد السينما -بحسب قوله- زيارات منظمة ومؤطرة للطلبة، ينتقلون من خلالها من مرحلة الاكتشاف إلى مرحلة الذاكرة، إذ يتعرفون على تاريخ السينما بالمدينة وأهم الأفلام التي صُورت في المغرب، والديكورات التي استعملت فيها والمخرجين والمنتجين والممثلين الذين تركوا توقيعهم بالمكان، لافتاً إلى أن مضمون المتحف يتقاطع مع وحدات يدرسها الطلبة في المعهد وفي شعبة السينما بكلية مراكش.

استوديو أطلس بورزازات (صور غوغل)
استوديو أطلس بورزازات (صور غوغل)

عناصر جذب

تعاظم الاهتمام بمنطقة ورزازات ما بعد الاستقلال بالنظر إلى عناصر جذب متعددة حسب المساوي، ومن بين هذه العناصر الكفاءات البشرية التي  اكتسبت خبرة فنية وتجربة في العمل السينمائي نقلها جيل لآخر.

باستثناء الصورة والمونتاج- يوضح المساوي- فإن جميع متطلبات إنتاج فيلم سينمائي متوافرة في المدينة وتُصنع بأيدي صناع وحرفيين وتقنيين محليين من الديكورات والملابس والمؤثرات التقليدية.

ويضيف عامل جذبٍ آخر وهو الخصوصية الطبيعية والجغرافية للمنطقة، فهي تتوفر على إضاءة طبيعية طوال السنة، وتتجاور فيها الجبال بالصحراء والوادي والبحيرات، إلى جانب النسيج الإثني، حيث تتوافر فيها إثنيات متنوعة يحتاجها صناع الأفلام، خاصة في الأفلام التاريخية.

ويُضاف إلى كل ذلك التسهيلات التي تقدمها الدولة ومؤسساتها الرسمية وضمنها الجيش والبحرية وعناصر الأمن، والإعفاءات الضريبية، وتسهيل عملية الاستيراد المؤقت للأسلحة والذخيرة اللازمة لتصوير الأفلام، والتخفيضات التي تمنحها الخطوط الجوية الملكية للنقل الجوي للمعدات والأشخاص، وأيضاً تسهيل الإجراءات والتواصل مع الإدارات والسلطة المعنية بالتصوير.

"من يقيم في ورزازات يعيش وسط عالم السينما حتى لو لم يكن يمارسها أو يعتاش منها"، يؤكد المساوي، ويصف كيف تصبح المدينة في حالة تأهب عندما يبدأ تصوير أحد الأفلام العالمية.

وقال المتحدث: "تدب دينامية كبيرة وسط الحرفيين والصناع وأصحاب الأعمال والمطاعم والفنادق، وليس غريباً أن تكون جالساً في منزلك وتسمع أصوات انفجارات أو هدير طائرات، أو تذهب لقضاء غرض في أحد الأحياء وتجده مغلقاً بسبب التصوير، فكل ذلك جزء من الحياة المعتادة في المدينة".

تحميل المزيد