إذا سبق أن شعرت بالغرابة بعد أن استمعت إلى تسجيل صوتي لك وفكرت في نفسك "هل هذا ما يبدو عليه صوتي حقاً؟!" فاعلم أنك لست الوحيد.
ورغم أن الناس يسمعون أنفسهم يتحدثون طوال الوقت، فإن الغالبية العظمى منهم يشعرون بالاستغراب وعدم القبول تجاه صوتهم إذا ما سمعوها في تسجيل صوت أو في مقطع فيديو لهم، وذلك يعود لأسباب فسيولوجية ونفسية على حد سواء.
أسباب فسيولوجية للنفور من صوتنا المسجّل
جواب هذا السؤال ببساطة هو ما يلي: الصوت الذي تسمعه عندما تتحدث ليس هو نفسه ما يسمعه الآخرون.
ويقول ييل كوهين، مدير مركز علوم السمع في كلية الطب بجامعة بنسلفانيا، لمجلة Live Science: "إن الصوت الذي تسمعه على جهاز التسجيل هو في الواقع ما يبدو عليه صوتك بالنسبة للناس".
وهناك ثلاث عظام صغيرة تقع في الأذن الوسطى، وهي مسؤولة عن التناقض بين ما تعتقد أنه صوتك وبين الصوت الذي يسمعه الآخرون.
وبحسب مجلة NeuroScienceNews العلمية، تعتبر تلك العظام هي المفتاح الذي يعالج به جسم الإنسان الضوضاء من حوله، إذ تهتز طبلة الأذن باتجاه هذه العظام، والتي بدورها تنقل الاهتزازات إلى القوقعة، وهي بنية حلزونية الشكل داخل الأذن الداخلية.
وتترجم القوقعة هذه الطاقة الاهتزازية (الضوضاء) من العالم الخارجي إلى طاقة كهربائية، وهي الطريقة التي تتواصل بها خلايا الدماغ مع بعضها البعض وتستقبل بها المعلومات من حواسنا المختلفة.
وقال كوهين لـLive Science، إن تغير المعلومات خارج الجسم إلى شيء يمكن أن "تسمعه" خلايا الدماغ من الخارج يسمّى التحويل، وهي العملية المسؤولة عن توليد ما يسميه الناس "الصوت".
وتسمى معالجة المعلومات الصوتية عبر اهتزاز العظم بالتوصيل العظمي، بينما تسمى معالجة المعلومات الصوتية عبر اهتزاز الهواء خارج الأذنين بالتوصيل الهوائي. وفي حال قمت بالتحدث، يمزج الدماغ كلاً من التوصيل العظمي والهوائي لفهم الصوت وترجمته.
وتهتز العظيمات في الأذن كلما واجهت حافزاً صوتياً، لكن صوت الشخص نفسه أثناء الحديث دائما ما يكون هو الأعلى لتقارب الفم من الأذن في الرأس، لذلك تهتز العظام أكثر عندما تتحدث، ما يشوشر على صوتنا الآتي من الخارج.
وينتهي هذا الأمر بتشويش الصوت بدرجة معينة، مما يدفعنا لإدراك أن صوتك يحتوي على نغمة منخفضة بشكل خاطئ.
ولهذا السبب، قد تجد أن تسجيل صوتك يبدو أكثر حدّة وبوتيرة أعلى بكثير بالنسبة لك مما اعتدت سماعه عندما تتحدث.
نفور شديد لأسباب نفسية
وبسؤال الباحث حول سبب نفورنا من صوتنا عندما نسمع في أي تسجيل صوتي أننا نتحدث بطبقة صوت أعلى وأكثر حدة، في رد فعل حاد وسلبي للغاية، قال كوهين لـLive Science أن ذلك يحدث لأن الناس يعتقدون أنهم يعرفون كيف تبدو أصواتهم وبالتالي يكون الأمر مفاجئاً.
وسبب النفور هو أن الصوت الذي سمعناه هو صوت جديد فعلاً. ونظراً لأن صوتك فريد ومكوِّن مهم لهويتك الذاتية، فقد يكون عدم التوافق هذا أمراً مزعجاً وصادماً، إذ فجأة تدرك أن الآخرين كانوا يسمعون شيئاً آخر غير الذي تعرفه طوال الوقت.
وتشير الأبحاث وفقاً لـLive Science، إلى أن الأشخاص يقومون بإجراء تعديلات فورية على طريقة استخدام صوتهم إذا ما واجهوا أي تغير خارجي.
على سبيل المثال، يقوم الأشخاص الذين يستخدمون ميكروفون يعدّل من طبقة الصوت، بتغيير طبقة صوتهم المعتادة لا إرادياً، وذلك للحديث بالنبرة التي يعتقدون أنها صوتهم الأصلي.
ويشبه الأمر عدم امتلاك مرآة لعدة أشهر مثلاً، مع الاعتقاد بتصور معيّن عما تبدو عليه ملامح وجهك. وفي غضون هذه الأشهر، تبدأ في تناول الكثير من الطعام وتكتسب الكثير من الوزن. ثم تشعر بالصدمة إذا ما نظرت في المرآة فجأة.
ارتباطنا بنبرة صوتنا المتوقعة
وبناءً على المعلومات من حولهم، يميل الأشخاص إلى إجراء تغييرات طفيفة في طريقة تحدثهم طوال الوقت. وتشير الأبحاث إلى أن المتغيرات الاجتماعية، يمكن أن تجعل الشخص يقوم بتعديلات في طبقة صوته.
وفي دراسة نُشرت عام 2005 بمجلة طب الأذن والأنف والحنجرة السريري، قام مرضى يعانون من مشاكل في الصوت بتقييم أصواتهم عند سماع تسجيلات لها. كما قام الأطباء بتقييم الأصوات أيضاً. ووجد الباحثون أن المرضى يميلون بشكل عام إلى تقييم صوتهم المسجل بشكل سلبي مقارنة بالتقييمات الموضوعية للأطباء.
وعلى الرغم من أننا قد نتفاجأ بنبرة "ميكي ماوس" التي نتحدث بها في التسجيلات الصوتية لنا، يجب تذكُّر أن الآخرين لن يقوموا بإجراء نفس التقييمات حول صوتك التي قد تقوم أنت بها. فنحن لا نميل إلى انتقاد أصوات الآخرين سواء المسجلة أو الطبيعية، لذا فمن المحتمل أنك الشخص الوحيد الذي يفكر في غرابة نبرة صوته المسجلة في أحد مقاطع الفيديو.