بين المايوه وأحمر الشفاه.. الهوس بجسد المرأة كيف سحبها من عالم الطمأنينة إلى عالم الإهانة!

عدد القراءات
11,075
عربي بوست
تم النشر: 2020/07/07 الساعة 13:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/07 الساعة 16:41 بتوقيت غرينتش


تم تعريف العولمة على أنها الاتجاه المتنامي الذي يصبح به العالم نسبياً كرة اجتماعية بلا حدود، أو أنها تكثيف العلاقات الاجتماعية عبر العالم. أما التعريف الاصطلاحي فهي ظاهرة تتداخل فيها أمور الاقتصاد والسياسة والاجتماع والسلوك والثقافة، ومن ثم فقد أحدثت تحولاً هائلاً في التاريخ البشري، الحقيقة أن التاريخ الإنساني قد أوجب أن المرأة دائماً هي المحور الأساسي لأنها التي تنشئ، ولذلك أصبحت هي الهدف الأول لقدرتها الهائلة والسريعة على التأثير والتأثر بشكل ملحوظ في جميع أنحاء العالم.

الأبعاد الاجتماعية ساحة الصراع الحضاري

ولما كانت الأبعاد الاجتماعية هي العامل الأول في الصراع كانت المرأة هي محور تلك المعركة وشغلها الشاغل، وإذا كانت الأسرة اللبنة الأولى للمجتمع فإن المرأة لبنة الأسرة لذلك تقوم كل الأنظمة العالمية بصياغة وتشكيل أنماط اجتماعية تحاكي المجتمع الغربي بقيمه وسلوكياته ونظرته للإنسان منها مؤتمرات تحرير المرأة التي تقوم على ذلك، وتختم تلك المؤتمرات بتوصيات يتم الضغط بها على الدول الضعيفة لتصبح مواد قانونية ملزمة، وذلك يتضح تماماً في بعض المصطلحات مثل أن الطفل خارج الزواج لم يعد طفلاً غير شرعي illegitimate، بل أصبح مولوداً خارج الزواج out of wedlock، ثم بعد ذلك أصبح طفلاً عادياً، وأخيراً أصبح طفل الحب love baby، ولعل أقرب مثال على ذلك مقال نشر في العدد 1409 الصادر من روز اليوسف  بعنوان عريض: إباحة العلاقات الجنسية بين تلاميذ المدارس. بيان من مجلس وزراء السويد يحبذ ذلك، يا لسخف ذلك العنوان! وتلك التبعية العقيمة! ولننظر إلى حالة السويد المتبوعة في الأصل. في إحدى مدارس السويد حملت تلميذتان من زميلين لهما؛ فعلم مدرس الدين وقرر فصلهم جميعاً، لكن الناظر رفض ذلك، بل منحهم أعلى الدرجات، ثم رفع المدرس الشكوى إلى الحكومة وعقد مجلس الوزراء بقيادة الأمير بريتل، ولكن الكارثة أنه تم رفض الشكوى ناهيك عن أن العلاقات الجنسية تدرس الآن في السويد!  ثم يأتي السيد إحسان عبدالقدوس ويتحدث أنه لم يعد يستطيع الرجل أن يمنع المرأة من الرقص، وأن المايوه أصبح حقيقة ثابتة، ولقد  تطور ذلك في العصر الذي نعيشه، ولكن العجيب تلك التبعية العقيمة التي نستقيها في مفرداتنا وتحركاتنا داخل المجتمع العربي بشكل عام، والمسلم بشكل خاص.

قضايا النساء والصناعة الإنسانية

كما قلنا سابقاً بما أن سيكولوجية المرأة قائمة على التأثر السريع فإن تلك القضايا كانت تسهل الطرق لعملية تفكيك تدريجية لمقولة المرأة بكونها أماً إلى مقولات جديدة مختلفة في جوهرها عن سابقتها، وتدرج ذلك على ثلاثة محاور أو صناعات أساسية لخلق ذلك النموذج، بل لإعادة صياغة الإنسان ككل، ولذلك تم تحويل المرأة لأداة للربح وتعظيم ذلك بغض النظر عن كونها إنساناً!

صناعة السينما 

خاصة هوليوود التي أعادت صياغة المرأة من الوجدان العام ونزعت عنها كل مكانتها، ولم تعرها من ملابسها قط، وإنما من إنسانيتها وكينونتها الحضارية والاجتماعية وخصوصيتها الثقافية مستخدمة ذلك التأثير الساحر للشهرة والمال، وبالتالي تفقد هي رونق روحها، ولعل حالات الانتحار المتكررة الشائعة بين كثير من الفنانين برغم الحصول على كل شيء أقرب دليل على ذلك؛ لأنها فقدت هويتها بحيث تصبح إنساناً بلا تاريخ بلا ذاكرة بلا وعي.

صناعة الأزياء (الموضة)

لا تقل شراسة عن السينما فهي لها قنواتها الخاصة ونجوم وأبطال، منهم شواذ جنسياً مات منهم خمسة في عام واحد بسبب الإيدز، ومنهم فرساتشي الذي قتله صديقه الشاب عام 1997. وفي بعض الأحيان تقترب عروض الأزياء من الإباحية الصريحة فهي تتفنن في طمس الشخصية الإنسانية للمرأة، وإبراز مفاتنها الجسدية لتتحول إلى جسم طبيعي مادي وسوق عام لا خصوصية له، وهكذا يتم سحب المرأة من عالم الطمأنينة والإنسانية إلى عالم السوق والسلع والهرولة والقلق.

أما ثالث تلك الصناعات فهي صناعة مستحضرات التجميل، والتي تعتبر خطيرة جداً؛ فهي التي جعلت المرأة هدفاً أساسياً لها من خلال آلاف المساحيق والعطور وخلافه، وكأنها بدونه تفقد جاذبيتها وتصبح قبيحة وبعد ترسيخ هذه القناعة تماماً في وجدان الإناث، يتم تغيير المساحيق كل عام، ومن ثم تصبح المرأة مضطرة للتغيير هي الأخرى، وبذلك تصبح سوقاً متجددة بشكل لا ينتهي، ثم تأتي المؤتمرات المسماة دولية لتقوم بتسويق هذا النموذج لتصبح المرأة الغربية هي الشكل الأمثل الذي ينبغي أن تصوغ نساء العالمين أنفسهن عليه فهو المعيار والمقياس، وكل امرأة تكون متحضرةً بقدر ما اقتربت إلى ذلك النموذج، ولعلنا نلحظ ذلك، وتأثرنا بأبطال المسلسلات الهندية والتركية، وكيف تحدث مقارنات دائماً بين هذا وذاك، والنظرة الجمعاء، ومحاولة التقليد الأعمى، وإن كان ذلك التأثر في الغالب مكتسباً خارجاً عن الإرادة؛ لأن الطبيعة البشرية تلجأ دائماً للمقارنات. أما في الحديث عن تلك المؤتمرات، فهي تفرض الأفكار والمفاهيم فرضاً ففي مؤتمر المرأة العالمي السابع مؤتمر بكين كان دائماً يؤكد أن عمل المرأة في بيتها كزوجة هو عمل غير ربحي unremunerated work وعلى مدار وثيقة نفس المؤتمر اللعب على وتر حقوق المرأة الخاصة بصحتها وحياتها الجنسية والإنجابية المهضومة.

مسابقات ملكات الجمال (عولمة جسد المرأة)

سيطرة عقيدة الربح وتعظيم المنفعة المادية في صورة ملكات الجمال التي ظهرت في أوائل القرن الحالي معتمدة على أنه نوع من أنواع الترفيه سيجلب الكثير من الحضور والمشاهدين وسيجلب المال الكثير، توجد أكثر من 20 شركة ترعى مسابقات الجمال حول العالم، ومن ثم بعد أن يتم اختيار الفتاة تصبح هي النموذج التي يجب أن تقيس كل فتاة نفسها تجاهه، تقول الأخصائية النفسية (فانسيا سيغر):

إن هذه المهرجانات تؤثر بالسلب على النساء العاديات من ربات البيوت أو العاملات وبخاصة اللاتي لا يستطعن مواكبة الجميلات من ناحية الشكل والحجم

ولاحظت سيغر أن رواد تلك المسابقات ومصممي الأزياء يبحثون دائماً عن النحيفات الرشيقات، وتساءلت كم عدد النساء اللاتي يتصفن بتلك الصفات؟ وهل هذا يعني أن المرأة مجرد دمية سرعان ما تتعرض للعطب إذا تقدم السن قليلاً، فتلك التقاليع والموضة ليست ثمرة إبداع، وإنما حركة مؤسسات تلتزم بقيمة واحدة وهي الربح دون اعتبار أي قيم سلوكية أو أخلاقية أو فكرية أخرى. الربح ثم الربح ولا شيء آخر، وما زاد الأمر سوءاً أنه بسبب حرص جميع النساء على النحافة انتشرت أمراض نفسية كثيرة مثل anorexia nervosa، وهي إحساس المرأة مهما حدث تغيير أنها قبيحة فتمتنع عن الأكل خوفاً على نحافتها وجمالها. ما هذا العبث؟

تنميط العواطف والانفعالات

في ظل تلك الحرب الهائلة للربح وذلك التقدم المخيف في التكنولوجيا وظهور ما يسمى مجتمع الإعلام العالمي ومحاولة السيطرة على الإدراك، وتسطيح الوعي بما يسمى ثقافة الاختراق أصبحت المرأة هي المادة الإعلامية الدسمة التي تستخدم لتصعيد الرغبات الاستهلاكية، وجعل جسدها موضوعاً للرغبة المادية المباشرة، ومن ثم أصبح الهاجس المباشر هو الرغبات، سواء الجنسية أو غير ذلك، وإن كان فيه أحط الإهانة للمرأة، ولكنها هي العامل الأول للربح.

حين وضع فوكويوما نظريته حول نهاية التاريخ.. هل كان يقصد نهاية الرجل ويبشر بتأنيث المستقبل؟

لقد نشأ اتجاه جديد يبشر بسيطرة المرأة على العالم أو بمعنى أدق تأنيث المستقبل، قام صمويل هنتنجنون بتدشين نظرية جديدة وهي صراع الحضارات والصراع بينها سيحل محل صراع الدول والأيديولوجيات فبعد قيام الثورة الروسية بدأ الصراع بين أيديولوجيات الفاشية والشيوعية والنازية والصراعات بين الروس والطاجيك من هنا قام المفكر فوكويوما بأحداث نظرية تبشر بتأنيث المستقبل استناداً على أن المرأة أقل اتجاهاً للحروب وأقل عنفاً، بالتالي فإن السلام سيحل بتحكم المرأة، ويعلل ذلك بزيادة ذلك النفوذ النسائي في الانتخابات، وبذلك ستتمكن النساء فوق الخمسين من تشكيل ثلث القوة الانتخابية، أكد على ذلك بسبب نشوء تلك الحركات التحررية للمرأة في جميع الجوانب، وأن ذلك الطريق هو البداية، ولها طوران:

الطور الأول

إن هناك إناثاً متمركزات حول أنفسهن ورجالاً متمركزين حول ذواتهم، وكل منهما يحاول السيطرة على الآخر.

الطور الثاني 

أن لا فارق بين الرجل والمرأة، وأنها ستكون أفضل للبشرية من الرجل ويدلل على ذلك بزيادة دورها الانتخابي وذلك النفوذ الهائل ويعتقد أنها ستقلل مخاطر الحروب، لكنه تناسى أنه لا المواطن العادي، ولا عجائز النساء هم الذين يشعلون الحروب.

ولكن الإطار المرجعي والفلسفي لتلك الحركات التحررية يدور في فلك الإطار الإنساني الذي يختلف عن الطبيعة المادية ويقوم على مركزية الإنسان في الكون لذلك الذي يقوم ببث المعايير هو الإنسان، والتي تتوافق مع الإطار الإنساني وأخذ المفاهيم الإنسانية، ودورها كدور المرأة كأم ومكونة للبنة الأسرة لأن تلك أهم المعايير المتفق عليها في الفطرة.

في النهاية هناك ملاحظتان الأولى: إن الفكر الغربي بحكم الطبيعة المسيطرة للمادة والاقتصاد يتحول بشكل كبير إلى البيزنس ويحتاج إلى show، ولا يوجد أفضل من المرأة لتحريك الرغبات بذلك هي العنصر الأول لتحقيق الربح.

الملاحظة الثانية: إنه ما بعد الحداثة وهو قبول كل الأفكار والقيم والنظريات بغض النظر عن صحتها وصلاحيتها وتلائمها مع الطبيعة الإنسانية بشكل عام والطبيعة الإسلامية بشكل خاص، ومن ثم أدى إلى انفجار معلوماتي وبحثي هائل أدى إلى اختلاط الغث بالثمين والجيد بالتافه، وتلك أخطر المشاكل؛ لأنها تتخالف مع الإنسانية وتخالف سيكولوجية الأفراد والمعتقدات الدينية والفكرية؛ لأنها تقبل الفاسد والجيد في آن واحد، لذلك وجب الحذر من ذلك.

المصادر:

  • الأنثوية بين حركة تحرير المرأة وحرية التمركز حول الأنثى. عبد الوهاب المسيري
  • العلمانية الشاملة
  • تأملات في الدين والحياة. محمد الغزالي
  • الهيمنة الاتصالية الفضائية. دكتور محسن خضر
  • نحن والحضارة الغربية. أبو الأعلى المودودي

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد مُنتصر
كاتب وشاعر