لطالما اعتقد العلماء أن البشر دخلوا إلى الأمريكتين لأول مرة منذ حوالي 10 آلاف عام، وذلك بعد تشكل جسر بيرنجيا الذي ربط بين ألاسكا وشرق سيبيريا خلال عصر البلستوسين الجليدي، ومكن البشر من العبور سيراً على الأقدام إلى العالم الجديد.
لكن دراسة جديدة من المكسيك نسفت تلك الفرضية، إذ يعتقد فريق من علماء الأنثروبولوجيا من جامعة ولاية أيوا أن البشر وصلوا إلى الأمريكيتين منذ حوالي 30 ألف عام، والمعلومة الأكثر إثارة للاهتمام أنهم فعلوا ذلك عن طريق البحر.
دلائل من المكسيك تشير إلى وصول البشر إلى العالم الجديد قبل 30 ألف عام
كان علماء الأنثروبولوجيا يدرسون أصول الزراعة في وادي تهواكان بالمكسيك، حيث بدأ البشر الأوائل في تجربة الزراعة، وقد عثروا على العديد من النباتات التي يبدو أن البشر الأوائل قاموا باستخدامها، كما عثر على عظام حيوانات يعتقد أن البشر قاموا باصطيادها آنذاك.
في كهف سكنه البشر قديماً يطلق عليه اسم "كهف كوكسكاتلان" عثر العلماء على تلك العظام في أعمق طبقة من طبقات التنقيب، والمفاجأة كانت عمر تلك العظام التي تبين أنها أقدم بكثير من المتوقع.
فبعد تحديد تاريخ العينات باستخدام الكربون المشع، علم الباحثون أن عمر العظام يتراوح بين 33448 و 28279 عاماً، وفقاً لما ورد في موقع All That's Interesting الأمريكي.
قال أندرو سومرفيل، عالم الأنثروبولوجيا بولاية أيوا: "فوجئنا بالعثور على هذه التواريخ القديمة حقاً في أعمق طبقات الكهف، وهذا يعني أننا بحاجة إلى إلقاء نظرة فاحصة على القطع الأثرية التي حصلنا عليها من تلك الطبقات".
الدراسات السابقة تؤرخ فقط بقايا النباتات والفحم، والتي، وفقاً لسومرفيل، تشير إلى عمر أقل دقة بكثير من العمر الذي تشير إليه العظام.
وأضاف سومرفيل أنه على الرغم من أن الدراسات السابقة لم تحدد عمر القطع الأثرية التي عُثر عليها في الطبقة السفلية من الكهف، إلا أنه لم يكن من المتوقع أبداً أنها ستكون بهذا القدم.
بقايا لوليمة بشرية
على الرغم من أن علماء الأنثروبولوجيا يعتقدون أن العظام كانت بقايا لوليمة بشرية، إلا أن هناك حاجة إلى مزيد من الأدلة لإثبات ذلك.
قال سومرفيل إن نوع الدليل الذي سيبحث عنه هو وباحثون آخرون يشمل علامات قطع في العظام بالإضافة إلى أدلة على أنها قد غُليت أو وُضعت فوق نار للطهي.
وأضاف سومرفيل أنهم سيبحثون أيضاً عن وجود أدوات حجرية. فعلى الرغم من العثور على شظايا حجرية في أعمق طبقة من الكهف في الماضي، إلا أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت قد استخدمت في السابق كأدوات أم أنها مجرد قطع صخرية مكسورة.
واختتم سومرفيل بالقول: "إذا تمكنا من العثور على دليل قوي على أن البشر صنعوا فعلاً هذه الأدوات واستخدموها، فهذه طريقة أخرى يمكننا من خلالها المضي قدماً".
الأمريكيون الأوائل وصلوا إلى المنطقة عن طريق البحر
إذا كانت كل هذه الأدلة تشير إلى أن البشر، في الواقع، قد استقروا في ذلك الكهف المكسيكي منذ ما يصل إلى 33 ألف عام، فإن هذا يعني أنه لا يمكن أن يكونوا قد وصلوا إلى القارة عن طريق البر.
وذلك لأن جسر يابسة بيرنجيا كان لا يمكن الوصول إليه حتى حوالي 15 ألف سنة مضت.
وقبل ذلك، كان مغطى بالأنهار الجليدية التي تعود إلى العصر الجليدي، والتي ذابت بعد ذلك وأغرقت الأرض حتى انحسرت المياه بما يكفي ليعبره البشر سيراً على الأقدام.
وأوضح سومرفيل أن "دفع وصول البشر إلى أمريكا الشمالية إلى ما قبل أكثر من 30 ألف عام سيعني أن البشر كانوا بالفعل في أمريكا الشمالية قبل فترة الذروة الجليدية الأخيرة، عندما كان العصر الجليدي في أسوأ مراحله على الإطلاق. وكانت الأنهار الجليدية ستغلق تماماً أي ممر فوق الأرض القادمة من ألاسكا وكندا، مما يعني أنه ربما كان على الناس القدوم إلى الأمريكتين بالقوارب عبر ساحل المحيط الهادئ".
دراسات سابقة توصلت إلى الاستنتاجات ذاتها
وفقاً لما ورد في مجلة Nature، فقد كان هناك دراسات سابقة افترضت أن البشر وصلوا إلى العالم الجديد عن طريق البحر، وأنهم اكتشفوا ذلك العالم في تاريخ أقدم بكثير من التوقع السائد.
فوفقاً للمجلة، منذ عام 2012 ، قام فريق بقيادة بحثي من جامعة Zacatecas المستقلة في المكسيك بالتنقيب عن كهف تشيكوهوتي، الذي يقع على ارتفاع 2740 متراً فوق مستوى سطح البحر في جبال أستيليرو.
ووجد الباحثون ما يقرب من 2000 أداة حجرية، 239 منها مدمجة في طبقات من الحصى التي يعود تاريخها إلى ما بين 25000 و 32000 سنة.
وبسبب العثور على عدد قليل من هذه القطع يعتقد الباحثون أن الكهف قد تم استخدامه كملاذ فقط في الشتاء القاسي، وذلك لأن الكهف معزول جيداً ويوفر ملاذاً آمناً من العواصف الثلجية.
بطبيعة الأحوال تشير الأعمار القديمة لهذه القطع الأثرية إلى أن البشر الأوائل قد جاؤوا إلى المنطقة عبر البحر وليس عبر اليابسة، وفقاً للاعتقاد السائد.
ويُعتقد أنه إذا جاء البشر عن طريق القوارب، فمن المحتمل أن يكونوا قد أبحروا من آسيا عبر المحيط الهادئ، وهبطوا على الجانب الغربي من أمريكا ثم تحركوا شرقاً سيراً على الأقدام.
وعلى الرغم من الحاجة إلى مزيد من الأدلة لدعم هذه النظرية، إلا أن الدراسة مع ذلك هي لمحة مثيرة عن أصول الأمريكيين الأوائل ورحلتهم غير المسبوقة إلى العالم الجديد.