ظلم المجتمع بين القدس والضفة.. قصة زميلتي التي زوجوها قسراً ثم أجهضوا جنينها بالدواء

عدد القراءات
4,407
عربي بوست
تم النشر: 2020/02/21 الساعة 14:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/02/21 الساعة 14:32 بتوقيت غرينتش

عندما التقيتها في عمل أول مرة قرأت في عينيها حزناً لا ينتهي، وشعرت أن وراء ابتسامتها ألماً كبيراً، وحكايات طويلة، لكني أتجنب دائماً نبش ما يحاول المتعبون إخفاءه، ولا يحكمني الفضول لأتخذ من مآسي الناس مجداً، ومن معرفة تفاصيل أوجاعهم خيطاً لنسج قصص أو روايات لافتة للنظر، أو نشر قضية مثيرة للجدل، وهذا ما أراه من أدب الكتابة وأخلاقياتها.

وذات يوم بعثت لي فرح التي سمَّت نفسها بهذا الاسم علَّها تأخذ منه نصيباً برسالة تخبرني بتفاصيل عن مشكلة حدثت معها، وتطلب مني الكتابة عنها، فطلبتُ أن نلتقي لأني شعرت أن الموضوع أكبر من أن تشرحه رسالة، وربما يصلح أن يكون موضوعاً شيقاً لرواية كاملة.

فرح فتاة فلسطينية من الضفة الغربية، من ضحايا التخلف المجتمعي جعلها طلاقها عبئاً على أهلها، مما جعلهم يقبلون بتزويجها بشاب من القدس بلا أي مهر مقبوض حتى، وكان ذلك الشاب متزوجاً، ولديه أربعة أبناء، وقبل أن يتقدم لها طلق زوجته التي هي ابنة عمه لأن قوانين الأحوال المدنية في القدس تتبع قوانين الاحتلال، إذ تمنع الجمع بين زوجتين.

لكنه كان في قرارة نفسه يريد أن يتزوجها بهدف الحصول على شيء جميل أعجبه ليس إلا عندما لم يتمكن من الحصول عليه بلا زواج.

ظل يضع العيوب في زوجته التي تبين فيما بعد أنها جميلة جداً، ولا ينقصها شيء، ولكنه لم يعد يطيق إهمالها بنفسها على حد قوله، ذاك الإهمال الذي إن دل على شيء دلَّ على زوج أناني لا يشاركها مسؤوليات أبنائه وبيته.

وفي هذه الجزئية درس لمن تُفني نفسها في الإنجاب من أجل الرجل على حساب صحتها، فيملها، ويتركها، أو يخونها.

لكنه ترك فرح منذ اليوم الأول، وعاد لزوجته، وكان لا يدخل البيت إلا كصديق بين الحين والآخر.

ولسوء الحظ حملت فرح، وظنت أنها ستفرح بطفل تربيه في كنفها بعد أن اضطرت للتنازل عن حضانة أطفالها الثلاثة من زواجها الأول لعدم موافقة أهلها أن تربيهم.

وفي الشهر الخامس من الحمل أجهضت فرح، وكان ذلك بسبب وضع أخوات زوجها اللواتي يعملن في وظائف مرموقة دواء لها في الطعام لقتل الجنين مبررات فعلتهن بأنهن لن يرضين بها زوجة لأخيهن، وهو سيطلقها لا محالة، ولن يسمحن بقدوم طفل يتربى بعيداً عن أهله.

ذهبت فرح بعدها في زيارة لأهلها فطلقها غيابياً، وبلا أي حقوق مادية، فقد تزوجته بمهر على ورق لم تقبض منه شيئاً، ولن تحصل على حقوق أخرى من نفقة ومؤخر، لأنها مواطنة فلسطينية تحمل هوية الضفة الغربية فلا مجال للشكوى على طليقها المقدسي؛ لأنه لا يخضع للقوانين الفلسطينية، ولا سلطة لها عليه.

جنت فرح كيف يقتلن نفساً وروحاً بهذه البساطة فكانت ردة فعلهن بوقاحة: سنكفر عن خطئنا بعُمرة وينتهي الأمر، وكأنه بهذه البساطة!

قلن لها بصريح العبارة: وماذا سيختلف عليك الأمر! كنت مطلقة، وستعودين مطلقة كما كنتِ، وأخي لم يقصر أبداً في الإنفاق عليكِ.

قضت فرح في ذلك الأسر سنة كاملة، وهي حبيسة البيت قلما تخرج لحاجة، لا تعرف أحداً سوى جارة واحدة يتضح فيما بعد أنها أفعى على هيئة امرأة، إذ تقوم بسحب كلام منها عن طليقها بعد أن تبدأ بالحديث بالسوء عنه، وأهله، وتمنحها الأمان مستغلة ما كانت تعانيه من وحدة لتحتفظ لها بتسجيلات صوتية تعطيها لطليقها.

رفعت فرح قضية للمطالبة بحقوقها إذ وكلت محامية مقدسية فكسبت القضية، لكن طليقها سرعان ما وكل محامياً آخر، وأسقط شهادة فرح، وتهجم عليها، وزوّر ملفها بعد أن باعته محاميتها متذرعة بالخوف، والتهديد من طليقها، والضغط عليها من قبل عائلتها، فأسقط المحامي الملف؛ لأن موكله لا يخضع لقانون السلطة الفلسطينية وفق الأعراف المسنة.

وبعد ذلك رفعت فرح قضية لا تزال قائمة وعالقة بالتعاون مع النقابات، وجمعيات المرأة لتحصل على مقدمها، أو شيء من حقوقها، أو لتعاقب المحامية على سوء احترامها لأخلاقيات مهنتها على الأقل.

وبالمناسبة معاناة فرح مع المحامين لم تقتصر على أمور الطلاق فحسب، فقد كانت وضعت كل ما تملك من مال ثمناً لأرض اشترتها ليتضح أن المحامي قد باع الأرض لأكثر من شخص، ولا أوراق رسمية تثبت ملكيتها، ولم يتوقف به السوء عند هذا الحد فقد أحضر أوراقاً باطلة تثبت أنه مريض سرطان ليخرج نفسه من دائرة العقوبة.

فإن كان العدل عند أهله يتلاشى، ويخفت صوته، والمهنة التي وجدت في الأصل لتحقيقه تخلو من أقل قليله، فعلى الدنيا السلام.

عندما تصبح المادة هي الحاكمة يملأ الجشع القلوب، ويسقط قسم الأخلاق في أغنى الجيوب.

أيمان كاذبة، وشهود زور، وأحكام باطلة من أجل بضعة أموال هي أسرع ما يفنى في الحياة، ومن أهم ما يسأل عنه المرء عند الله يوم تجتمع عنده الخصوم، ولا تنسوا أن الأمة الكافرة تنصر بالعدل، والأمة المسلمة تهزم بالظلم.

فهل ستجد فرح في المحاكم ضالتها؟

وهل سيعود يوماً حقها المسلوب؟ أم أنها ستفوض أمرها لخالقها، وتنتظر عدله في أرض الظالمين؟!

وجدان شتيوي هي كاتبة في العديد من المواقع الإلكترونية ومشارِكة في العديد من الكتب المشتركة الصادرة عن دار زهدي للنشر مثل ساعة الرمل وشؤون صغيرة وذاكرة الخريف وألف كاتب ولاجئ، وباحثة في جهاز الإحصاء الفلسطيني.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

وجدان شتيوي
كاتبة رأي فلسطينية
كاتبة في العديد من المواقع الإلكترونية مثل دنيا الرأي، ومجلة هاشتاغ وإشراقات، والمجلات الورقية مثل مجلة فلسطين الشباب، ومشارِكة في العديد من الكتب المشتركة الصادرة عن دار زهدي للنشر مثل ساعة الرمل وشؤون صغيرة وذاكرة الخريف وألف كاتب ولاجئ. عملْتُ سابقاً مدرسة للغة الإنجليزية في معاهد تدريسية، وباحثة في جهاز الإحصاء الفلسطيني، وأعمل حالياً مديرة مركز تعليمي.
تحميل المزيد