هل لاحظت تمسّك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمنصبه ورفضه الإقرار بهزيمته في الانتخابات الرئاسية لصالح منافسه الديمقراطي جو بايدن؟ ترامب ليس وحيداً، فهناك أسبابٌ نفسية تدفع الكثيرين إلى عدم تقبّل الخسارة.
هناك وفرة من الأبحاث حول سيكولوجية النصر والفوز والقيادة وكل الأشياء الإيجابية. ولكن ماذا عن سيكولوجية الهزيمة؟ لا يتم الحديث كثيراً عن سيكولوجية الخسارة والهزيمة في مجال علم النفس والصحة العقلية. وقد يكون هذا سبباً وراء استمرار الانتكاس وصعوبة التعافي منه وتقبله.

لدينا جميعاً تعريفات مختلفة للفشل، وذلك ببساطة لأن لدينا معايير وقيم ومعتقدات مختلفة. قد يكون الفشل في شيء لشخص ما، تجربة تعليمية رائعة لشخص آخر.
يعتبر الفشل عادة تجربة محبطة ومزعجة. وصحيح أنه لا يمكنك دائماً التحكم في الأشياء الصعبة التي تحدث لك في الحياة ولكن يمكنك التحكم، إلى حد كبير، في كيفية تفاعلك معها.
من الناحية النفسية، لابد من فهم تأثير الفشل على أفكارك ومشاعرك وسلوكياتك وفيما يلي حقائق عن الفشل وأثره النفسي ستساعدك على فهم صعوبة تقبله وكيفية تحويل التجربة الصعبة والمؤلمة إلى تجربة بناءة ومفيدة.
1. الفشل يجعل الهدف الذي تسعى له يبدو أقل قابلية للتحقيق
يؤدي الفشل تلقائياً إلى تشويه تصوراتك عن أهدافك ويجعلها تبدو غير قابلة للتحقيق.
لكن في الحقيقة إن أهدافك قابلة للتحقيق كما كانت قبل أن تفشل؛ فقط تصوراتك هي التي تغيرت. لذلك، يجب عليك أن تحاول تجاهل هذه التصورات الجديدة. في الواقع، إن تغيير الطريقة التي تنظر بها إلى أهدافك ليس الطريقة الوحيدة التي يشوّه فيها الفشل تصوراتك!
2. الفشل أيضاً يشوّه تصوراتك لقدراتك
بقدر ما يجعل أهدافك تبدو بعيدة المنال، فإن الفشل أيضاً يشوّه تصوراتك عن قدراتك الفعلية بجعلك تشعر بأنك أقل استعداداً للمهمة التي كنت تحاول القيام بها. بمجرد أن تفشل، فمن المحتمل أن تقوم بتقييم مهاراتك وذكائك وقدراتك بشكل غير صحيح وترى أنها أضعف بكثير مما هي عليه في الواقع. لذلك تشعر بمرارة وإحباط كبيرين عند الخسارة وسيصعب عليك تقبلها فذلك سوف يجعلك تشعر بالنقص. إن معرفتك أن هذه المشاعر طبيعية ولكن ليست بالضرورة صحيحة أمر مهم لتفادي التقليل من قيمة قدراتك.
3. الفشل يجعلك تشعر بالعجز
يعد العجز من أكثر المشاعر شيوعاً وقوة بعد الفشل. يتسبب الفشل في جرح عاطفي ويستجيب عقلك لهذا الجرح بمحاولة إقناعك بالاستسلام حتى لا يصاب مرة أخرى وأفضل طريقة لإقناعك بالاستسلام هي جعلك تشعر بالعجز.
من خلال جعلك تشعر كما لو أنه لا يوجد شيء يمكنك القيام به لتحقيق النجاح، فقد يتجنب عقلك الفشل في المستقبل ولكنك أيضاً لن تحقق أي نجاحات ولهذا السبب يجب ألا تصغي دائماً إلى مشاعرك.
وقد تجعلك الهزيمة أيضاً تشعر بأن فشلك في مجال معين يعني النهاية وأنك لا تستطيع أن تكون ناجحاً وسعيداً طالما أنك خسرت في مجال معين أو لمرة واحدة. وذلك قد يؤدي لرفضك فكرة الفشل وعدم اعترافك به و يمنعك من التفكير في طرق تطوير نفسك لتجنبه في المرات القادمة.
4. تجربة فشل واحدة يمكن أن تخلق "خوفاً من الفشل"

يمكن أن يكون التعرض لحدث صادم في مرحلة ما من حياتك سبباً مهماً في خوفك من الفشل وتجنبك له، كما ورد في موقع Mind Tools. على سبيل المثال، لنفترض أنك قدمت منذ عدة سنوات عرضاً تقديمياً مهماً أمام مجموعة كبيرة، وكان أداؤك سيئاً للغاية. ربما كانت التجربة فظيعة لدرجة أنك أصبحت تخشى الفشل في أمور أخرى. وأنت تحمل هذا الخوف حتى الآن، بعد سنوات.
بعض الناس يعتقدون أن لديهم "خوفاً من النجاح"، وليس خوفاً من الفشل ولكن هذا غير صحيح. المشكلة في معظم المخاوف من الفشل هي أنها تحدث بشكل لا واعي، ما يعني أنك لا تدرك فعلياً إن كان خوفك حقيقي أم معقول أم محتمل، تخاف فقط من المجهول بدون سبب. ما يعني أنك أيضاً لا تفكر في كيفية زيادة احتمالية نجاحك؛ أنت تحاول فقط تجنب الشعور بالسوء الذي سوف تشعر به إذا فشلت.
5. غالباً ما يؤدي الخوف من الفشل إلى عدم تحمّل مسؤوليته
نحن لا نلوم أنفسنا عادة على اخفاقاتنا ولكن ننسب نجاحاتنا لأنفسنا بفخر، وننسبها إلى عوامل داخلية مثل مقدار الجهد الذي نبذله أو المهارات التي نمتلكها أو خبرتنا السابقة. من ناحية أخرى، الفشل شيء لا نحب الاعتراف به. أظهرت الأبحاث أنه من المرجح أن نلوم الفشل على عوامل خارجية مثل الحظ أو صعوبة المهمة.
ولحماية أنفسنا من آلام الفشل المستقبلي نقوم بخلق الأعذار والمواقف التي يمكن أن تبرر سبب الفشل، مثل الذهاب إلى حفلة في الليلة السابقة للامتحان والادعاء بأنك متعب أو تعاني من أعراض نفسية وجسدية مثل الصداع وآلام المعدة التي تجعل من الصعب عليك التركيز. أو تضخيم "أزمة" صغيرة، مثل قضاء ساعتين على الهاتف مع صديق منزعج، لتبرير عدم تمكنك من الاستعداد لمقابلة عمل. غالباً ما تتحول هذه الأنواع من السلوكيات إلى نبوءات تتحقق لأنها تثبط جهودك وتزيد من احتمالية الفشل.
6. الخوف من الفشل يمكن أن ينتقل من الآباء إلى الأبناء
يمكن ربط الخوف من الفشل بالعديد من الأسباب. على سبيل المثال، وجود آباء منتقدين أو غير داعمين يعرض الأطفال للتقويض أو الإهانة بشكل روتيني في الطفولة، وبالتالي يحملون تلك المشاعر السلبية إلى مرحلة البلوغ.
تظهر الدراسات أن الآباء الذين لديهم خوف من الفشل يمكن أن ينقلوه عن غير قصد إلى أطفالهم من خلال رد الفعل القاسي الذي يظهرونه أو التراجع العاطفي تجاه أطفالهم عندما يفشلون. ردات الفعل هذه تَنقل إلى الأطفال فكرة أن الفشل غير مقبول. وهذا بالطبع يزيد من المخاطر على أطفالهم ويجعلهم أكثر عرضة لتطور خوفهم من الفشل وفقدان ثقتهم بقدراتهم.

كيف تتقبل الفشل بطريقة صحية؟
التركيز على المتغيرات التي في سيطرتك
يمكن للفشل أن يجعلك تشعر بالإحباط والعجز واليأس والقلق (سواء بوعي أو بغير وعي) ولكن يمكنك المقاومة. قسّم المهمة أو الهدف المعنيّ إلى تلك الجوانب التي تقع تحت سيطرتك وتلك التي ليست كذلك. ثم انتقل إلى قائمة الجوانب التي ليست تحت سيطرتك واكتشف كيفية السيطرة عليها عن طريق تحسين مجموعة المهارات والتخطيط والعلاقات والمعرفة المناسبة لها. الشعور بالسيطرة هو ترياق حرفي لمشاعر العجز والإحباط، سيحفزك على المحاولة مرة أخرى، ويقلل من فرصك في الفشل مرة أخرى ويزيد من احتمالية النجاح.
طوّر أفكاراً واقعية عن الفشل
وجدت دراسة أجريت عام 2010 أن الناس كانوا أكثر عرضة لأذية أنفسهم عندما كانوا مقتنعين بأن الخطأ جعلهم فاشلين تماماً. في إحدى التجارب، تم إخبار الأشخاص الذين يتبعون الحميات الغذائية والذين تم تقديم البيتزا لهم أنهم قد دمروا نظامهم الغذائي تماماً. أولئك الذين اعتقدوا أنهم فشلوا تماماً أكلوا على الفور كوكيز أكثر بنسبة 50% أكثر من الأفراد الذين لم يتبعوا نظاماً غذائياً. فشلك مرة واحدة لا يعني أنك فاشل تماماً وهو أمر طبيعي عليك تقبله.
ضع خطة للمضيّ قدماً
إعادة التفكير في الفشل في عقلك مراراً وتكراراً لن يفيدك. لا تسمح لنفسك بالتفكير في كل الأشياء التي حدثت بشكل خاطئ. التفكير في مشاكلك وأخطائك سيبقيك عالقاً في نفس المكان. بدلاً من ذلك، فكر فيما ستفعله بشكل مختلف في المرة القادمة. ضع خطة تساعدك على وضع المعلومات التي اكتسبتها من الفشل موضع التنفيذ.