بينما فرضت الحكومات حول العالم في النصف الأول من 2020، قيوداً على السفر أو إجراءات حجر صحي صارمة جعلت معدلات السفر الجوي تصل إلى أدنى مستوياتها منذ عقود، بعثت حكومة باربادوس من شرق البحر الكاريبي برسالة مختلفة تماماً: "مرحباً بكم، ليس لعطلة قصيرة، بل لعام كامل. أحضِروا حواسيبكم، واجلسوا تحت أشعة الشمس، أمام البحر، وحول الرمال، وانسوا كل شيء عن فيروس كورونا".
ميا موتلي، رئيسة وزراء باربادوس قالت حسب صحيفة The Washington Post الأمريكية: "تسببت جائحة كوفيد-19 في ضغط شديد على الصحة الذهنية والعقلية للأشخاص. ومن هنا، يمكن الاستفادة من القدرات العلاجية القوية والفريدة لأشعة الشمس ومياه البحر، فلهما مفعول السحر بطريقة يصعب تفسيرها. وطالما نشعر بذلك في بلادنا، فلماذا لا نشارك ذلك مع الآخرين؟".
في ذلك الإطار، سيُطلَق برنامج "ختم باربادوس الترحيبي" هذا الأسبوع، ويسمح للزوار بالإقامة في الجزيرة لما يصل إلى عام من دون تأشيرة. والهدف هو اجتذاب من يعملون عن بعد، مع تقديم الحكومة مشروع قانون للبرلمان يقترح إلغاء ضرائب الدخل المحلية التي تبدأ عادة بعد ستة أشهر.
لاقى البرنامج اهتماماً عالمياً كبيراً؛ مقارنة بالعمل من شقة ضيقة في نيويورك أو لندن، يمثّل العمل عن بُعد من شواطئ الكاريبي الساحرة جاذبية خاصة لمن لا يعرفون الكثير عن باربادوس.
ليست باربادوس الدولة الوحيدة التي تحاول اجتذاب فئة "العاملين عن بعد". إستونيا أيضاً على وشك إطلاق برنامج تأشيرة "العمل المتنقل" المنتظر منذ فترة، خلال الأشهر المقبلة، كما تمتلك دول مثل جورجيا وألمانيا وكوستاريكا بالفعل برامج تأشيرة تستهدف فئة العاملين المستقلين.
مع توافر خدمات البريد الإلكتروني ومحادثات الفيديو والحوسبة السحابية، لم تعد هناك حاجة للذهاب إلى مكاتب الشركات المركزية كل يوم. كما أن هناك توجهاً متزامناً نحو العمل الحر، إذ تشير الاستطلاعات إلى أن عديداً من العاملين المستقلين لم يعد لديهم اهتمام ببيئة العمل المكتبية.
رغم التأثير السلبي لجائحة فيروس كورونا على عديد من جوانب حياتنا العملية، ربما يكون له تأثير إيجابي على بعض التوجهات؛ إذ كشف استطلاع رأي أجرته مؤسسة Gallup على الأمريكيين هذا ،الربيع أن 62% قالوا إنهم عمِلوا عن بعد في مرحلة ما خلال شهر أبريل/نيسان، بزيادة 31% عمّا كان عليه الوضع في منتصف شهر مارس/آذار.
أرماند أرتون، مؤسس شركة Arton Capital للخدمات الاستشارية، قال: "خلال الأشهر الستة الأخيرة، أصبحنا جميعاً رقميين، ولكن لا أعلم إن كنّا متنقلين. نعم، يمكننا العمل من المنزل، ولكن لا يمكننا السفر حقاً. نعمل من المنزل، وعندئذ يصبح السؤال عمّا هو المنزل".
تنصح شركة Arton Capital الاستشارية الأفراد الأثرياء بالاستفادة من برامج المواطنة والإقامة حول العالم. ويقول أرتون إن هناك زيادة كبيرة في حجم الاهتمام بتلك الخدمات منذ الجائحة، ويرجع ذلك جزئياً إلى تراجع قوة الحرية التقليدية المصاحبة للمواطَنة بالدول الغربية، مثل جواز السفر الأمريكي.
تشهد السلطات الإستونية ارتفاعاً كبيراً في طلبات "الإقامة الإلكترونية"، وهي الخطة التي تستهدف رواد الأعمال الذين يمكنهم تأسيس شركاتهم افتراضياً في البلاد. وقالت كاترين فيغا، مسؤولة الدعاية بالبرنامج: "من الواضح أنه بمجرد فتح الحدود من جديد، سنشهد حركة تنقلات كبيرة لرواد الأعمال والعاملين بحثاً عن مزيد من فرص العمل".
وساعد الموقع الجغرافي ومساحة باربادوس على تجنب كثير مما واجهته البلدان الأخرى على صعيد المنظومة الصحية خلال الجائحة، ولكنها لم تنجُ من العواقب الاقتصادية؛ إذ تدمّر قطاع السياحة الذي يمثّل بشكل غير مباشر، نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وفي الوقت نفسه، عانت باربادوس من أجل الحصول على المعدات اللازمة لفحوصات واختبارات فيروس كورونا وأجهزة التنفس الصناعي في المراحل الأولى من تفشي الفيروس.
وترحب الجزيرة بالسياح مجدداً، ولكن بمتطلبات صارمة للعزل والفحوصات الطبية. كما تعاونت باربادوس مع دول الكاريبي الأخرى من أجل الحصول على تمويل من البنك الدولي ومعدات الحماية الشخصية.
ولكن باربادوس تركز الآن على الإقامة طويلة الأمد بدلاً من السياحة القصيرة، مدركةً أن هذا الخيار يجلب لها الفوائد الاقتصادية نفسها تقريباً إلى جانب مخاطر "وبائية" أقل.
بالنسبة لباربادوس، لا تؤدي الجائحة إلى نهاية العولمة كما حدث مع سائر دول العالم، بل مهدت الطريق أمام نسخةٍ أعمق من العولمة.
وتأمل موتلي اجتذاب مزيد من الهجرة الدائمة، ضاربةً المثال بدولة كندا "التي كانت تعاني نقصاً شديداً في عدد السكان ثم أصبحت مكاناً يمكن أن يكون موطناً للأشخاص الذين يضيفون قيمة هائلة إلى البلد".
وقد تسير دول الكاريبي الأخرى على النهج نفسه. يقول أرتون: "أمامنا نهج وتوجُّه قابل للانتشار، وكلما كانت الدولة أصغر، كانت قدرتها على اتخاذ مثل هذا القرار أسهل وأسرع".