هل تشعر بأنك كلما تقدمت في السن بات الزمن يمضي بسرعة أكبر، ولا تكاد تجد وقتاً كافياً لممارسة نشاطاتك المفضلة كما في السابق؟ وهل تشعر في المقابل أن الوقت يمر بشكل بطيء للغاية عندما تكون في حالة ملل أو انتظار أو حزن على عكس الأوقات السعيدة التي تمضي بسرعة هائلة؟
في الواقع لست وحدك، فجميعنا نختبر إحساساً متبايناً بالوقت، مع أنه ذاته من ناحية الوحدة الزمنية، فما السر وراء ذلك؟
لماذا يختلف إحساسنا بالوقت بين لحظات السعادة والحزن؟
في دراسة أجراها عالِم النفس الألماني مارك ويتمان، لاختبار كيفية إحساس الناس بالزمن، طلب من عدد من الأشخاص البقاء في غرفة فارغة دون أن يفعلوا شيئاً على الإطلاق.
بقي المشاركون في الدراسة مدة 7 دقائق ونصف في الغرفة، وعندما تم سؤالهم عن الوقت التقريبي الذي قضوه في الغرفة قدّر البعض أن المدة كانت حوالي 20 دقيقة، فيما قال آخرون إنهم أمضوا في الغرفة قرابة دقيقتين ونصف.
اعتماداً على هذه التجربة استنتج ويتمان أن إحساسنا بالوقت لا يتوقف فقط على العوامل الخارجية، إنما يعتمد الأمر كذلك على طبيعتنا ونظرتنا للأمور، والسر كله يقبع في أدمغتنا في المقام الأول.
كيف يشعر دماغنا بالوقت؟
وفقاً لويتمان، لا يوجد إجماع بين العلماء على مكان وكيفية معالجة أدمغتنا للوقت.
لكنه قال إن الأدلة تشير إلى أن شعورنا حيال الوقت قد يكون دقيقاً، في غضون 5 ثوان فقط، لكن أحكامنا لا تكون دقيقة عندما يتعلق الأمر بالمدة الزمنية التي تتجاوز الـ5 ثوان.
وفي مجموعة أخرى من التجارب التي أجراها الدكتور ويتمان، طُلب من المشاركين تقدير فترات زمنية مختلفة تصل إلى 18 ثانية، هذه المرة أثناء مسح أدمغتهم بجهاز الرنين المغناطيسي.
وقد وجدت التجربة أن أولئك الذين لديهم نشاط أكبر في منطقة من الدماغ تسمى "القشرة الانعزالية" لديهم أحكام أكثر دقة في تحديد الوقت.
والقشرة الانعزالية قسم من الدماغ مسؤول عن مجموعة متنوعة من الوظائف، أبرزها المعالجة الحسية للمشاعر والعواطف والوعي الجسدي والذاتي.
وفسر ويتمان نشاط القشرة الانعزالية في هذه التجربة بأن إحساسنا بأجسادنا وأنفسنا مرتبط إلى حد كبير بإحساسنا بالوقت.
وبالتالي فعندما لا نفعل أي شيء فإننا نكون أقل تشتتاً وأكثر حساسية تجاه ما نشعر به، لذلك فقد نشعر بأن الوقت يمر أبطأ، في حالة الملل على سبيل المثال نشعر بشكل مفرط بمشاعرنا الجسدية والنفسية، لذلك نشعر بالوقت بدقة أكبر.
وعلى العكس، ففي حال كنا في موقف تتسارع فيه الأحداث، بحيث لا تكون لدينا الفرصة للإحساس بشكل كامل بما يدور حولنا، فإننا نشعر وكأن الوقت يطير ويمضي بسرعة كبيرة.
بمعنى آخر، يرتبط إحساسنا بالوقت بمقدار الاهتمام الذي نوليه للعالم من حولنا، وفقاً لما ورد في موقع ABC News.
فإذا كنا مستمتعين بشيء ما نولي اهتماماً أقل لمرور الوقت، لذلك يبدو لنا أنه يمر بسرعة أكبر، كذلك عندما نكون مشغولين للغاية فإن الوقت يمر سريعاً، لعدم إيلائنا الاهتمام الكافي له.
وعلى العكس، عندما نكون متيقظين تماماً وغير مشغولين فإننا نركز بشكل أكبر على إحساسنا بأنفسنا، وبالتالي على إحساسنا بالوقت الذي يبدو وكأنه يمر بشكل أبطأ.
لذلك ينصح ويتمان بإعادة الجسد إلى حالة اليقظة، للشعور بالوقت على نحو أفضل، فإذا كنت منغمساً في العمل على سبيل المثال اخرج من المكتب ولو لمدة 5 دقائق فقط، ولا تفعل شيئاً على الإطلاق، لتستعيد إحساسك بالزمن.
لماذا يمر الوقت بشكل أسرع مع التقدم في السن؟
في القرن التاسع عشر، جادل الفيلسوف الفرنسي بول جانيت بأننا ندرك الوقت بما يتناسب مع طول المدة التي قضيناها في الحياة، بمعنى أن عاماً واحداً بالنسبة لطفل عمره 5 سنوات أطول بكثير من عام واحد بالنسبة لكهل عمره 80 عاماً.
لكن النظريات الحديثة تشير أن ذاكرتنا تخدعنا عندما نتأمل الوقت الماضي، فيبدو لنا أنه كان أطول.
وكلما كانت العاطفة المرتبطة بالتجارب الماضية أقوى شعرنا أنها استغرقت مدة زمنية أطول.
علاوة على ذلك، كلما كنا أصغر في العمر كانت تجاربنا أكثر تنوعاً، مثل اليوم الأول في الجامعة، أو الزواج الأول، أو الطفل الأول، لكن مع التقدم في العمر تصبح حياتنا روتينية بشكل أكبر، وتقل تجاربنا الجديدة، وهذا سبب آخر يجعلنا نتذكر التجارب الماضية بدقة أكبر يبدو الوقت معها أنه كان أطول.
وعن مرور الوقت بشكل أسرع مع التقدم في العمر، يذكر موقع Science Alert أن هناك علاقة بين إحساسنا بالوقت وكمية المعلومات (بما في ذلك التصورات والأحاسيس والأفكار) التي تستقبلها عقولنا، فكلما زادت المعلومات التي تستقبلها عقولنا، يبدو أن الوقت يمر بشكل أبطأ.
يفسر هذا سبب مرور الوقت ببطء شديد للأطفال، حيث إن العالم بالنسبة لهم مكان جديد مليء بالتجارب والأحاسيس الجديدة، على عكس كبار السن الذين يصبحون أقل حساسية تجاه تجاربهم المألوفة، وبالتالي فهم يعالجون معلومات أقل.