على مدى نحو نصف قرن، واجه المحققون الأمريكيون صعوبات لمعرفة هوية "سيدة الكثبان"، وهي جثة لامرأة بلا يدين عُثر عليها مقطوعة الرأس تقريباً، بأحد شواطئ ماساتشوستس. تم استخراج جثتها في أعوام 1980 و2000 و2013؛ في محاولة للتعرف عليها وعلى القاتل، وحتى الآن، لم تنجح هذه الجهود.
جريمة مريبة في مدينة هادئة
في صباح أحد أيام شهر يوليو/تموز 1974، كانت فتاة صغيرة تلعب مع كلب الجيران على طول كثبان ريس بوينت في مدينة بروفينستاون بولاية ماساتشوستس، عندما تعثرت في مشهد مريع: جسد عار مُقطَّع لامرأة ميتة ممدداً في العراء.
كانت المرأة شابة وبيضاء بأظافر مطلية باللون الوردي، ومنديل أزرق يغطي شعرها الأحمر المصفف على هيئة ذيل حصان. وأسفل رأسها، الذي كان مقطوعاً بجرح كريه، كان هناك بنطال جينز أزرق. وكانت يداها مفقودتين، ووجدت مكانهما أكوامٌ من إبر الصنوبر.
لم يستطع المحققون أن يحددوا هوية المرأة، ولم يشتبهوا في أي شخص. وصارت معروفة باسم "سيدة الكثبان"، ولم تُحل قضيتها قط.
ولكن الآن، بإمكان تكنولوجيا الطب الشرعي أن تكشف أخيراً عن لغز هذه الحكاية المريبة.
جثة سيدة الكثبان "مقززة"
عندما كانت ليزلي ميتكالف وعائلتها ومجموعة من كلاب أصدقائها يسيرون عائدين إلى مركز زوار بروفينستاون، بعد يوم قضوه في جولة تنزه، بدأ أحد الكلاب في النباح. انطلق الكلب، وتبعته ليزلي. ثم وجدت نفسها أمام مشهد صادم لسيدة الكثبان.
عُثر على الجثة فوق الرمال، وكانت ملقية على بطنها في منشفة شاطئ، على بُعد حو 5 أمتار من أقرب طريق. كان الرأس، الذي سُحق جانبه الأيسر كلياً، ملقياً على بنطال جينز ورابطة شعر زرقاء. وكان واضحاً وضوحاً مروعاً أنها قُتلت.
قدَّر المحققون أن المرأة يتراوح عمرها بين 25 و 35 عاماً، وأنها توفيت منذ ما لا يقل عن 10 أيام، بل ربما تكون قد ماتت منذ 3 أسابيع، بحسب ما نشره موقع All That's Interesting.
وعند فحصها عن كثب، قرر المحققون أن الجرح في الرأس نتيجة أداة حفر عسكرية، وهي على الأرجح السبب في مقتل الشابة. ووجدت السلطات أيضاً أن الضحية تعرضت لاعتداء جنسي بعد الوفاة، عن طريق كتلة خشبية.
تمتعت المرأة ببنية رياضية، برغم أن بعض أسنانها فُقدت، وقرر المحققون أنها خضعت لعمليات تجميل أسنان باهظة الثمن، تضمنت وضع عديد من أسنان التيجان الذهبية.
وبرغم هذه التفاصيل، استعصى عليهم معرفة هوية سيدة الكثبان، لاسيما نظراً إلى أنها من دون يديها لا يمكن العثور على بصمات أصابعها التي تحدد الهوية. ولذا بدأ المحققون يشيرون إلى الضحية باسم "سيدة الكثبان".
بدوره قال مأمور شرطة بروفينستاون السابق جيف جاران، الذي صار رابع مأمور شرطة بالمدينة يحقق في جريمة الاغتيال: "كان اغتيالاً مريعاً ووحشياً. إنه مفزع إن حدث في أي زمان وفي أي مكان. ولكن أيعقل أن يحدث هنا في كيب؟ في بروفينستاون؟!".
إذ إن مدينة بروفينستاون تشتهر بالفنانين ولا تشتهر بالاغتيالات.
نظريات غريبة تفسر القضية
بعد 50 عاماً، لا تزال هوية الضحية التي تُعرف باسم "سيدة الكثبان" غير معروفة. لكن عدداً من النظريات ظهرت على مر العقود.
اتصلت امرأة من ماريلاند بالشرطة المحلية، لأنها اشتبهت في أن تكون الضحية أختها، التي انتقلت مؤخراً إلى بوسطن واختفت. لكن ذلك الخيط لم يكن حاسماً.
في مرحلة ما، اشتبه المحققون في أن تكون سيدة الكثبان هي روري جين كيسنجر، التي كانت تاجرة مخدرات وسارقة بنوك معروفة.
من الناحية الجسدية، تشبه روري الضحية، وكانت قد فرّت من سجن إصلاحية مقاطعة بليموث بماساتشوستس في العام السابق للعثور على الجثة. لكن اختبار الحمض النووي لروري لم يتطابق مع المرأة مجهولة الهوية.
غير أن إحدى النظريات الأغرب حتى الآن بشأن سيدة الكثبان، ظهرت في عام 2015. تكهن ابن سيتفن كينغ، وهو المؤلف جو هيل، بأنها كانت في الواقع كومبارس بفيلم Jaws الذي أُنتج عام 1975، وعرف باسم "الفك المفترس".
لاحظ هيل أن امرأة التُقط مشهد لها في خلفية أحد المشاهد تتطابق مع وصف الضحية. وظهرت كذلك مرتديةً بنطال جينز ورابطة شعر زرقاء، وهما عنصران عُثر عليهما في مسرح الجريمة، بحسب ما نشره موقع Unsolved Mysteries.
كانت هذه نظرية جامحة، لكنها لم تكن غير محتملة كلياً. إذ إن فيلم Jaws صُور في جزيرة مارثا فينيارد، التي تبعد ساعات قليلة عن بروفينستاون. لكن منتجي الفيلم لم يدونوا أسماء أي من الممثلين والممثلات الكومبارس.
الرقيب الأول المتقاعد وارن توبياس، الذي ظل يبحث عن هوية سيدة الكثبان على مدى 20 عاماً، كان متشككاً بخصوص هذه النظرية. إذ قال: "كان هناك تقريباً [مئات] الآلاف من السيدات اللواتي يرتدين ملابس بهذه الطريقة [في سبعينيات القرن الماضي]".
ظلت هوية قاتل سيدة الكثبان غامضة هي الأخرى.
وفي عام 1987، أي بعد مرور أكثر من عقد على العثور على سيدة الكثبان، أدلت امرأة كندية باعتراف غريب: إذ قالت إنها اعتقدت أن المرأة المجهولة كانت شخصاً شاهدت أباها يخنقه أثناء زيارة بروفينستاون في السبعينيات.
مررت السلطات الكندية المعلومات إلى شرطة ماساتشوستس، ولكن في الوقت الذي حاولت فيه الشرطة الوصول إلى المرأة؛ من أجل أن تؤكد قصتها، انتقلت هذه المرأة الكندية من محل إقامتها.
اشتبه بعض الأشخاص في أن يكون زعيم العصابات الأيرلندي جيمس "وايتي" بولجر هو القاتل، إذ ادعى شهود أنهم رأوه مع امرأة تتطابق مع أوصاف سيدة الكثبان.
وعزز هذه الفرضية أن بولجر خلع أسنان إحدى ضحاياه الإناث في الماضي، ومع ذلك لم تُوجَّه إليه أي اتهامات رسمية، وتوفي مقتولاً على يد نزلاء آخرين بالسجن عام 2018، بحسب ما نشره موقع Medium.
في عام 2000، اعترف القاتل السجين هادن كلارك بأنه هو من قتل المرأة التي تُعرف باسم سيدة الكثبان. لكن اعترافات كلارك كانت محل تشكُّك، لأنه كان يعاني من انفصام الشخصية، وقرر المحققون أنه لا يمكن الوثوق به. كذلك لم يجدوا أي دليل يربطه بالجريمة.
في نهاية المطاف، دُفنت سيدة الكثبان بمقبرة سانت بيتر في أكتوبر/تشرين الأول عام 1974. وكُتب على شاهد قبرها: "جسد أنثى مجهولة الهوية عُثر عليها في كثبان ريس بوينت".
وقد جرى نبش قبرها مرتين؛ للحصول على أدلة الحمض النووي، لكن الفحوص لم تسفر عن أي اكتشافات.
وفي يومنا الحالي، يستخدم محققو الطب الشرعي أدوات ذات تقنية متقدمة لتحليل القضايا غير المحلولة، ويأمل هؤلاء أن يجدوا حلولاً للألغاز التي على شاكلة سيدة الكثبان باستخدام هذه التقنيات.
جرت إعادة تركيب وجه سيدة الكثبان عدة مرات. كانت إعادة التركيب الأولى عبارة عن نموذج طيني، بينما صُنعت صور أخرى لوجه المرأة مجهولة الهوية في السنوات التالية مع تطور التكنولوجيا.
في عام 2006، صُنعت صورٌ للمرأة مع إظهار أثر التقدم في العمر.
وفي عام 2010، تعاون مأمور الشرطة آنذاك، جيف جاران، مع محللي الطب الشرعي من المركز الوطني الأمريكي للأطفال المفقودين والمستغَلين والمتحف الوطني للتاريخ الطبيعي التابع لمؤسسة سميثسونيان؛ من أجل إعادة فحص القضية.
ومن خلال وضع جمجمة الضحية في جهاز تصوير مقطعي، استطاع الفريق بناء صورة ممكنة لوجهها.
أعلن المحققون في عام 2019، أنهم يسعون وراء إعادة فحص القضية باستخدام التقنيات الجديدة التي تدمج تحليل الحمض النووي بمواقع بناء شجرة العائلات.
وتشتهر هذه الطريقة بأنها استُخدمت لتحديد هوية قاتل في كاليفورنيا، بعد عقود من جرائم القتل التي ارتكبها.
قال المدعي العام لمنطقة كيب آند آيلاندز، مايكل أوكيف: "سوف نفحص كل شيء ممكن فيما يتعلق بالرفات المتبقي".
يمكن أن تقدم التكنولوجيا الجديدة إجابات. ولكن في الوقت الحالي، سوف تبقى الحقائق المتعلقة بحياة ووفاة سيدة الكثبان لغزاً لم يُعثر له على أي حل.