من بين الطرق المبتكرة التي تلجأ إليها الحيوانات لحماية نفسها في البرية، يكون التظاهر بالموت أحد أكثر تلك الطرق إبداعاً وإثارة للاهتمام.
الخدعة التي تنتهجها بعض أنواع الحيوانات المعروفة علمياً باسم "Thanatosis" أو "تنشيط عدم الحركة"، يحدث بأن يتصنّع الحيوان كونه ميتاً لكي ينجو من أي خطر محتمل من رفقائه في المملكة الحيوانية، وهو خطة للبقاء تنتهجها نوعيات مختلفة من الحيوانات بداية من الطيور والثدييات ووصولاً إلى الأسماك.
ومن أشهر عمليات تزييف الموت هي التي يتصنّعها حيوان ابوسوم فرجينيا في أمريكا الشمالية، إذ يقوم الحيوان عند الشعور بالخطر بفتح فمه وإخراج لسانه وإفراغ أمعائه ليخرج سوائل كريهة الرائحة لإقناع أي حيوان مفترس يهاجمه بأنه حيوان نافق منذ مدة طويلة ولن يصلح أكله.
بدورها، تتظاهر خنازير غينيا والعديد من أنواع الأرانب بأنها جثة هامدة عند مقابلتها أي حيوان مفترس أو تهديد لحياتها، كما يفعل عدد من الثعابين، مثل ثعبان تكساس النيلي.
ويشمل المحتالون من الطيور طائر السمان الياباني وبعض فصائل الدجاج المحلي والبط البري هناك. حتى أن بعض أسماك القرش تتظاهر بأنها ماتت، وهي تنقلب على ظهورها وتتجمد للحظات لحين زوال الخطر.
وتمارس العشرات من اللافقاريات خدعة تصنُّع الموت وعدم الحركة، مما يجعلها من بين الأنواع الأكثر شيوعاً -أو على الأقل الأكثر دراسة- للقيام بذلك.
على سبيل المثال، عندما يقترب حيوان مفترس من حشرات الجنادب القزمة في اليابان فإنها تقوم فوراً بتصنُّع الموت عن طريق مد أرجلها في عدة اتجاهات، ما يجعل من المستحيل تقريباً على الضفادع أن تبتلعها، بحسب موقع "ناشونال جيوغرافيك".
وبشكل عام، لا يعرف العلماء الكثير حول هذه الظاهرة، وتتواصل الدراسات لاستكشاف دوافع وأبعاد هذا السلوك لدى النوعيات المختلفة من الكائنات الحية.
خدعة لنيل "فرصة أخيرة" في الحياة
توضح "ناشيونال جيوغرافيك" أن الحشرات بصورة خاصة يتظاهر العديد منها بالموت بعد أن يمسكها مفترس ما، وهي ظاهرة تسمى "الجمود بعد الاتصال".
على سبيل المثال، يمكن أن تلعب يرقات حشرة "Euroleon nostras antlions" -وهي نوع شرس من الحشرات المجنحة- دور الميت لمدة قد تصل إلى 61 دقيقة.
من ناحية أخرى وثّق عالم الطبيعة والجيولوجيا المعروف تشارلز داروين ملاحظته لخنفساء ميتة لمدة 23 دقيقة تقريباً قبل أن تدبّ فيها الحياة فجأة، وفقاً لناشيونال جيوغرافيك.
وتقول الباحثة الإنجليزية "آنا سيندوفا فرانكس"، في دراسة أجريت في مارس 2021 حول هذا السلوك ونشرتها في مجلة "Biology Letters": "إنها تعمل بمثابة الفرصة الأخيرة في حياة الكائن الحي".
وتوضح الباحثة أن الأمر يختلف عن تلك الحالة من الجمود التي قد تصيب بعض البشر عند مواجهة خطر مفزع أو موقف شديد، حينما يتسمّر الشخص فيه ولا يقدر علىإبداء أي ردة فعل، ولكنها في حالة هذه الحيوانات والحشرات مثلاً تُعد بمثابة رد فعل فسيولوجي لا إرادي للخطر، ويقوم فيها الكائن الخائف على حياته بتصنُّع الموت حقاً وحتى إبطاء معدل ضربات قلبه لكي ينجو من خطر الافتراس.
لعب دور الميت للتزاوج مع الإناث!
بينما تلعب معظم الحيوانات والحشرات دور الموت للهروب فعلياً من خطر الموت المحدق، اتضح أن بعض الكائنات تمارس هذا الدور أيضاً ولكن لأسباب مختلفة كلياً.
تقوم إناث إحدى أنواع العناكب التي تُدعى "Nursery Web Spider" بافتراس الذكور بعد التزاوج، لذلك يقوم الذكر بصنع حزمة من الطعام، أو الحشرات الملفوفة في خيوط الحرير، ويلصق نفسه بها متظاهراً بالموت.
وعندما تبدأ الأنثى في تناول الطعام، يعود الذكر إلى الحياة مجدداً ويحاول التزاوج مرة أخرى. وقد تنجح الخدعة أحياناً فعلاً، أو قد تقوم الأنثى في النهاية بتناوله على العشاء.
ووفقاً للباحثة "فرانكس" فإن التظاهر بالموت ليس مجرد استراتيجية لمكافحة الافتراس ولكنه وسيلة للبقاء والنجاة أيضاً، على حد وصفها.
التظاهر بالموت للحصول على الطعام
وتتظاهر أسماك البلطي في أمريكا الوسطى بأنها ميتة في قاع البحيرات لجذب الأسماك والفرائس الأخرى، وعندما تأتي سمكة أخرى لتأخذ قضمة من الجثة، يستيقظ البلطي ويضرب ويحصل لنفسه على وجبة سهلة.
وبالمثل، يزيّف الهامور البرازيلي موته لجذب طعامه من الأسماك الصغيرة.
وفي تجربة أجريت عام 1975 بمجلة "The American Midland Naturalist" لعلوم الطبيعة، لاحظ العلماء كيف أن الثعالب الحمراء تصطاد في عادتها خمسة أنواع مختلفة من البط، لكن معظمها هذا الصيد يموت على الفور عند صيده.
وفي العادة تجلب الثعالب البط إلى أوكارها لتناوله لاحقاً، لكن حينها قد تجد الوكر فارغاً بعد أن فرّت البطة المخادعة ونجت بحياتها.
ولذلك تقوم الثعالب الحمراء الأكثر تمرُّساً بافتراس البط وتشويهه حتى وإن بدا لها ميتاً بالفعل، لضمان عدم هروب فريستها لاحقاً.