من ضمن جميع القدرات الغريبة في مملكة الحيوان، تعد قدرة الحبار على الاختفاء التمويهي واحدة من أروعها. والآن تمكن العلماء في جامعة إرفين بكاليفورنيا من نقل هذه القدرة إلى الخلايا البشرية لأول مرة، ومنحها شفافية تجعلها خفية عن الأنظار.
وتمكَّن فريقٌ من العلماء من منح خلايا بشرية القدرة على التخفي، من خلال التلاعب بالأصول الجينية لها.
وأفادت دورية New Atlas بأن العلماء لجأوا إلى جزءٍ من الخريطة الجينية لحيوان الحبَّار البحري.
والتمويه النشط هو استراتيجية بقاء تستخدمها عدة حيوانات بحرية من فصيلة رأسيات الأرجل، وضمن ذلك بعض أنواع الأخطبوط والحبار. بمساعدة الخلايا التي تغير كيفية تبدد الضوء منها فتتخذ شكل المكان المحيط، تغير هذه الحيوانات ألوانها لتتطابق مع محيطها فتصبح شفافة بصورة كاملة وفعالة؛ لتحمي نفسها من الخطر المحدق بها قبل الهروب.
هندسة الخلايا البشرية
انطلاقاً من هذه المعلومات، تلاعب العلماء بهندسة الخلايا البشرية؛ من أجل إنتاج بروتين يُعرَف باسم Reflectin، المسؤول عن تبديد الضوء لخلق إحساسٍ بالشفافية أو ما يُعرَف بالتقزُّح اللوني.
لم تكن هذه مجرد خدعة غريبة، بل فَتَحَ اكتشافهم الباب أمام إقحام سماتٍ مُحدَّدة جينياً في الخلايا البشرية واستكشاف كيفية عمل الجينات فعلياً.
إلا أن فكرة اختراق الجينات، ودمج الحمض النووي من كائن حي وزرعه في خلايا كائن آخر، هي بالتأكيد مثيرة للجدل. يدعمها البعض بحماسة، بينما يعتبرها آخرون غير أخلاقية.
ولكن لطالما سعى البشر كي يصبحوا غير مرئيين، وابتكروا عديداً من الأساطير التي تخدم هذا الهدف، منها مثلاً "طاقية الإخفاء" وقوة الخاتم الخافية في سلسلة أفلام "سيد الخواتم" وغيرها.
وللحبّار قدرة طبيعية على الاختفاء عندما يريد، ويستطيع تنفيذ هذا الأمر بفضل الخلايا المتخصصة التي يمكن أن تتغير في كل لحظة رهن إدارته.
هل نتوقع الرجل الخفي؟
قد نتوقع من هذا البحث أن نرى مستقبلاً بشراً مُعدلين جينياً لتصبح لديهم قدرات للتخفي، لكن ليس هذا هو هدف البحث، بحسب ما أوضحه موقع Futurism.
في المقابل، يعتقد مهندسو الجزيئات الحيوية بجامعة كاليفورنيا، ومعدّو الدراسة، أن تقنية الاختراق الجيني قد تقودهم إلى مواد جديدة مُبدِّدةٍ للضوء، وفقاً لبحثٍ نُشِرَ يوم الثلاثاء 9 يونيو/حزيران 2020 في دورية Nature Communications.
وعلى نطاقٍ أوسع، يقترح العلماء أن دراسة سمات جينية أخرى قد تؤدي إلى التعلم منها وتقليدها، وهو ما يجعل الخلايا البشرية صندوق اختباراتٍ للهندسة الحيوية لا نهاية لاحتمالاته.
وجرَّب العلماء معرفة كيفية التحكم في الخلايا البشرية المعدلة. ووجد الباحثون أن الخلايا المعرضة لمستويات أعلى من الصوديوم تشتت الضوء أكثر من تلك المعرضة لمستويات منخفضة من الصوديوم.
يقول المؤلف المساعد للدراسة، ألون جوروديتسكي، للدورية: "أظهر هذا المشروع إمكانية تطوير خلايا بشرية ذات خصائص بصرية مستجيبة للمنبهات ومستوحاة من الحبار، ويُظهر أن بروتينات الانعكاس المذهلة هذه يمكنها الحفاظ على خصائصها في الخلايا الغريبة عنها".
صندوق اختبارات بيولوجي
قد يكون هذا الصندوق مفيداً، إذ نَجَحَ فريق العلماء بجامعة كاليفورنيا في جعل الخلايا البشرية تدمج تماماً مع الهياكل التي تنتج بروتينات Reflectin الخفية.
وقال الباحث آلون غوروديتسكي لدورية New Atlas: "من خلال الفحص المجهري الطَوري الكمِّي، توصَّلنا إلى أن هياكل البروتينات لديها سماتٌ بصرية مختلفة مقارنةً بالسيتوبلازم داخل الخلايا".
وأضاف: "بعبارةٍ أخرى، تبدو هذه البروتينات بصرياً تقريباً كما تبدو في الكائنات الرأس-قدميات التي تولَّدَت فيها (مثل الحبَّار البحري)".
وبغض النظر عما سيؤول عنه هذا البحث في المستقبل، فإنه يُظهر مدى قوة الهندسة الوراثية.