هذا اسم لرواية كتبها "أليكس هيلي"، قبل نحو خمسة عقود تقريباً، بعد بحث طويل لمدة اثنتي عشرة سنة عن أصوله الإفريقية، وقد قرأها الملايين ونال عليها جائزة البوليتزر لعام 1977م، إلى أن توصل إلى جده السابع، الذي اختُطف من غرب إفريقيا، (جمهورية مالي الحالية)، وكان اسمه "كينتا"، ووالده اسمه "أمورو" أي "عمر"، وكينتا اسم جده كذلك الذي كان إمام قرية وزعيمها.
وتاريخ كينتا يمثل تاريخاً أسود مفعماً بالمآسي بعد أن تم اختطافه وبيعه في سوق الرقيق نحو عام (1776م)، بالقارة الجديدة "أمريكا"، التي امتلأت بالمهاجرين البيض من أوروبا نتيجة النزاعات المذهبية، أو إبعاداً لكثير من المجرمين وأصحاب السوابق، فقضوا على السكان الأصليين "الهنود الحمر"، واحتاجوا للأيدي العاملة في مزارعهم، فتوجهت أنظارهم نحو إفريقيا، حيث ازدهرت سوق الخطف والرقيق، كما تم نقلهم الى أرض الميعاد الجديدة في ظروف قاسية لا يمكن وصفها.
عرف أليكس هيلي أن جده السابع كان من قبيلة مسلمة شأن معظم "العبيد" المختطفين فأعلن إسلامه، وانتمى إلى حركة الداعية المسلم مالكوم إكس الذي كان يدعو إلى إعطاء الزنوج الأمريكان حقوقهم المدنية ثم تم اغتياله عام 1965م، وبعدها تم اغتيال الداعية الأسود مارتن لوثر كينغ عام 1968م.
وقد يقول قائل إن حياة الرقيق والعبودية انتهت في عهد الرئيس إبراهام لينكولن عام 1865م، والذي دفع حياته ثمناً لها، ولكن الحقيقة ظلت مستترة في التمييز العنصري ضد الملَوَّنين لقطاعات كبيرة منهم، والتي فجَّرتها الأحداث الأخيرة بعد مقتل جورج فلويد بطريقة بشعة رآها العالم أجمع في 25 مايو/أيار الماضي، من قبل رجال يمثلون القانون والنظام.
وبالعودة لرواية "جذور" وبطلها كينتا، فبعد اختطافه، تم نقله إلى سفينة كبيرة، حيث وجد نفسه مكبَّلاً بالأغلال على أرضية عنبر السفينة مع جموع من الشباب والصبايا المختطفين، وبعد الاختطاف يتم وشمهم بأسياخ ملتهبة من الحديد تحرق أجسادهم ويتعالى صراخهم الجنوني، ويزداد جنونهم عند صب الماء المالح على جروحهم ويعاقَبون لأقل فعل بالجلد بالسياط، ويقدَّم لهم من الطعام ما يكفي لإبقائهم أحياء حتى يتم بيعهم.
وكانت السفينة تحمل مئة وأربعين عبداً وقد هلك منهم اثنان وأربعون خلال رحلة بَحرية استمرت أربعة أشهر، وكانوا خليطاً من الشباب والنساء والفتيان، وعند الوصول عرض سمسار المزاد "كينتا" وطلب من المشترين أن يتقدموا للمزاد فهذه "قطعة إفريقية ممتازة"، وتم الفحص وبِيع بـ(850) دولاراً، ليبدأ حياة جديدة مملوءة بالشقاء والعبودية.
وكان المشترون يتفقون مع بحارة السفن ليحجزوا لهم شاباً قوياً أو صبية مكتنزة مقابل ثمن أعلى من المعتاد، وأوصاف "كينتا" كانت من النوع المطلوب.
سيطرت فكرة الهروب على كينتا بعد نقله لمزرعة مالكه الذي غيَّر اسمه إلى توبي!
وفي حوار بين كينتا ورجل مُلون سبقه بالعبودية، قال له هذا الرجل: "لقد سمعت أنك متهور إلى حد الجنون، ومن حسن حظك أنهم لم يقتلوك، فالقانون ينص على أنه إذا تمكن أي شخص -أبيض- من الإمساك بك في أثناء محاولتك الهرب، فمن حقه أن يقتلك دون أن تقع عليه أية مسؤولية في ذلك، وتتم تلاوة نص هذا القانون كل ستة أشهر في كنائس الرجل الأبيض، انتبه إليَّ ولا تجادل معي في قوانين الرجل الأبيض.."، وينص القانون على شنق الزنجي الذي يقتل شخصاً أبيض، أما إذا قتل شخص أبيض زنجياً فيكتفى بمعاقبته بالضرب بالسياط فقط".
لقد حاول كينتا الهرب ثلاث مرات، وفي كل مرة يتم القبض عليه ويتم ربطه إلى شجرة كبيرة، وجهه نحوها ومعصماه مربوطان على الجانب الآخر منها، وهو عارٍ من ملابسه، ثم يبدؤون بجلده بالسياط على كتفيه وظهره، حتى يتطاير لحمه من تحت جلده في جو شديد البرودة تثير رياحه آلاماً فوق آلامه إلى أن يفقد الوعي، وعندما يسترجع وعيه يجد نفسه مكبَّلاً بالأغلال على أرضية كوخه البائس، ولمّا فهم أن اسمه صار توبي غضب وثار وهاج فاسمه كينتا وسيظل كينتا…
وقد فعلو به كثيراً… فكانوا يجلدونه ليقول إن اسمي توبي فيحتمل الجلد صابراً حتى يغمى عليه من شدة الألم، فيستسلم ويتمتم توبي…
وهرب كينتا للمرة الرابعة من مزرعة سيده الذي نفِذ صبره وقرر أن يفعل به ما كانوا يفعلونه بالزنوج الأشقياء.
جاء رجلان من هؤلاء البيض الطوال الأقوياء، ومعهما السياط والقيود وبندقيتان… ومعهما شيء آخر.. وربطاه إلى جذع الشجرة.. كمَّما وجهه، وعصَّبا عينيه أيضاً.. وبدأ أحدهما يتحسس أجزاء من جسمه.. ثم لم يدرِ بعد هذا ما حدث له… فقد صبَّا في جوفه ماء له طعم غريب، وأُغمي عليه وفقد وعيه، وإن كان قد أحس بالألم الفظيع عندما أمسك أحدهما بساقه في عنف وشدة، وهوى الآخر بفأس حادة… فبتر نصف قدمه اليمنى!
نصف القدم فقط، ليستطيع بعد أن تنكمش القدم إلى نصف حجمها أن يمشي… ولكن لا يستطيع أن يجري مرة أخرى ولا يفكر في الهروب.
ورأى سيده أنه لم يعد يصلح للعمل في مزرعته فباعه لأخيه الدكتور ويليام وولر، فقد يصلح للعمل في بيته أو عيادته.
هذه بعض الجوانب التي تحكيها "جذور" عن المعاملات العنصرية التي لقيها السود في أرض الميعاد الجديدة، بعد أن تم استرقاقهم من موطنهم الأصلي، والتي لا تبدو أمامها مسألة قتل جورج فلويد إلا حلقة في سلسلة طويلة من الاضطهاد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.