في سبعينيات القرن العشرين، كان اسم القاتل المتسلسل إدموند كيمبر كفيل بإثارة الهلع، ليس في نفوس الأمريكيين العاديين فقط ولكن في نفوس رجال الشرطة القانون أيضاً، وربما قد تعتقد أن تاريخ أمريكا الجنائي المليء بالجرائم المتسلسلة قد يخفف من وقع بشاعة جرائم إدموند كيمبر، لكن هيئة كيمبر وبنيته الجسدية المخيفة، وهدوءه المثير للرعب، وطبيعة جرائمه جعلت منه كابوساً بشرياً متحركاً.
ما بين طفولة قاسية، ومراهقة دموية وحياة خلف القضبان، نتعرف معاً في تقريرنا التالي على إدموند كيمبر، الذي لقبته أجهزة الشرطة والصحافة بسفاح الطالبات.
من هو القاتل المتسلسل إدموند كيمبر؟
وُلد إدموند كيمبر Edmund Kemper في 18 ديسمبر/كانون الأول عام 1948 في مدينة بربانك بولاية كاليفورنيا الأمريكية، وفي عمر 10 سنوات فقط كان يعاني كيمبر من أمه مدمنة الخمر، صعبة المراس، التي ارتحلت مع طفلها وشقيقتيه إلى ولاية مونتانا بعد انفصالها عن والد إدموند.
بحسب سيرة كيمبر، فقد كانت والدته دائمة اللوم له على "خراب بيت" العائلة، وكانت دائماً ما تتهمه بأنه غير سويّ لأنها رأت علامات طفل مضطرب نفسياً عندما رأته يقطع رؤوس الدمى الخاصة بشقيقاته، وكانت تخشى أن يقوم بإيذاء شقيقتيه؛ فكانت تحبسه بشكل دائم في قبو المنزل.
وبالطبع يمكننا أن نتخيل ما الأثر الذي قد يُحدثه هذا في طفل لديه ميول عنيفة بالفعل ويعاني من القسوة، في سن 13 عاماً بدأت خيالات كيمبر المضطربة في الإلحاح على عقله المراهق، وكان من بين هذه الخيالات قتل والدته.
ومع تزايد الضغوط على الصبي، أرسلته والدته للعيش في مزرعة جده وجدته لأبيه، وهو ما كان بداية المأساة في حياة إدموند كيمبر.
أول ضحايا إدموند كيمبر.. الجد والجدة
بعد انتقال إدموند إلى مزرعة جده في أغسطس/آب 1964، بدأ في الشعور بحرية أكبر، وقدرة أكثر على التحرك بخياله في كل الاتجاهات، وهنا استغل الصبي المضطرب خطأً فادحاً ارتكبه جده، ألا وهو ترك السلاح الناري الشخصي في متناول الصبي، الذي لم يتردد كثيراً في "تجربة" بندقية الصيد الخاصة بجده على بعض الطيور والحيوانات الصغيرة، وهو ما جعل الصبي المكبوت يشعر بنشوة غير مسبوقة لم يشعر بها مع أي لعبة من قبل.
ولم يتوانَ إدموند عن استغلال الفرصة لتجربة السلاح على البشر، فبعد جدال حاد بينه وبين جدته سحب "لعبته الجديدة" وأطلق النار على جدته، ثم ذهب إلى الفناء وانتظر جده الذي كان خارج المنزل، وأطلق عليه النار هو أيضاً ليسقط قتيلاً بجوار سيارته، ثم اتصل بأمه وأخبرها بالهدوء ذاته بأنه قتل جداه، وطلب منها إبلاغ الشرطة.
إدموند كيمبر.. العملاق القاتل حر طليق!
عقب القبض على كيمبر أرسلته شرطة كاليفورنيا للخضوع إلى عدة فحوص نفسية لتحديد سلامته العقلية قبل محاكمته بصفته قاصراً، ورغم أنه أظهر نسبة عالية من الذكاء؛ فإن الأطباء أقروا بإصابته بعدة أمراض عقلية ونفسية من بينها الفصام الارتيابي Paranoid Schizophrenia وعُزل في أواخر 1964 في إحدى المصحات العقلية لعدم أهليته للمحاكمة.
لكن في عام 1969، أطلق سراح كيمبر في سن 20 عاماً بعد أن أبدى تجاوباً مع العلاج بشكل كبير، بعد أن أوصى أطباؤه بألا يعيش مع والدته مرة أخرى؛ لكن سلطة الولاية لم تهتم كثيراً بعزل كيمبر المضطرب عن أمه.
وبعد أن عاد إدموند شاباً يافعاً، قوياً –كان طوله مترين و10 سم ووزنه 113 كيلوغراماً- محمّلاً بجرم قتل جديه، والخيالات نفسها عن تجربة القتل، ورؤية الدم، ولكن كان عليه أن يقاوم أفكاره الشاذة.
وبالفعل حاول إدموند كيمبر الالتحاق بوظيفة لائقة مستغلاً ذكاءه الفطري وبنيته القوية للالتحاق بشرطة الولاية، لكن رفض طلبه، لأن حجمه كبير وغير لائق -للدهشة وليس لارتكابه جريمة قتل مزدوجة وهو صبي!- ولكن سيرته الذاتية تحكي أنه كان ودوداً وكسب ثقة العديد من أفراد الشرطة في حيه السكني، في أوائل عام 1971 التحق كيمبر بالعمل موظفاً في إدارة الطرق والمواصلات، بعد أن تلقى عدة صفوف دراسية في جامعة كاليفورنيا التي كانت أمه تعمل فيها بوظيفة إدارية.
السفاح إدموند كيمبر يبدأ الاستسلام إلى ضلالته
في بدايات عام 1972 كان كيمبر يختبر أثر التواصل المباشر مع الفتيات اللاتي يصادف وجودهن على الطرق السريعة للتطفل على الراكبين للتنقل بدون مقابل، وبعد عدة محادثات مع الفتيات المتسكعات كانت خيالاته المظلمة تبرز على السطح مجدداً.
وفي ليلة شتوية صامتة عرض كيمبر على طالبتين جامعيتين أن يوصلهما إلى مقصدهما مجاناً، وبعد موافقة الفتاتين انطلق بهما كيمبر إلى بقعة معزولة وقتلهما طعناً ثم قام باغتصاب الجثتين جنسياً، ثم قطّع الجثتين وتخلص من بقاياهما.
في غضون أسابيع قليلة عُثر على جثتي الفتاتين بدون دليل إدانة، وهو ما يدل ليس فقط على قاتل مضطرب، وإنما شديد الحرص على ألا يكشف أمره.
في سبتمبر/أيلول 1972 كرر كيمبر الجريمة نفسها مع فتاة تبلغ من العمر 15 عاماً فقط، وتخلص من جثتها في منطقة مهجورة.
بعدها لم يستطع إدموند كيمبر التحكم في جنونه، وشرع يخطط لجرائمه بدقة فائقة لاصطياد ضحاياه من الطالبات الجامعيات، مستغلاً أحد الملصقات التي تيسّر له دخول حرم الجامعة التي تعمل بها أمه، حيث عدد لا نهائي -بحسب وصفه- من الضحايا المحتملة.
في عام 1973 كان كيمبر قد قتل، واغتصب جثث 6 فتيات أغلبهن من طالبات جامعة كاليفورنيا، لكنه في الوقت نفسه لم يستطع التخلص تماماً من سطوة الأم الصارمة القاسية، التي بدأت بها كُل مشاكل كيمبر، وهو ما قاده لأبشع جرائمه، وآخرها.
العملاق ينتقم من أمه.. ويساعد المباحث الفيدرالية
بحسب ما رواه كيمبر في اعترافاته لاحقاً؛ من أن أمه السكيرة كانت تعامله بكراهية وقسوة طيلة الوقت، ودائماً ما تتفوه باللوم عليه وإهانته، وذات ليلة عادت أمه مخمورة من أحد الملاهي الليلية ووجهت له فاصلاً من اللوم والإهانة ثم ذهبت لفراشها، ولكن كيمبر المحتقن هاجمها أثناء نومها، ثم قطع رأسها عن جسدها ومَثّل بجثتها جنسياً، ثم دفن أوصالها في باحة المنزل.
وبعد أن أخفى جريمته بعناية وتأكد من أن أحداً لن يكتشف أمره، ذهب طواعية إلى أحد مراكز الشرطة واعترف بالكامل بتفاصيل جرائمه بهدوء مخيف.
حُوكم بعدها إدموند كيمبر واعترف بأنه مذنب؟ وعندما سأله القاضي عن العقوبة العادلة التي يجب أن يتلقاها، أجاب كيمبر ببساطة: التعذيب حتى الموت. أدين بعدها كيمبر وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة دون إمكانية إطلاق سراح.
لكن قصة كيمبر المثيرة لم تنتهِ عند هذا الحد، ففي أواخر السبعينيات كانت المباحث الفيدرالية الأمريكية توجه اهتماماً خاصاً تجاه ما يعرف بـ "علم السلوك الإجرامي" بغية دراسة أكثر عماً لجرائم القتل.
وأنشأت المباحث الفيدرالية لهذا الغرض وحدة خاصة قامت بدراسة حالات القتل المتسلسل -لم يكن يعرف بالقاتل المتسلسل حينها- وتحليل دوافع مرتكبيها للتمكن من التعامل معها لاحقاً، ومن بين تقنيات تطوير هذه الإدارة كان عقد لقاءات منتظمة ومحاورات مع قتلة متسلسلين للوقوف على تفاصيل ارتكابهم للجرائم ودوافعهم وخططهم، وكان من بينهم إدموند كيمبر.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الفقرة السابقة بالكامل تقنية هذه الوحدة التابعة للمباحث الفيدرالية هي من أطلق المسمى الشهير (قاتل متسلسل Serial Killer) على هذا النوع من القتلة. هذه الوحدة تحولت قصة نشأتها إلى أحد أفضل مسلسلات الجريمة في آخر 10 سنوات، وهو مسلسل Mindhunter الذي أنتجته نتفلكس عام 2017 وطرح منه الجزء الثاني عام 2019. وبالطلع كانت قصة إدموند كيمبر واحدة من القصص المحورية في الموسم الأول من المسلسل الذي ننصح بمشاهدته إذا ما كانت قصة كيمبر قد أثارت اهتمامك. كما يجدر بالذكر أن إدموند كيمبر لا يزال حياً في سجنه حتى هذه اللحظة