على عقيدة الإمام أحمد بن حنبل، والشافعي، ومالك، وأبي حنيفة، سار الإمام أبو الحسن الأشعري، مؤسساً المذهب الأشعري التي تنتمي لجماعة أهل السنة، فمن هو الإمام الأشعري وما هي معتقدات هذه الطائفة؟
وُلد الإمام أبو الحسن الأشعري في عام 936م ويلقب بناصر الدين، وينتهي نسبه إلى الصحابي أبي موسى الأشعري.
ولد بالبصرة في العراق سنة 260هـ على أرجح الروايتين، وقيل سنة 270هـ، ودرس فيها، ثم تابع دراسته في بغداد.
قال عنه ابن عساكر في كتابه "تبيين كذب المفتري": "وهو بصري، سكن بغداد إلى أن توفي بها سنة ثلاثمئة وأربع وعشرين هجرية، على الأرجح، وكان يجلس أيام الجمعات في حلقة أبي إسحاق المروزي الفقيه من جامع المنصور".
كان من الأئمة الذين اجتهدوا وجددوا، محافظاً في الوقت نفسه على عقيدة المسلمين الأساسية، كما تبع اجتهاداته جمهور كبير من العلماء حتى يومنا هذا.
مر الأشعري بعدة مراحل فكرية ودينية بدأت بتأييد مذهب المعتزلة لنحو 40 عاماً، ثم تراجع واعتنق رأي عبدالله بن سعيد بن كلّاب فيما يعد المرحلة الثانية من تطوره الفكري والعقائدي.
تبرأ لاحقاً من الأقوال التي اعتنقها فترة حول مفهوم "خلق القرآن"، لكنه في كتاب الإبانة- وهو آخر كتاب أصدره- قال: "قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها: التمسك بكتاب الله ربنا عز وجل، وبسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وما رُوي عن السادة، الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل نضّر الله وجهه، ورفع درجته، وأجزل مثوبته قائلون، ولِما خالف قوله مخالفون؛ لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل، الذي أبان الله به الحق، ودفع به الضلال وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين، وزيغ الزائغين، وشك الشاكين، فرحمة الله عليه من إمام مقدم، وجليل معظم، وكبير مفهم".
هذا التصريح اعتبره أهل السند عودة إلى موافقة أهل السنة والجماعة أو مذهب السلف، الذين يمثلهم الإمام أحمد بن حنبل آنذاك.
ومعظم من اعتنقوا واجتهدوا في هذه الطائفة لا يلتزمون كلياً بمذهبه وينفون مثلاً صفة الاستواء لله والعلو والنزول واليد والعين والقدم والكلام، بل خلطوا بعض معتقدات الجهمية والمعتزلة وبعض الفلاسفة.
وعنه قال ابن كثير: ذكروا للشيخ أبي الحسن الأشعري 3 أحوال:
أولها: حال الاعتزال التي رجع عنها لا محالة.
الحال الثاني: إثبات الصفات العقلية السبع، وهي الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام، وتأويل الخبرية كالوجه والقدم والساق ونحو ذلك.
الحال الثالث: إثبات ذلك كله من غير تكييف ولا تشبيه جرياً على منوال السلف وهي طريقته في {الإبانة} التي صنفها آخراً.
بعض معتقدات المذهب الأشعري
استدل الأشعري بالأدلة العقلية والبراهين المنطقية على صدق ما جاء في الكتاب والسنة بعد أن أوجب التصديق بها كما هي نقلاً، فهو لا يتخذ من العقل حَكَماً على النصوص ليؤوّلها أو يمضي ظاهرها، بل يتخذ العقل خادماً لظواهر النصوص يؤيدها.
من أهم مبادئ ومعتقدات الإمام الأشعري، وفقاً للدكتور محمد أمين فرشوخ في كتابه موسوعة عباقرة الإسلام:
- الله تعالى واحد لا شريك له، قديم لا أول له. وأثبت هذا الوجود بالآيات القرآنية وبالأدلة المنطقية.
- الله تعالى يعلم الواجب والجائز والمستحيل، محيط بكل شيء ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.
- القرآن الكريم من حيث هو كلام الله تعالى بالحقيقة قديم أزلي، ومن حيث هو ألفاظ تُنقل وتسمع فهو مُحدث ومخلوق.
- أفعال العباد كلها مخلوقة والله تعالى هو خالقها، والعبد عاجز عن خلق أعماله، إلا أن للإنسان قدرة على الأفعال الإرادية فقط، والإنسان كاسب لهذه الأفعال، ينال الثواب والعقاب عليها.
- التمسّك بكل ما جاء في القرآن والسنة الصحيحة في كل ما يتعلّق بصفات الخالق، وعلى المؤمن المسلم عدم السؤال عن معانيها.
- الاعتقاد بأن الإيمان هو التصديق بالقلب، أما القول باللسان والعمل بالفرائض فهما من فروعه. والشفاعة واردة فالنبي يشفع لأمته.
- رؤية الله في الآخرة للمؤمنين أمر جائز، وقد بيّن ذلك بالآيات القرآنية والأدلة العقلية.
- السببية الحقيقية لكل ما يحدث ليست النظام المقرر والنواميس الطبيعية بل هو الله تعالى.
منهجه في البحث عن الحقيقة
دعا الأشعري إلى البحث عن الحقيقة ونبذ التعصب؛ حيث لم تمنعه 40 سنة قضاها في الاعتزال عن الرجوع عنها. ومن أهم بنود منهجه الفكري:
- دوام الفكر دون توقف، وكثرة التأمل مع الخلوة المؤقتة حتى يتفرغ الذهن من الشواغل.
- الالتجاء إلى الله تعالى والاعتراف بالعجز بين يديه سبحانه وتعالى، ودوام الخضوع له والتماس الهداية منه.
- اعتماد الكتاب والسنة أصلاً وحيداً في الشرعيات، فما وافق الكتاب والسنة في قضايا الشرع قُبل وما لم يوافق رُد، ولا يعد هذا انتقاصاً للعقل؛ إذ العقل مجاله العقليات، أما في الشرعيات فعمله منحصر في إثبات صدقها أولاً ثم فهمها الصحيح ثانياً، والعمل بمقتضاها أخيراً.
موقفه من التكفير
بنى الإمام الأشعري ومدرسته معتقدهم على التحذير من المجازفة في تكفير المسلمين والتحذير من خطر ذلك على الدين.
وعنه قال: "نرى أن لا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب يرتكبه، كالزنا والسرقة، وشرب الخمر كما دانت بذلك الخوارج، وزعموا أنهم بذلك كافرون، ونقول: إن من عمل كبيرة من الكبائر وما أشبهها مُستحلاً لها كان كافراً إذا كان غير معتقد تحريمها".
يقول الذهبي في كتاب سير أعلام النبلاء:
رأيت للأشعري كلمة أعجبتني وهي ثابتة رواها البيهقي، سمعت أبا حازم العبدوي، سمعت زاهر بن أحمد السرخسي يقول: لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري في داري ببغداد، دعاني فأتيته، فقال: اشهد علي أني لا أكفر أحداً من أهل القبلة، لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كله اختلاف العبارات".
مؤلفاته
كتب الأشعري أكثر من 200 كتاب بين رسالة ومجلد ومرجع، نذكر منها:
كتاب "تفسير القرآن والرد على من خالف البيان من أهل الإفك والبهتان"
كتاب "الموجز"، وذلك يشتمل على اثني عشر كتاباً
كتاب الجوابات في الصفات عن مسائل أهل الزيغ والشبهات
- كتاب "رسالة استحسان الخوض في علم الكلام". ومضمون هذه الرسالة كما يدل عليه عنوانها هو التدليل على جواز الاشتغال بعلم الكلام.
أبرز أئمة المذهب
- أبو حامد الغزالي
- أبو بكر بن العربي
- ابن عساكر
- ابن خلدون
ومن الجدير ذكره أن الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، قال في كلمة العام 2015، إن الأزهر تبنى المذهب الأشعري، وروَّجه في سائر أقطار المسلمين، لأنه وجد فيه العلاج الناجع لأمراض وعلل أصابت الفكر الديني، خاصة في القرنين الماضيين، بسبب فرض المذهب الواحد والرأي الواحد الذي قضى على مكمن القوة في أمة الإسلام ووضعها في ذيل قائمة الأمم.
وأضاف وقتها، أنه ومع تمسك الأزهر وعلمائه بالمذهب الأشعري، "فإنه أفسح المجال واسعاً لكل المذاهب الكلامية الأخرى، وينظر إليها بحسبانها مذاهب إسلامية تستظل بظلال الإسلام الوارفة التي يستظل بها كل من ينطق بالشهادتين ويصلي إلى القبلة ويأتي أركان الإسلام والإيمان"، على حد تعبيره.