تقاتلوا من أجل “البَيض” منذ قرنٍ ونصف في أمريكا، لكن ما علاقة الذهب بذلك؟

قامت معركة صغيرة بين مسلحين بسبب جمع بيض طيور المور

عربي بوست
تم النشر: 2021/04/06 الساعة 11:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/04/06 الساعة 11:57 بتوقيت غرينتش
تقاتل الناس على بيض طائر المور في أمريكا منتصف القرن التاسع عشر / IStock

هذه القصة مثيرة للغاية، نعم لم تقم "حرب" بالمعنى الحقيقي لكلمة حرب، ولكن وقع "اقتتال" بسبب البيض، لكنّه اقتتال كان مرتبطاً أيضاً بالذهب بشكلٍ ما.

بدأت القصة في منتصف القرن التاسع عشر عندما بدأ ما يعرف بـ"حمى الذهب" في أمريكا. باختصار، اكتشف رجل يدعى جيمس مارشال الذهب في مجرى بعض أنهار ولاية كاليفورنيا، فكّر الرجل أنّها ستكون فرصة كبيرة ليصبح ثرياً، كان هذا صحيحاً لكن ليس لجيمس مارشال، فقد انتشر الخبر وبدأ آلاف الأمريكيين بالتدفُّق على كاليفورنيا بحثاً عن الثراء.

شهدت هذه الفترة إحدى أكبر الهجرات في تاريخ أمريكا، فقد جلبت إلى كاليفورنيا حوالي 300 ألف من الباحثين عن الثراء من خلال الذهب.

على أطراف كاليفورنيا كانت جزر فارالون، تلك المستوطنة الساحلية التي كان عدد سكانها حوالي 200 شخص فقط، فأصبحوا 36 ألف شخص، كل هذا من أجل البيض!

البيض
رسمة لطائر المور الذي تقاتل الناس على بيضه / IStock

لكن، ما علاقة البيض بالذهب؟

تسببت تلك الهجرة المباغتة والكبيرة جداً في نقص الغذاء في أرجاء ولاية كاليفورنيا، فقد استهلك المهاجرون الباحثون عن الثراء كلّ الدجاج والبيض المتاحين، وهكذا بدأ البحث عن مصادر أخرى للبروتين.

جزر فارالون تقع على بعد 30 دقيقة فقط من سواحل مدينة سان فرانسيسكو، أبرز مدن كاليفورنيا. يعيش على هذه الجزر الكثير من الطيور البحرية، وهي أحد أبرز مراكز تجمُّع الطيور في أمريكا. 

بعدما قلّ وجود الدجاج والبيض، بدأ المهاجرون الجدد يبحثون عن مصادر أخرى للغذاء، وهنا بدأوا يبحثون عن بيض آخر، وكان هذا البيض هو بيض طيور المور.

طيور المور هي أحد أنواع طيور الأوك، حجمها تقريباً أكبر من الدجاج، ولكنّه يحطّ فقط على البر ليضع بيضه. بيض طيور المور أيضاً مختلف عن الدجاج، فهو بيض أكبر من بيض الدجاج، وهو أبيض ذو بقعٍ سوداء، وقشرتها أقوى منه، هذه الميّزة جعلت من هذا البيض ممتازاً لعمليات الاتجار، إذ يمكن بسهولة التنقُّل به وبيعه.

كما أسلفنا كانت جزر فارالون أحد أبرز أماكن تجمُّع هذه الطيور بمئات الملايين، بل ربما بالملايين. وكان بالطبع بيضها جاهزاً للحصاد.

قرر ستّة رجال الاستفادة من وجود هذه الطيور. أبحروا عام 1851 إلى هذه الجزر ومنحوا أنفسهم ملكية المكان وأسهم شركة أسّسوها هناك وسموها Egg وبدأوا يجنون أرباحاً هائلة من بيع هذا البيض، بيض طائر المور، الذي يجمعونه مجاناً، ثمّ يبيعونه لمخابز مدينة سان فرانسيسكو، كما يبيعونه بديلاً عن بيض الدجاج كذلك للعمال الذين يبحثون عن الذهب. 

بيض
بيض طائر المور /IStock

لم يكن طعم هذا البيض جميلاً للغاية، فقد كان مختلفاً تماماً عما اعتاده البشر من بيض الدجاج، في مذاقه وفي شكله كذلك، لكنّه كان مصدرهم الوحيد للبروتين.

كانت البيضة الواحدة تباع بدولار واحد، أي ما يساوي تقريباً 30 دولاراً الآن، لكنّ هذا قاد إلى "معركةٍ صغيرة" في جزر فارالون عام 1863.

كما علينا أن نذكر أنّ جمع هذا البيض لم يكن سهلاً للغاية، فقد كان طائر المور يعشش على المنحدرات الصخرية، وهكذا كان على جامعي البيض أن يتسلقوا الصخور والمنحدرات لجمع البيض.

إضافةً إلى ذلك، لم تكن سان فرانسيسكو تفتقر إلى البنية التحتية التي تحتاجها فحسب، وإنما لم يكن بها مزارع دجاج تلبي الطلب الهائل على البيض أيضاً. كما يقول جيري ماتشيسني، مدير محمية فارالون الوطنية للحياة البرية.

بحلول أوائل ستينيات القرن التاسع عشر، واجهت شركة Egg – التي أسسها المغامرون الستة – بعض المنافسة الخطيرة. 

كانت سيطرة شركة Egg على الجزر مؤقتة بطبيعة الحال، فقبلها بأربع سنواتٍ فقط كان الرئيس الأمريكي جيمس بيوكانان قد صدّق على مطالبة الحكومة الفيدرالية بالأرض لبناء منارة.

ثم في أحد أيام صيف عام 1863، أبحر 27 رجلاً مسلحاً باتجاه الجزيرة طمعاً في جمع البيض وبالتالي الثورة المتكونة من جمعه.

حين حاولت قواربهم الثلاثة التوقُّف للهبوط إلى الجزر المليئة بالثروة، أي بالبيض، حذرهم رئيس عمال شركة Egg وحاولوا منعهم، لكنّ هؤلاء المسلحين الجدد أعلنوا عزمهم الدخول مهما حدث.

وهكذا، فتح رجال شركة Egg النار. وحين رد المسلحون بإطلاق النار، قُتل أحد رجال الشركة. 

واصل رجال شركة Egg إطلاق النار وأصابوا خمسةً من الدخلاء الذين أبحروا في النهاية عائدين إلى المكان الذي جاؤوا منه. ولقي أحد الجرحى حتفه بعدها بأيام قليلة.

واستمر التوتر الذي أعقب حُمّى الذهب، لسنوات حتى حُظِر جمع البيض لأغراضٍ تجارية عام 1896 بعد نجاح أكاديمية كاليفورنيا للعلوم في جهودها لمنعه. وقد تولّت المؤسسة الأمريكية للأسماك والحياة البرية إدارة الجزر وحماية مناطق تكاثر طيور المور الشائع في أواخر الستينيات. إلا أن آثار جمع البيض التجاري لا تزال حاضرة إلى اليوم.

فقد كان جمعها وبيعها له تأثير مدمر طويل المدى على أعداد طيور المور. ولا تزال متضررة.

إذ يوجد الآن ما يقرب من 300 ألف من طيور المور التي تسافر إلى الجزر في موسم التعشيش، وهي لا تزال أقل مما كانت عليه قبل حمى الذهب منذ أكثر من قرن ونصف.

تحميل المزيد