في مياه المحيط الدافئة حول العالم، ربما ترى مشهداً غريباً. سمكة تقفز من المياه وتحلّق لعشرات الأمتار قبل أن تعود لأعماق المحيط مرة أخرى. اعتقد بحارة البحر المتوسط القدامى أن هذه الأسماك الطائرة تعود إلى الشاطئ في الليل لتنام. لا، هي ليست من ابتكار مؤلف خيال علمي، بل سمكة حقيقية مذهلة تستطيع السباحة والطيران في آن معاً!
أطلق عليها بالإنجليزية اسم Exocoetidae (وهي كلمة لاتينية مكونة من شقين: الأول "ex" ومعناها خارج، والآخر "koitos" ومعناها السرير)، وهو ما ورد في كتاب "The Amazing World of Flyingfish" للكاتب ن. هويل.
ما هو السمك الطائر؟
هناك تقريباً 40 فصيلة من السمك الطائر، وهي تشبه سمك الرنجة، ولها زعانف صدرية طويلة وعريضة على جانبي جسدها.
ويوجد في الطبيعة نوعان من السمك الطائر وهما: "ثنائية الأجنحة" التي يكون لها زعنفتان صدريتان كبيرتان تشكلان معظم سطح "الرفع" أو الطيران، و"رباعية الأجنحة" والتي يكون لها زعنفتان كبيرتان في منطقة الحوض، إضافة إلى زعنفتي الصدر الطويلتين.
كل الأسماك الطائرة لديها ذيل مشقوق عمودياً، وتمتد الفقرات إلى النصف الأطول، وهو الجزء السفلي من الذيل، مما يجعلها تشبه دفة المركب.
يتراوح طول هذه الأسماك المميزة من 15 إلى 50 سم. يبدأ السمك الصغير في "الطيران" بمجرد أن يصل طوله إلى 5 سم، وفقاً لما قاله عالم الأحياء جون دافينبورت في مراجعته عام 1994 عن السمك الطائر، والمنشورة في مجلة Reviews in Fish Biology and Fisheries العلمية.
يقترح دافينبورت أن كل هذه السلالات من الأسماك طوَّرت القدرة على "الطيران"، لتكوِّن طريقة لتجنُّب الأسماك المفترسة مثل سمك الدولفين.
تطورت عيون السمكة، تحديداً القرنية (الحاجز الهرمي الذي يحمي العيون)، لتمكِّن السمكة من الرؤية تحت الماء وفي الهواء أيضاً، وفقاً لدراسة منشورة عام 1967 بمجلة Nature العلمية.
والأسماك الطائرة ليست من الكائنات صعبة الإرضاء من ناحية الغذاء، فهي تغذى بالأساس على الأسماك والقشريات صغيرة الحجم، وفقاً لتقرير من منتدى جزر المحيط الهادئ التابع لوكالة مصايد أسماك.
الأسماك الطائرة لا تطير حقاً، إنها تتزلج
تحلّق الأسماك الطائرة بسرعات عالية فوق المياه، وهي سريعة للغاية، لدرجة أن علماء الأحياء لم يتمكنوا من تأكيد ما إذا كانت هذه الأسماك تدفع نفسها في الهواء برفرفة زعانفها وتطير مثل الطائر، أم أن لها أسلوباً فريداً في الدفع.
لم يصل العلماء إلى قولٍ فصل قبل عام 1941، عندما نشروا صوراً مرتفعة السرعة للأسماك الطائرة وهي تقفز في مجلة Zoologica العلمية.
يسبح السمك الطائر، نحو السطح بسرعة متر/الثانية (أي 20 أو 30 طول جسدها في الثانية الواحدة)، تُحرك ذيلها بشدة، وتضم زعانفها الصدرية على جسدها بقوة. وعندما تخرج من المياه، تمد زعانفها الكبيرة وتتزلج على الهواء مثل طائرة شراعية.
وورد في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، أن أطول مسافة مسجلة لتحليق سمكة طائرة استمرت لمدة 45 ثانية، بسرعة تُقدَّر بنحو 30 كيلومتر/الساعة. سُجِّل هذا التحليق القياسي على كاميرا في عام 2008، على يد فريق تصوير ياباني مسافر بعبّارة في كاغوشيما، باليابان.
كانت أطول مسافة تحليق لسمكة طائرة نحو 400 متر، حسبما ورد في مراجعة دافينبورت عام 1994.
قد تحلّق الأسماك الطائرة لارتفاعات تصل إلى 8 أمتار فوق سطح البحر، ويقول عالم الأحياء فرانك فيش، في مراجعته التي نُشرت عام 1990 بمجلة Zoology العلمية، إنه بإمكانها تأدية انزلاقات متتالية.
وعندما تعود السمكة إلى المياه مرة أخرى بعد التحليق الأول، ستبدأ فوراً السباحة بسرعة فائقة، وتستعيد سرعتها لإنتاج قوة دفع كافية للتحليق خارج المياه مرة أخرى.
وكتب فيش أن السمكة لها القدرة على تنفيذ 12 قفزة متتالية.
ويعتقد دافينبورت وخبراء أسماك آخرون، أن الأسماك الطائرة لا يمكنها الطيران في درجات حرارة أقل من 20 درجة مئوية، إذ تحدُّ درجات الحرارة المنخفضة من الأداء العضلي الضروري للوصول إلى السرعات اللازمة للانطلاق خارج المياه.
صيد الأسماك الطائرة
لا تعتبر الأسماك الطائرة مهددة، ويصنفها الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة على أنها من الأنواع الأقل إثارة للقلق، وحيلتها الفريدة في الطيران لم تحمها من أن تصبح طعاماً للبشر، وتحديداً في اليابان وتايوان والصين وفيتنام.
لكنها أيضاً في مركز منطقة نزاع دولي بين أمم جزر الكاريبي المتجاورة؛ بربادوس من ناحية وترينيداد وتوباغو من الناحية الأخرى.
تعتبر السمكة من السلالات المستهدفة تجارياً في كلتا الدولتين، لدرجة أن بربادوس تبنَّت شعار "أرض الأسماك الطائرة"، في اعتراف بأهمية هذه الأسماك الثقافية والاقتصادية الممتدة.
لكن حدث تغيير في مسارات هجرة الأسماك، غالباً بسبب الاحتباس الحراري، وشوهدت الأسماك تسبح أكثر في مياه ترينيداد وتوباغو، وتبعها الصيادون من بربادوس.
ويتهم صيادو توباغو أهل بربادوس بالتعدي بالصيد على مياه لا تخص بربادوس، ولكن كتب باحثون بملخص عن النزاع نُشر في عام 2007 بمجلة Marine Policy العلمية، أنه "نظراً إلى أن هذه الأسماك مصدر تاريخي للغذاء في بربادوس، يعتقد صيادو بربادوس أن من حقهم صيد الأسماك أياً كان مكانها".
وفي عام 2006، أقيمت دعوى قضائية لتسوية نزاع الصيد، وحددت الحدود البحرية لكل دولة، واعتبرتها كل دولة انتصاراً لها.
ومع ذلك يبدو أن الصراع ما زال مستمراً، ويقترح مؤلفو التلخيص المنشور عام 2007، أن وجود اتفاق تفاوضي يشتمل على برنامج توزيع عادل، وحصص من الأسماك سيكون الطريق الأفضل لإدارة مسألة صيد الأسماك في المستقبل.