على الرغم من أن الساعات تسير كما ينبغي، فإن بعض أيام وشهور عام 2020 بدت كأنها لن تنتهي، ثابتة بمكانها بطيئة في حركتها للأمام.
ورغم أن الساعة لم تتجاوز حد الستين دقيقة، فإن شعورنا بها كان أطول، خصوصاً في فترات الإغلاق، فإذا كان الوقت هو نفسه، فلماذا يختلف شعورنا به؟
الفيلسوف الفرنسي هنري بيرغسون (1859-1941)، أحد أبرز مفكري عصره، ابتكر نظرية يمكن أن تساعدنا في فهم سبب غرابة بطء مرور الوقت في عام جائحة كورونا.
جادل بيرغسون بأن للوقت وجهين:
- الوجه الأول للوقت هو "الوقت الموضوعي": وقت الساعات والتقويمات وجداول مواعيد القطارات.
- الوجه الثاني يسمى "المدة"، وهو "وقت العيش" أو وقت تجربتنا الذاتية الداخلية، أي الوقت الذي نشعر به ونعيشه ونتحرك وفقاً له.
لاحظ بيرغسون أننا في الغالب لا نعير المدة التي نعيشها اهتماماً، والإنسان ليس بحاجة أصلاً لهذا الإدراك، بل هو بحاجة لإدراك الوقت الموضوعي.
ومع ذلك، يمكننا الحصول على لمحة عن الفرق بينهما عندما يتفككان، بحسب ما أوضح الباحث من جامعة درهام ماتياس ماروفيتش.
امتداد الوقت الموضوعي بين 3 مساءً و4 مساءً هو نفسه بين 8 مساءً و9 مساءً. لكن الأمر يختلف عند تطبيق منطق "المدة".
إذا تم قضاء الفترة الأولى في الانتظار بعيادة طبيب الأسنان والثانية في إحدى الحفلات، فنحن نعلم أن الساعة الأولى ستكون بمنتهى البطء، في حين تمر الثانية بسرعة كبيرة جداً.
لماذا يتحرك الوقت ببطء أثناء الجائحة؟
إذا حوَّلنا تركيزنا من "الوقت الموضوعي" إلى "المدة"، فيمكننا أن نضع أصابعنا على الشعور بالغرابة المحيطة بالوقت هذا العام.
بالنسبة للعديد من المدد الزمنية التي عايشناها، فقد كان الوقت متباطئاً أثناء فترات الإغلاق العام، ومر الصيف سريعاً نسبياً مقارنة بالفترات التي طُلب فيها الالتزام بالمنازل.
بالنسبة إلى بيرغسون، لا يمكن أن تتطابق أي لحظتَين من "المدة". إن وصول القطار في لحظة معينة من الوقت الموضوعي هو نفسه دائماً، لكن مشاعرنا وذكرياتنا الماضية تؤثر على تجربتنا الحالية مع الوقت.
ربما شعر الأشخاص الذين كانوا محظوظين بما فيه الكفاية لعدم اضطرارهم إلى التعامل مع الآثار السلبية للوباء بشعور "الحداثة" بشأن الإغلاق الأول: ارتفعت مبيعات معدات التمرين بشكل حاد، وبدأ البعض في تعلم لغات أجنبية، واستثمر آخرون وقتهم في الخبز أو تصليح منازلهم.
السبب الذي يجعلنا نكافح في كثير من الأحيان، للوصول إلى العقلية نفسها الآن هو أن ذكرى "النكهات" الأولى للإغلاق، كما يقول بيرغسون، أثرت في الذكريات الحالية، بحسب ما أوضحت مجلة Philosophy Now أو الفلسفة الآن.
بالنسبة لبيرغسون، "ترتبط سرعة المدة الزمنية أيضاً بالذات البشرية، والتي تتأثر دائماً بالذكريات الشخصية والمحددة للماضي وتوقعات المستقبل".
لذلك، لم يصبح مربكاً مجرد مرور الوقت حالياً وحسب، بل شوَّه الوباء أفكارنا عن الماضي والمستقبل بطرق لا يستطيع "الوقت الموضوعي" تصحيحها.
إذا نظرنا إلى الماضي، فإننا ندرك أن محاولة تذكُّر عدد الأشهر بالضبط قبل اندلاع حرائق الغابات الأسترالية أمر صعب للغاية ولكنه كان خلال عام 2020 وقبل الوباء.
وبالمثل، إذا تطلعنا إلى المستقبل، فإن مشاعرنا تجاه فترات زمنية بين الآن والمستقبل مشوهة: متى سنذهب في عطلة؟ كم سيمضي من الوقت قبل أن نرى أحباءنا؟
من دون مواقيت أو مواعيد محددة في الوقت الموضوعي، نشعر بأن الوقت يمر، ولكن نظراً إلى عدم حدوث أي شيء جوهري، فإنه يمر ببطء أكبر بكثير ونحن عالقون في الوقت الحاضر.
إذا علمنا على وجه اليقين الآن أن العالم سيعود إلى طبيعته في غضون ثلاثة أشهر، فإن "المدة" ستمر بسرعة أكبر. ولكن نظراً إلى أننا لا نعرف بالتأكيد، فإنها تتأخر، رغم أن الأمور قد تتحول في النهاية إلى طبيعتها في الفترة الزمنية الموضوعية نفسها.
في عام جائحة كورونا، أصبح وقت التقويمات الذي تقاس على أساسها الأيام والأسابيع غير ذي صلة، وسيطر إحساس "المدة" التي عشناها، سواء أكان سلبياً أم إيجابياً، نظراً إلى عامل اختلاف الشخصيات بين الانطوائية والاجتماعية.
ولو قبلنا ادعاء بيرغسون المثير للجدل، بأن المدة فقط هي الزمن الحقيقي وأن الوقت الموضوعي مجرد عامل خارجي مفروض على حياتنا، يمكن عندها استنتاج أن الوباء أعطى الجميع نظرة ثاقبة ومختلفة لمفهوم طبيعة الوقت، وكيفية عيش كل لحظة من لحظاته.