مِن لاعب كرة محترف إلى بائع قطائف.. لماذا يبدو كورونا أكثر قسوة مع أهل صعيد مصر؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/05/21 الساعة 12:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/05/21 الساعة 12:31 بتوقيت غرينتش
كرة قدم توقفت في مصر كأغلب دول العالم/رويترز

بعدما كان معتاداً على سماع هتاف الجماهير في الملاعب أصبح اليوم مضطراً للصبر على صيحات الزبائن الساخطين الراغبين في شراء قطائفه قبل اقتراب موعد الإفطار.

ظهيرة أحد أيام السبت الحارة، كان محروس محمود منهمكاً في عمله، لكن الطريقة التي يعمل بها لاعب كرة القدم المحترف هذه الأيام مختلفة؛ إذ إنه أصبح بائعاً متجولاً للقطائف.

في مثل هذا الوقت من العام كان محمود يلعب مدافعاً في نادي بني سويف، وهو نادٍ مصري من الدرجة الثانية، لكنه تضرر بشدة من جائحة فيروس كورونا، مثله مثل الملايين في أكبر دول العالم العربي من حيث عدد السكان.

وهذه الأيام، يتوجَّه إلى عمله في سوق مزدحم في بلدةٍ بصعيد مصر، حيث يجهز القطائف فيما يتزاحم المتسوقون حول الأكشاك لشرائها. 

قراره كان العودة إلى بلده لإطعام أسرته

وقبل الجائحة، كان محمود يجني حوالي 200 دولار شهرياً من لعبه في ناديه (أي ما يعدل نحو 3140 جنيهاً). وكان يُنفق معظم هذا المبلغ على أسرته المكونة من ثلاثة أفراد، لكنه كان يعمل أيضاً بوظائف بدوام جزئي لتحسين دخله.

وقد توقف الدوري في منتصف مارس/آذار، وتوقف معه مصدر دخل محمود الرئيسي، إذ فرضت مصر حظر تجوال صارماً، وأغلقت المقاهي ومراكز التسوق والمحلات التجارية الأخرى، في إطار جهود الحكومة لوقف انتشار الفيروس. وطلب ناديه من اللاعبين البقاء في المنزل إلى أن يتمكنوا من العودة للعب.

لكن هذا ليس خياراً وارداً أمام محمود أو آخرين كثرين في أسيوط، إذ لا بد أن يُطعم عائلته، وقال: "لا بد أن أعمل في أي مهنة لإطعامهم".

ظل السوق في منفلوط -وهي بلدة تقع على بعد 350 كيلومتراً جنوب القاهرة- مفتوحاً طوال انتشار الجائحة، ويعج بالمتسوقين الذين يشترون مستلزمات وجبة الإفطار خلال شهر رمضان المبارك، وتُعد القطائف التي يصنعها محمود من بين الحلويات الرمضانية المفضلة لدى الكثيرين في مصر.

وقد عاد محمود إلى مسقط رأسه بعد فترة وجيزة من تنفيذ الإغلاق الجزئي للبلاد، واستمر في البحث عن عمل، ولكنه لم يجد سوى عمل باليومية في مجال البناء، وقال إنه قبل الأزمة كان يتمكن من العثور على عمل دائم في مواقع البناء، ولا يجني منه عادة أكثر من 7 دولارات في اليوم، لكنه الآن يقول إنه سيكون محظوظاً إذا تمكن من الحصول على عمل لمدة يومين في الأسبوع، ثم جاء رمضان والوظيفة المؤقتة كانت في محل القطائف.

التباعد الجسدي ليس خياراً متاحاً، فالفقر همّه أكبر.. كورونا في صعيد مصر

في منفلوط، التي يعمل معظم قاطنيها عمالاً باليومية، لا يعد البقاء في المنزل والتباعد الجسدي  من الأمور القابلة للتطبيق.

ففي المناطق الريفية والفقيرة في مصر ترك الكثيرون أمر الجائحة للقدر، لأنهم يعتبرون العلاج أسوأ من المرض، وإذا دخل الفيروس إلى البلدة فقد ينتشر بسرعة.

ومثل العديد من الأماكن الأخرى في العالم كانت تداعيات الوباء كارثية على معظم سكان مصر، البالغ عددهم 100 مليون نسمة، ولاسيما في الجنوب، فحتى قبل أزمة الفيروس ازدادت معدلات الفقر بسبب الإجراءات التقشفية التي اتخذتها حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي في إطار الإصلاحات الشاملة لاقتصاد البلاد المتضرر.

وقبل تفشي المرض، كان واحد من كل ثلاثة مصريين، أو ما يقرب من 33 مليون شخص، يعيشون على حوالي 1.45 دولار في اليوم.

ولدى محمود (28 سنة) شقيق واحد يصغره، وكان والده يعمل سائقاً بدوام جزئي، لكنه تقاعد ويعاني من مشكلات في القلب، وهو يعول والده ووالدته وشقيقه، الذين يعيشون في غرفة واحدة في مبنى مكون من ثلاثة طوابق، يتشاركونه مع عائلات أعمامه الستة.

والآن لم يعُد يسير على خطى نجم مانشستر

قد ظهرت مواهب محمود الرياضية منذ حداثة سنه، وبدأ مسيرته الرياضية ملاكماً في نادٍ محلي، ثم انتقل إلى كرة اليد، قبل أن يقنعه المدربون بالانضمام إلى فريق كرة القدم بالنادي. وفي سن 16 عاماً أصبح لاعباً محترفاً.

قال محمود، الذي يدعوه زملاؤه في الفريق بكومباني، تيمناً باسم قائد فريق مانشستر سيتي السابق فينسنت كومباني: "أخبروني أنني سأكون مدافعاً جيداً"، لكنَّ محمود يَعتبر مدافع ليفربول فيرجيل فان ديك مثله الأعلى.

وقد ساعد محمود فريقه في تصدُّر دوري الدرجة الثانية، وكان يأمل أن يتقدم إلى دوري الدرجة الأولى.

والآن، سيتعين عليه مواصلة العمل فحسب، فهناك عائلته، وهناك سبب آخر يدعوه للادخار، وهو أنه كان مقرّراً أن يتزوج الشهر المقبل.

يقول محمود: "لا أحد محصناً، ولكن مَن هم في مثل ظروفي وظروف عائلتي لا بد أن يعملوا ليتمكنوا من البقاء على قيد الحياة".

تحميل المزيد