من يعرفون مدينة مراكش ويَخبُرون شوارعها وأزقتها يدركون أن ضريح السلطان المرابطي يوسف بن تاشفين، يقع في مركز مثلث سياحي حيوي زواياه مسجد الكتبية وقصبة الموحدين وساحة جامع الفنا الشهيرة، وخلف الضريح مباشرة يوجد واحد من أفخم الفنادق على الصعيد العالمي وهو فندق المامونية.
سيرة الإمبراطور
حين الحديث عن كل هذه المآثر التاريخية والسياحية المهمة بالقلب النابض للمدينة المغربية الحمراء، يُخيل لمن يقرأ عن الضريح دون سابق زيارة له، أنه آية في العمران والهندسة، إلا أنه في الحقيقة بناء قديم مُغرق في البساطة والتواضع حد الإهمال.
صاحب الضريح، هو أبويعقوب يوسف بن تاشفين بن إبراهيم اللَّمتوني الصنهاجي (400 – 500 هـ / 1009 – 1106 م)، إمبراطور قوي وَحَّد المغرب وضمَّ الأندلس تحت مُلكه وسلطته، تولى إمارة دولة المرابطين واستطاع إنشاء ولاية إسلامية تمتد بين مملكة بجاية (الجزائر) شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً، وما بين البحر المتوسط شمالاً حتى السودان جنوباً.
"هو بانى مدينة مراكش انطلاقاً من عام 1070، وبطل "معركة الزلاقة" ومؤسس إمبراطورية وحَّدت شمال الغرب الإسلامي وجنوبه، الأندلس والمغرب، هذه المعطيات كافية لمنح الرجل وضعاً اعتبارياً في سياق تاريخ مراكش وعموم تاريخ الوطن"، يقول عبدالجليل بن محمد الأزدي، أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة القاضي عياض بمراكش.
ويتابع الأزدي خلال حديثه لـ"عربي بوست"، قائلاً إن "واقع إهمال جنبات الضريح وداخله، ثم إسناد أمر تدبيره إلى سيدة توارث أفراد أسرتها مفاتيح باب الضريح والاعتناء به مقابل بعض الإكراميات، دون أن تتكلف بالمهمة لا وزارة السياحة ولا وزارة الثقافة ولا أي مؤسسة خاصة مهيكلة".
الضريح المنسي
إهمال ضريح يوسف بن تاشفين، الذي لا تتجاوز مساحته أمتاراً قليلة، ظلت سؤالاً يؤرق العابرين والمقيمين، كما يؤرق المهتمين والفاعلين في الحقل السياحي والمضمار الثقافي والمجال الجامعي الأكاديمي.
في نظر الأستاذ الجامعي، فمن المفروض إعادة الاعتبار لتاريخ يوسف بن تاشفين ومكانته ورمزيته وضريحه، إذ بذلك تتحقق القدوة التاريخية للأجيال المتتالية، القدوة في الحفاظ على التراث الوطني بكل ما له من رمزية شامخة، سواء كان هذا التراث لامادياً أم عمرانياً أو رمزياً.
بعد تدخلات ونداءات العديد من المؤرخين الأجانب والمغاربة ومثقفي مراكش وجمعيات مدنية، الذين نبهوا المسؤولين عن المدينة إلى ضرورة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، تم ترميم الضريح خلال السنوات الأخيرة وصباغة جدرانه وتبليط أرضيته، والذي كاد يندثر لولا زيارة قام بها الملك الراحل محمد الخامس سنة 1961.
صحيح أن ابن تاشفين عُرف متصوفاً زاهداً ومتقشفاً، إلا أن الدكتور الأزدي لا يرى أية علاقة بين تصوفه وبين الإهمال الذي يطال تاريخه وضريحه، "إنه إهمال سياسي في المقام الأول وذو طبيعة إيديولوجية في مقام ثان"، وفق تعبير المتحدث.
وبرغم هذا الإهمال، فأهل مراكش يفتخرون كونهم أحفاد يوسف بن تاشفين وأنهم أبناء ساحة "جامع الفنا"، الجامعة التاريخية التي لن تضاهيها جامعة أخرى، فهي أكاديمية اللغات والفنون ومدرسة الحياة.