رغم أن ابني قُتل في هجوم مسجد كرايستشيرش.. لكن لهذه الأسباب باتت حياة المسلمين أكثر سعادة في نيوزيلندا

عدد القراءات
5,944
عربي بوست
تم النشر: 2020/03/10 الساعة 15:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/10 الساعة 15:49 بتوقيت غرينتش

في مركز رعاية الأطفال، الذي نديره أنا وزوجي في كرايستشيرش، كان معظم الأطفال يعرفون أحد المصابين أو كانت عائلاتهم تضم شخصاً أصيب خلال الهجوم.

وفقد خمسة من الأطفال آباءهم. وكانت آية، حفيدتي، أحدهم. وكان لدينا العديد ممن أُصيب آباؤهم بصدمات نفسية أو بجروح. وبعض الأطفال كانوا يسمعون الكثير من الأشياء في المنزل.

وأعدنا فتح المركز بعد أسبوعين من الحادث وكان واضحاً من اليوم الأول أنه من الضروري أن تصبح الصحة النفسية من أولوياتنا في رعايتنا للأطفال. وكان يتعين علينا مساعدتهم في التعامل مع الصدمات، وتعليمهم كيفية التعامل معها. وظلوا يسألون عن إحدى طالباتنا التي أصيبت في الهجمات، وكان بعضهم يعلم أنها مصابة. كان موقفاً عصيباً.

وتواصلت مع وزارة التعليم ورئيسة الوزراء وأخبرتهما أننا بحاجة إلى الدعم. وأعددت خطاباً لجاسيندا أرديرن حول الصحة النفسية والحاجة الماسة إليها في المجتمع، على المدى القصير والطويل.

وقد استجابت بالفعل، وقدمت لنا الحكومة دعماً مادياً. لكن تحركاتهم لم تكن سريعة بما يكفي. لذلك بدأنا في تنظيم تقديم المساعدة في الصحة النفسية وبدأنا في تقديم الدعم للأرامل.

وغيرنا المناهج الدراسية بناءً على ما اعتقدنا أنه يناسب الأطفال؛ ولم نرد تحميلهم فوق طاقتهم. فركزنا على الأنشطة الترفيهية، والقصص المتعلقة بفقدان الأشخاص أو الأشياء العزيزة على قلوبنا، حتى لو كان هذا الشيء بالوناً. وقد نجح الأمر وتحسن حال أطفالنا كثيراً. وهم الآن سعداء ومبتهجون.

ونحن المسلمين نحتاج إلى المزيد من الفرص للحديث عن أشياء إيجابية، وليس الحديث عن حوادث يتورط فيها مسلمون إرهابيون فقط. ونادراً ما نجد هذه الفرصة. لكنني أعتقد أن حادثة 15 مارس/آذار فتحت أعين العديد من الناس، لأننا كنا الضحايا.

أما عن نفسي، فأنا عالمة. وأحمل درجة دكتوراه. لكنهم نادراً ما يعترفون بالنساء المسلمات ويمنحونهن الفرصة، حتى في العمل. فإذا كنتِ ترتدين الحجاب، فلا يمكنكِ الوصول إلى مرحلة إجراء المقابلة، وإذا فعلتِ، فستعرفين أن الجواب سيكون الرفض. وفي الآونة الأخيرة بدأ الناس يقرون بذلك، وهو أحد الأشياء الإيجابية التي تلت حادث مارس/آذار.

وقد فتح هذه الحادث الكثير من الأبواب أمامنا. ولكن هل نحن فعلاً بحاجة إلى مأساة لنتحرك؟.

قبل هذا الهجوم، خذلتنا السلطات نحن المسلمين بكل تأكيد، لأننا كنا نتصل الشرطة حال تعرضنا لتهديد، وكانوا يكتفون بتسجيل البلاغ ولا يفعلون شيئاً.

وفي مركزنا لرعاية الأطفال، تحطمت النوافذ عدة مرات وكان الناس يهتفون ضدنا في الشارع. وفي إحدى المرات وجدت سيارتي مغطاة بالدماء، ومكتوباً عليها كلمات شديدة البذاءة لم أفهمها حتى أخبرني معلمنا النيوزيلندي معناها.

وإذا أردنا الإعلان عن نشاط على مواقع التواصل الاجتماعي لجاليتنا، لم نكن نتمكن من كتابة مكانه، وكان هذا يحملنا عبئاً إضافياً.

لقد عشت في نيوزيلندا لمدة 25 عاماً، وهي فترة طويلة بما يكفي لألحظ أن هناك الكثير من التمييز ضد الأجانب بشكل عام والمسلمين بشكل خاص، والكثير من التمييز داخل نظام التعليم. ولا يقتصر الأمر على تنمر طلاب على طلاب آخرين، بل كان المعلمون هم من يتنمرون على الطلاب. ولطالما ناديت بضرورة زيادة الحديث عن الثقافات الأخرى. يقول الناس إننا بحاجة إلى الاندماج، ولكن أين الأفعال؟.

منذ حادث إطلاق النار العشوائي، كنت أستخدم مهاراتي وخبرتي وأي معارف اكتسبتها للمشاركة في أمور مثل اللجنة الملكية أو التحقيق فيما إذا كان من الممكن منع هذه الهجمات أم لا. وهذا يشمل التواصل مع الحكومة، والمنظمات المختلفة التي تقدم المساعدات، ووزارة التعليم.

غير أن الكثير منا ممن يتولون القيادة في هذه الأمور أصابهم التعب. وأنا شخصياً لا يمكنني التعامل مع كل هذا. فخوض كل ذلك أمر مرهق بشدة، وعليك دائماً أن تكون متيقظاً. وعليك أن تفكر طيلة الوقت. لكنني لا أريد التفكير أحياناً. لكننا دأبنا على تدريب الشباب في مجتمعنا وتحفيزهم، لذلك نأمل أن يتمكنوا من مواصلة الطريق.

وتغيرت أمور أخرى بعد هذا الحادث. إذ تلقت الوكالة الحكومية المسؤولة عن الطوائف العرقية مزيداً من التمويل، وثمة شعور بضرورة التركيز على الترابط الاجتماعي والأنشطة. والآن يأتينا الكثير من الناس من المجتمع بأسره ويتحدثون إلينا ويبدون تقديرهم لنا.

وهذا بالتأكيد ما لا يود أن يسمعه الشخص الذي نفذ هذا الهجوم. إذ كان هدفه عكس ذلك تماماً، لكنه فشل فشلاً ذريعاً. ولهذا السبب أريد أن أخبره أننا في حالة جيدة للغاية. وأننا بخير. وسعداء. وصحيح أننا نفتقد أحباءنا، لكننا نعرف أنهم في مكان أفضل. وأنت لم تحقق شيئاً.

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية.

الدكتورة هي ميسون سلامة، والدة عطا عليان، أحد المصلين الـ51 الذين لقوا حتفهم في هجمات مسجد كرايستشيرش في مارس/آذار عام 2019.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ميسون سلامة
والدة أحد المصلين الذين لقوا حتفهم في هجمات مسجد كرايستشيرش بنيوزيلندا
الدكتورة هي ميسون سلامة، والدة عطا عليان، أحد المصلين الـ51 الذين لقوا حتفهم في هجمات مسجد كرايستشيرش في مارس/آذار عام 2019.
تحميل المزيد