فكر في الروائح المختلفة التي تشمها عندما تتجول في المركز التجاري، رائحة الكولونيا عندما تمر بقسم الرجال في متجر متعدد الأقسام، ورائحة الأعشاب من محل زيوت أو أعشاب طبيعية، ورائحة القهوة المنبعثة من ستاربكس، وروائح العطور التي تساعدك على الاسترخاء من محلات الألبسة وكأنها تدعوك للدخول والشراء. تعرف هذه الظاهرة باسم "التسويق بالروائح"، وهي استراتيجية تتبعها أكبر الشركات العالمية للتسويق لمنتجاتها وجذب العملاء.
يمكن للبشر تمييز أكثر من تريليون رائحة مختلفة. عندما نستنشق الروائح، تجمع أنوفنا الجزيئات وتذوب في غشاء رقيق داخل تجويف الأنف. تطلق الشعيرات الصغيرة إشارات إلى دماغنا عبر البصيلة الشمية تؤثر على أجزاء مختلفة من دماغنا مسؤولة عن العاطفة والتحفيز والذاكرة.
وفقاً لمقال لموقع Shopify، نما التسويق بالرائحة ليصبح عملاً بمليارات الدولارات يشمل العديد من الصناعات.
كما أظهرت دراسة أجرتها Nike أن إضافة الروائح إلى متاجرهم زادت من نية الشراء بنسبة 80%، بينما في تجربة أخرى في محطة بنزين مع متجر صغير متصل بها، أدى ضخ رائحة القهوة إلى زيادة مشتريات المشروب بمقدار 300%.
تعرّف أكثر على العلم وراء استراتيجية التسويق بالروائح وفوائدها.
حاسة الشم هي الأكثر ارتباطاً بالذاكرة
ربما تكون قد سمعت بأن حاسة الشم هي الأكثر ارتباطاً بالذاكرة. حسناً، اتضح أن هذا صحيح بالفعل. عندما تشم رائحة قهوتك الصباحية بعمق، فإن رائحة تلك الحبوب المحمصة الطازجة تتسرب إلى مناطق الدماغ المسؤولة عن معالجة المشاعر والذاكرة. ترتبط أدمغتنا بشدة بالرائحة ويمكن للشخص البالغ أن يميز 10000 رائحة مختلفة. كما تنتج أجسامنا خلايا عصبية عطرية كل بضعة أسابيع للتأكد من أنها تعمل بشكل جيد. وعلى عكس حواسنا الأخرى، تنتقل الرائحة فوراً عبر أجزاء مختلفة من دماغك بدلاً من معالجتها مركزياً أولاً. هذا هو السبب في أن الرائحة يمكن أن تثير ذاكرة سعيدة بسرعة أكبر من لمس كوب القهوة الساخن أو تذوق تلك الرشفة الأولى.
من المفيد معرفة فسيولوجيا كيفية معالجة الرائحة لأنها تحمل إجابات على سيكولوجية الشم. يشرح هذا الفيديو القصير لـ TED-Ed كيف تعمل الرائحة من منظور فسيولوجي.
الرائحة تجذب المشتري
يمكن للروائح تغيير شعور عملائك والتفاعل مع الأشياء من حولهم. يمكن أن تحسن الرائحة الطيبة المزاج السيئ، ما يدفع العملاء إلى أن يكونوا أكثر لطفاً مع الموظفين ومع بعضهم البعض. ومن المرجح أن يكون العملاء الذين يسعدون بالرائحة من حولهم أكثر انفتاحاً للنظر في المنتجات والتفكير في شرائها.
تعتبر المقاهي والشاي كأمثلة على ذلك. سيخبرك الكثير من الناس بأنهم يحبون رائحة تحميص الحبوب حتى لو لم يشربوا القهوة. يمكن جذب العملاء برائحة البن المحمص الطيبة بأن يقنعهم بشراء معجنات أو مشروب لا يحتوي على القهوة. هذا فعّال بشكل خاص في أشهر الشتاء الباردة، حيث تكون فكرة وضع مشروب دافئ بين يديك جذابة بشكل خاص. حتى إن الأبحاث وجدت أن الروائح الجيدة تجعل الناس ينفقون أكثر.
الروائح اللطيفة تبقي العملاء لوقت أطول
ببساطة، يحب الناس البقاء في أماكن تفوح منها رائحة طيبة. يستخدم وكلاء العقارات الرائحة لخلق شعور بالمنزل والراحة حتى يتمكنوا من الاحتفاظ بالناس. كلما كانت رائحة المكان أفضل طالت مدة بقاء المشترين المحتملين هناك.
وكلما طالت مدة بقاء العميل في المتجر، زادت احتمالية شرائه المنتجات. خلال هذا الوقت يمكن لفريق المبيعات إقناع المتسوقين بشراء عناصر مختلفة.
من المحتمل أنك مررت بتجربة مشابهة، تذهب للتسوق مع صديق ولا تنوي شراء أي شيء. ومع ذلك، بعد فترة من الوقت الذي تقضيه في المتجر تبدأ في البحث عن عناصر معينة أو التحقق من بطاقات الأسعار، وغالباً تشتري شيئاً ما في نهاية الأمر.
الروائح تخلق ذكريات دائمة
كما ذكرنا أعلاه يوجد رابط قوي بين الرائحة والذاكرة. لذلك، يمكن أن تبقى الروائح مع العملاء لسنوات بعد مغادرتهم متجراً، وغالباً ما يمر الناس بفيض من الذكريات عندما يصادفون رائحة من طفولتهم أو من مرحلة مهمة في حياتهم.
يمكن أن يكون التسويق بالرائحة جزءاً من استراتيجية العلامة التجارية كوسيلة للحفاظ على مكانتهم في ذكرياتك والتي قد تدفعك للشراء من المتجر نفسه حتى لو بعد سنوات.
يمكن أن تزيد الروائح من إنتاجية الموظفين
فوائد التسويق بالرائحة ليست فقط للمتسوقين. يمكن أن يفيد العمل في بيئة تنبعث منها رائحة طيبة الموظفين أيضاً، حيث سيكون الأشخاص الذين يعملون أكثر انتباهاً وإنتاجية، ما يعني أنهم سيرتكبون أخطاء أقل وسيكونون متاحين لمساعدة العملاء بشكل أفضل.
وبطبيعة الحال سيكون العملاء أكثر سعادة مع الموظفين المنتجين والمتعاونين وسيرغبون في العودة والتسوق من نفس المكان والتعامل معهم.
التسويق بالروائح لا يقتصر على الطعام
تسويق الروائح لا يقتصر على بيع الطعام فقط. الخطوط الجوية السنغافورية هي شركة رائدة في هذا المجال. الهواء ذو الرائحة المزعجة في مقصورة الطائرة المضغوطة مزعج جداً، كما يعلم كل مسافر مرهق. أدركت الخطوط الجوية السنغافورية هذا منذ أكثر من 30 عاماً، وكانت واحدة من أوائل من طوّروا رائحة مخصصة للرش في مناشفهم الساخنة. كان عطر الأزهار والحمضيات شائعاً جداً لدرجة أن شركة الطيران أعطته اسماً: ستيفان فلوريديان ووترز.
بالإضافة إلى تحسين رائحة الهواء الفاسد، تهدف الخطوط الجوية السنغافورية وشركات الطيران الأخرى إلى استخدام تلك الرائحة المهدئة للمساعدة في تقليل القلق وتحسين تجربة العملاء في الرحلة ما يشجعهم على الطيران معهم مرة أخرى.
تتبع شركة موجي نهجاً أكثر شفافية في استراتيجية تسويق الروائح الخاصة بهم. تبيع المتاجر مزيجاً منظماً بعناية من المنسوجات والسلع المنزلية والقرطاسية وغير ذلك، ولها أصول في اليابان بينما تفتخر بمواقعها في أكثر من 12 دولة.
في حين أن الشركة قد اختارت استراتيجية لطيفة للرائحة في الخلفية، فإنها لا تخفي ناشرات الهواء في مجاري الهواء كما تفعل العديد من المتاجر. بدلاً من ذلك، تعمل ناشرات الروائح بشكل واضح في المتاجر، ويتم بيعها في متاجرها جنباً إلى جنب مع مجموعة متنوعة من روائح الزيوت العطرية.