وضعن أطفالهن في ظروف قاسية.. جائحة كورونا تزيد معاناة “جامعات الفراولة المغربيات” بحقول إسبانيا

تم النشر: 2020/07/01 الساعة 14:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/01 الساعة 14:45 بتوقيت غرينتش

تضُمُّ طفلها الرضيع إلى حضنها قبل أن تصعد سلالم طائرة تابعة للخطوط الجوية المغربية على مهل، أطلقت تنهيدة طويلة فور جلوسها على المقعد، فبعد أربعة أشهر بإسبانيا قضتها في الحجر الصحي، ستعود أخيراً إلى المغرب.

وكان المغرب قد أعاد مئات المغاربة العالقين في إسبانيا، خلال الأسبوع الأول من يونيو/ حزيران، على متن رحلات جوية انطلاقاً من منطقة الأندلس بالجنوب الإسباني، بعد أسابيع طويلة من إغلاق الحدود البرية والبحرية وتوقف الملاحة الجوية.

حامل وعالقة وموقوفة عن العمل

بداية مارس/آذار المنصرم، غادرت آمال المغرب، ضمن فوج من الفلاحات المغربيات في اتجاه إقليم "إلمونطي" الإسباني، بحقول الفواكه الحمراء، إلا أن الحدود أُغلقت دونهن، قبل أن تنجب المُزارِعة طفلاً ذكراً سمّته إبراهيم، بداية أبريل/نيسان 2020.

تقول آمال لـ"عربي بوست": "كنت في شهري الثامن من الحمل حين سافرت، كنت أرغب في العمل خلال الشهر المتبقي على موعد الولادة من أجل توفير المال، أستعين به على مصاريف الولادة، ومن أجل طفلين آخرين تركتهما في عهدة والدتي وزوجي".

لم تَسِر الأمور كما خطَّطَت لها آمال، فلم يمر سوى يوم واحد على انطلاق العمل، حتى تم منعُها من العمل في الضيعة، بعد أن اكتشف المسؤول حملَها المتقدم.

حوامل ضمن وفود الفلاحات

آمال ذات الـ27 عاماً ليست المغربية الوحيدة التي أُعيدت رفقة المغاربة العالقين بإسبانيا، بل عادت مع 5 من المزارعات في ضيعات إسبانيا، وضعن مواليدهن هناك.

يدفع أصحاب الضيعات حوالي 34 يورو يومياً لكل عاملة، ما وجدته آمال فرصةً جيدةً للعمل وادّخار بعض المال.

اتفاقية مغربية إسبانية بلغت عقدين من الزمن 

اتفاقية شراكة بين "وزارة الشغل" و"الوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة"، و"وزارة العمل والهجرة والضمان الاجتماعي" الإسبانية، تسمح لـ20 ألفاً من الفلاحات المغربيات بالتَّنقل صوب حقول الفراولة والفواكه الحمراء، بالأقاليم الجنوبية الإسبانية.

عقدان من الزمان مرَّا على توجُّه أول فوج يضم آلاف النساء المغربيات إلى إسبانيا، وفق عقود عمل موسمية لجني الفراولة، ويُشترط على الراغبات في العمل أن يكنَّ متزوجات، مطلقات أو أرامل، ولديهن أطفال، حتى يتم التأكد من عودتهن للبلاد بعد انقضاء موسم الجني، على أن تتراوح أعمارهن بين الـ30 والـ45.

استغلال جنسي

في العام 2018، كشفت تحقيقات صحفية ما يتعرّضن له السيدات من سوء معاملة واستغلال جنسي، لينتقل الموضوع إلى جلسات البرلمان الإسباني والمغربي، وسط مطالب حقوقية بإنصافهن، بعد وضع ثلاث عاملات مغربيات شكايات لدى القضاء الإسباني.

الملف الشائك، الذي تخطَّى حدود المغرب وإسبانيا، استدعى تدخُّل سُلُطات البلدين، لتقصِّي حقيقة ما يقع بحقول إقليم "هويلفا" الشاسع بالأندلس، حيث شكَّلت الحكومة المغربية لجنة تحقيقٍ، محاوِلة تجميع خيوط القضية وتتبُّع قصص من يتم تسميَتُهُن بالمغرب بـ"عاملات الفْريزَة"

ولادة في الغربة

أيام عصيبة قضتها آمال منذ أن أوقِفت عن العمل بأجر يوم واحد لا غير، مؤكدة لـ"عربي بوست" ندمَها الشديد على السفر للعمل خارج بلادها وهي حامل، قائلة "غامرتُ بنفسي وبجنيني".

لم تكن تملك المال الكافي لسدِّ جوعها أو اقتناء ملابس لها ولوليدها المنتظر، تحكي بأسف كبير، "تكفَّلت النِّسوة المغربيات العاملات بمصاريف أكلي وشربي، أذكر أني مرضتُ جداً بعد الولادة، وأُصِبت بحمَّى شديدة، وتكفَّل مسؤول إسباني باصطحابي للمستشفى، واقتنى لي الأدوية، وجلب للطفل ملابس بعثتها شقيقتُه".

"بكيتُ كثيراً، وتحسَّرتُ على حالي وحال الطفل الذي وُلد بإسبانيا بعيداً عن والده وأخويه، فيما كنتُ بعيدة عن والدتي وأقربائي، ولم أحظَ بالرعاية اللازمة التي كنتُ سأحظى بها في منزلي".

الوباء زاد من معاناة الفلاحات

خديجة، من مدينة "الفقيه بنصالح"، عملت لسنوات متتابعة بضيعات إقليم "ويلفا" بمنطقة الأندلس، تعتبر أن المردود المادي يبقى جيداً مقارنة مع نفس المجهود المبذول بالحقول المغربية، إلا أن التجربة لا تخلو من عقبات.

 تؤكد لـ"عربي بوست" أن أول صدمة تُصيب المزارعات المغربيات هي عدم مجانية السكن وفق الوعود المقدمة، "وجَدنا أنفسنا مضطرات لدفع 3 من اليورو يومياً من أجل غرفة مشتركة تتقاسمُها 5 أو 6 عاملات، وعلينا دفع فواتير الماء والكهرباء كذلك، ونعمل تحت الشمس الحارقة لمدة 8 ساعات".

سميرة موحيا، نائبة رئيسة فدرالية رابطة حقوق النساء، قالت إن عدد المزارعات المغربيات تضاعَفَ بشكل كبير بإسبانيا، ومن غير المنطقي أن يرسل المغرب عشرات الآلاف من النساء لدولة أخرى دون الحفاظ على تواصل بالمستوى المطلوب مع القنصليات، مع توفير آليات المواكبة والدعم.

"التواصل الحالي غير كافٍ رغم مجهودات الدولة، فتضاعف أعداد المستفيدات يَلزمُه تجويد وتحسين شروط العمل في ظروف جيدة، وحتى تعرف هؤلاء المغربيات أين يتوجهن، ومع من يتواصلن في حال حدوث أي مشكلة.

ما زاد الطين بلة هو تجاهل هؤلاء الفلاحات في ظل جائحة كورونا.

إلى إسبانيا .. هكذا يتم اختيار المزارعات 

تتكلف وكالات التشغيل والكفاءات تسجيل المغربيات الراغبات في العمل بالحقول الإسبانية، وخاصة القرويات، بشرط أن تكون العاملة فلاحة تمتلك خبرة مهنية في جني الفواكه، ولديها القدرة البدنية على ممارسة العمل، على أن تكون متزوجة ولديها أطفال قصّر.

وتُغري عقود العمل الموسمية بالحقول الإسبانية المغربيات، بسبب المقابل المادي الجيد الذي يتقاضينه بإقليم الأندلس، مقابل ما يتقاضينه في حقول المغرب.

آمال، وبعد 14 يوماً داخل الحجر الصحي، غادرت هي ورضيعها سالمة معافاة نحو بلدتها، نواحي مدينة آسفي، أما أسرتها وزوجها فاستقبلوا الطفل المغربي المولود بإسبانيا بالزغاريد والاحتفالات.

علامات:
تحميل المزيد