بعد خمس سنوات على إقرار منع الأكياس البلاستيكية في المغرب لا يزال القضاء عليها عصِيّاً، رغم العقوبات والغرامات والحملات التوعوية ودوريات المراقبة، في وقت لا تزال منتشرة بالأسواق الشعبية والمحلات التجارية.
يوم الأول من يوليو/تموز من سنة 2016، دخل القانون رقم 77.15 حيز التنفيذ، والذي يتم بموجبه منع إنتاج وتسويق واستعمال الأكياس البلاستيكية في السوق الداخلية، وتهمُّ تلك التي تُمنح بعوض أو بالمجان للمستهلكين، في نقاط بيع السلع أو المواد، أو تقديم الخدمات بغرض التغليف.
القانون ألزم الوحدات الإنتاجية العاملة في هذا المجال بإنتاج أكياس بديلة غير مضرة بالبيئة. كما أقرَّ عقوبات بحق مستعملي ومروِّجي الأكياس البلاستيكية.
بعد سنتين ونصف السنة على إقرار القانون الذي نال رضا واستحسان المدافعين عن حماية البيئة وغضب المِهنيين، خرج مولاي حفيظ العلمي، وزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي ليُقِر أن "بعض الأسواق التقليدية لا تزال تستعمل الأكياس الممنوعة، مع ظهور طرق جديدة لإنتاج وتوزيع الأكياس في القطاع غير المهيكل".
عقب خمس سنوات باتت الأكياس البلاستيكية منتشرة في عدد من الأسواق والمحلات التجارية في قلب العاصمة الرباط ومدينة سلا المحاذية لها.
لا بديل عن البلاستيك!
هنا سوق "حي كريمة" بمدينة سلا شمال العاصمة المغربية الرباط، حيث يوجد عشرات الباعة ممن يعرضون سلعهم من خضر وفواكه وأسماك ولحوم وغيرها، وينادون عليها حيناً، قبل أن ينشغلوا بجمع مقتنيات الزبائن وتسليمها لهم في أكياس بلاستيكية من جميع الأحجام والألوان.
عبدالسلام، تاجر خضر بالسوق، أكد لـ"عربي بوست" أنه يقتني كيلوغرامات من الأكياس البلاستيكية البيضاء ذات الحجم الصغير وأخرى بحجم أكبر، "من الصعب الاستغناء عن الأكياس البلاستيكية، إنها عملية كما أن الزبائن يطلبونها"، يقول المتحدث.
بجولة قصيرة داخل السوق، بات من الواضح أن جُل الباعة يستخدمون الأكياس البلاستيكية في اللف وتجميع البضائع والسلع، حين توجه "عربي بوست" بالسؤال لمحمد، وهو بائع أسماك، أكد أن زبائنه يطلبون توفير الأكياس البلاستيكية لأنها القادرة على حفظ السمك والحيلولة دون اتساخ ملابسهم أو سياراتهم".
يقول المتحدث بكل ثقة "في مهنتي، وبالنسبة لزبائني لا بديل للأكياس البلاستيكية، في حال لم أُوفِّر لهم أكياساً بلاستيكية فسيقصدون بائع أسماك غيري".
بالانتقال إلى سوق "الانبعاث" الشعبي، والمكتظ دوماً، في مدينة سلا أيضاً، كشف أحد تجار المواد الغذائية لـ"عربي بوست" أن "التجار يعمدون إلى اقتناء كميات كبيرة من الأكياس البلاستيكية والاحتفاظ بها"، ما سجل ارتفاعاً في ثمنها قبيل حلول شهر رمضان، "على العموم الثمن يختلف حسب النوع والجودة".
بالنسبة للأكياس البلاستيكية التي يتم تسويقها لفائدة المستهلكين، فيتراوح ثمنها عادة ما بين 25 درهماً (دولارين ونصف) و30 درهماً (3 دولارات) للكيلوغرام الواحد، إلا أن الأثمان قفزت قبل رمضان بأيام قليلة واستقرت في حدود 40 درهماً (4 دولارات) للكيلوغرام.
ورغم قرار المنع بقوة القانون، وتطبيق العقوبات الزجرية بحق كل من تورط في تغليف وتجميع المواد الغذائية بأكياس بلاستيكية، تبقى عمليات المراقبة من طرف مراقبي وزارة الصناعة والتجارة، بالإضافة إلى رجال السلطة التابعين لوزارة الداخلية غير كافية، رغم الأرقام المُعلن عنها.
فمنذ اعتماد القانون تم إنجاز 739 ألف عملية مراقبة من طرف وزارة الداخلية، ما بين يوليو/تموز 2016، إلى 28 ديسمبر/كانون الأول 2018، بالإضافة إلى 4600 عملية مراقبة من طرف وزارة الصناعة والتجارة.
ويشير القانون المتعلق بمنع صنع هذه الأكياس بالمغرب، إلى وجود أعوان ومحلّفين يُحرِّرون مخالفات تجاه الأشخاص المعنيين بصناعة وحيازة الأكياس البلاستيكية، مع إمكانية توجيه إنذار مكتوب إلى مرتكبي المخالفات طبقاً لمضامين القانون.
ويعاقب طبقاً للقانون 15-77 "بغرامة مالية تتراوح بين 200 ألف ومليون درهم (23 ألف دولار و112 ألف دولار)، كل شخص صنع الأكياس من مادة البلاستيك قصد تلفيف بضائع المستهلكين في نقاط بيع السلع أو المواد أو تقديم الخدمات. كما يعاقب بالغرامة من 20 ألفاً إلى 100 ألف درهم (2300 دولار إلى 11 ألف دولار) لكل استعمال للأكياس البلاستيكية في الأغراض غير المخصصة لها".
ويعاقب طبقاً للقانون بـ"غرامات مالية تتراوح بين 10 آلاف و500 ألف درهم (112 دولاراً و56 ألف دولار)، كل شخص يحوز أكياساً مكونة من مادة البلاستيك، والمخصصة لأغراض المستهلكين، بغرض بيعها أو توزيعها بدون أو وفق مقابل مادي".
أين تصنع الأكياس إذن؟
منذ منع تصنيع واستعمال الأكياس البلاستيكية فقد آلاف العاملين في القطاع عملهم، ما دفع العديد من المهنيين إلى تصنيعها بشكل سري. مصادر "عربي بوست" أكدت أن عدداً كبيراً من المصانع غير المرخصة يتم إنشاؤها خارج المدن، كما تحتضنها بعض المزارع البعيدة عن الأعين.
"عربي بوست" قام بإجراء اتصال بصاحب معمل سري لتصنيع الأكياس البلاستيكية، بحثاً عن تفاصيل أوفى، قبل أن يتساءل مُخاطبنا: "من منحكم رقمي الهاتفي؟"، وأغلق الخط مباشرة.
في نظر بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، فإن الخلل يكمن في غياب توعية المواطنين بطريقة صحيحة، "حين يرفض المستهلكون وضع حاجياتهم في أكياس البلاستيك ويستعملون عوضها أكياساً بديلة، ستختفي آنذاك من الأسواق".
وانتقد الخراطي خلال حديثه لـ"عربي بوست" جودة بدائل الأكياس البلاستيكية المنتشرة في الأسواق المغربية، موضحاً أن الأكياس القماشية المنسوجة على اختلاف ألوانها لا تحترم مقاييس الجودة الوطنية، متسائلاً عن سلامة المواد الغذائية التي توضع داخلها وعلى رأسها الخبز.
وعاب الفاعل المدني قرارات وزارة الصناعة والتجارة، حين عملت على إعداد قانون دون إشراك الفاعلين في القطاع أو استشارة المشتغلين لصالح حماية المستهلك، حول الطريقة الناجعة لوقف زحف انتشار الأكياس البلاستيكية.
الخراطي يرى أن المراقبة يجب أن تتم بداية من الموانئ، حين تصل شُحنات كبيرة من حبيبات البلاستيك المستوردة، والتي تشكل المادة الخام لصناعة الأكياس البلاستيكية، ويتم إدخالها للبلاد قبل أن تصل وجهتها دون عراقيل.