أقر القضاء الأمريكي ببراءة متهم بالمشاركة في واقعة اغتصاب جماعي عام 1984، بعد أن قضى 25 عاماً مجرماً في نظر القضاء والمجتمع، وفق ما أوردته صحيفة The New York Times الأمريكية، الثلاثاء 28 يناير/كانون الثاني 2020.
الصحيفة الأمريكية قالت إن رافائيل رويز رفض أربع مرات عروضاً من النيابة العامة في نيويورك، للإقرار بالذنب والاعتراف بالمشاركة في واقعة اغتصاب جماعي جرت على سطح إحدى البنايات في حي هارلم الأمريكي في عام 1984، بالرغم من أن اعترافه كان من شأنه أن يخفض كثيراً من مدة عقوبته. صحيح أنه كان رهن الاعتقال في كل الأحوال، لكنه كان لديه سبب وجيه لرفض الصفقات الأربع. إذ يقول: "قلت لهم إنني لم أرتكب شيئاً خاطئاً".
25 عاماً من المحنة
في يوم الثلاثاء 28 يناير/كانون الثاني، اتفق معه أحد القضاة أخيراً. ففي جلسة استماع في المحكمة العليا بمانهاتن، بُرئت ساحة رويز رسمياً من إدانته بالجريمة، لكن براءته جاءت بعد فوات الأوان. بالرغم من أنه أُطلِق سراحه من السجن قبل حوالي عشر سنوات، قضى رويز بالفعل 25 عاماً مجرماً في نظر القضاء والمجتمع.
في مقابلة أجريت معه، عبّر رويز عن شعوره قائلاً: "أنا في غاية السعادة، فعلى الأقل استرددت حياتي".
بدأت محنة رويز في 18 مايو/أيار عام 1984، عندما اتُّهم وهو في الرابعة والعشرين من عمره، بالمشاركة في الاغتصاب العنيف لامرأة تبلغ من العمر 18 عاماً، عُثر عليها قبل شهر من اتهام رويز بينما كانت تلهث على قارعة الطريق في جادة فيرست أفينيو في إيست هارلم.
أخبرت المرأة الشرطة أن رجلاً يدعى "روني" قادها في هذه الليلة إلى مبنى في مساكن روبرت واغنر، وهو مجمع سكني عام في إيست هارلم. وأوضحت أن روني أخذها إلى إحدى الشقق في المبنى، ثم إلى السطح، حيث تعرضت للاغتصاب والضرب على أيدي ثلاثة رجال على الأقل.
بحسب وثائق المحكمة، فإنه في غضون أسبوعين من الاعتداء، قادت الضحية المحققين إلى الشقة التي اصطُحبت إليها قبل الواقعة. وهناك عثر أفراد الشرطة على رويز، الذي كان يقيم مع شقيقه، وطلبوا منه مرافقتهم إلى مركز الشرطة لاستجوابه. وما كان منه إلا أن وافق.
في وقت لاحق من تلك الليلة، تعرفت الضحية على رويز في مجموعة صور للمشتبه بهم، بوصفه أحد الرجال الذين اعتدوا عليها، رغم أنه لم يطابق وصفها الأصلي للمعتدين. وبعد مدة وجيزة، تعرفت عليه مرة أخرى في إجراء غير معتاد يدعى"مواجهة فردية"، وحينها اختارته على أنه أحد المعتدين عليها، بينما كان يقف بمفرده في غرفة وراء مرآة أحادية الاتجاه.
دليل إدانة "ضعيف"
تستخدم الشرطة عادةً في حالات الطوارئ فقط العروض الفردية للمشتبه فيهم، بدلاً من صفوف المواجهة التي تضم عديداً من الأشخاص الذين يبدون متشابهين، عندما تكون الضحية مريضة أو على وشك الموت.
فيما ذكرت سجلات المحكمة أن محامي رويز حاولوا منع استخدام عملية التعرف عليه لتكون دليل إدانة، غير أن الشرطة أخذت بها، وأدين على خلفية ذلك. وفي محاكمته، اعتمد المدعون العامون في مكتب المدعي العام لمقاطعة مانهاتن على شهادة الضحية بنسبة كبيرة، وعلى تعرّفها الأولي على هوية رويز بصفته واحداً من المعتدين.
أدلى رويز بشهادته دفاعاً عن نفسه، وقال إنه لا يمكن بأي حال أن يكون قد شارك في الاغتصاب، إذ إنه من أصل إسباني، وكانت الشابة قد قالت في البداية إن جميع المعتدين كانوا من ذوي البشرة السوداء. وقال أيضاً إنه لا يمكن بأي حال أن يكون هو روني، الرجل الذي قاد المرأة إلى مشروع الإسكان العام، لأنه لم يعرف كيفية القيادة.
مع ذلك أدين رويز وحُكم عليه بالسجن لمدة تتراوح بين 8 و25 عاماً. وفي عام 2003، وبعد مرور 15 عاماً على رفض الطعن الذي قدمه، وكّل رويز وعائلته محامياً، وهو وليام تيندي، الذي بدأ إعادة التحقيق في قضيته. وبعد سنة، حقق تيندي اكتشافاً مذهلاً، حسبما ذكرت أوراق المحكمة.
تشابه في الأسماء
تمثل هذا الاكتشاف في أن شقيق رويز، وهو الشخص الذي كان يقيم معه وقت إلقاء القبض عليه، كان يعيش في شقة 16 بمبنى 2400 في الجادة الثانية، وهو أحد المباني في مساكن فاغنر. في الوقت ذاته تقريباً، كانت جارته التي تحيا في شقة 16C المقابلة لشقته، تتخذ صديقاً حميماً يدعى روني.
يعتقد تيندي أن الضحية قد أخطأت وقادت الشرطة إلى الشقة الخاطئة، وهو ما وضعهم بالخطأ في طريق رويز.
بينما لم يتمكن تيندي من تعقب تلك المرأة التي كانت تحيا في شقة 16C لإثبات هذه القصة قبل وفاتها في عام 2009. فيما استغرق تحديد مكان الضحية أكثر من عشر سنوات، ولكنه عثر عليها في النهاية بمساعدة منظمة مشروع البراءة The Innocence Project والمدعين العامين في برنامج سلامة الإدانة التابع لمكتب المدعي العام لمقاطعة مانهاتن.
حسبما ذكرت سجلات المحكمة، فإنه عندما استجوبت النيابة الضحية، في سبتمبر/أيلول 2018، قالت إنها تتذكر "الشعور بتعرضها للضغط" من قبل المحققين الأصليين في القضية للتعرف على المشتبه به. وتذكرت أن المحققين كانوا "لحوحين"، وأخبروها أن أياً كان من اعتدى عليها كان طليقاً "يؤذي النساء". واعترفت كذلك بأنها لا تزال غير متأكدة من أنها اختارت الرجل الصحيح.
العثور على حل اللغز
في أواخر عام 2019، وبعد سنوات من البحث غير المجدي، وجدت منظمة مشروع البراءة القطعة المفقودة في اللغز، ألا وهي أدلة الاغتصاب في قضية الضحية. وقالت سجلات المحكمة إنه عندما فحص محامون عاملون بالمنظمة عينات من الحمض النووي الخاص برويز مقارنةً مع عينات من الأدلة، لم يجدوا أي تطابق.
بحلول هذه المرحلة، كان رويز خارج السجن منذ ما يقرب من عشرة أعوام، وهو الوقت الذي دعمته فيه أسرته لأنه وجد صعوبة في العثور على وظيفة، لأنه مجرم مدان.
يقول رويز، البالغ من العمر 60 عاماً ويحيا في مقاطعة برونكس، إنه غير متأكد من أن أي شخص لا يزال يرغب في تعيينه بأي وظيفة، وأضاف: "صحيح أن سجلي الإجرامي نظيف وحياتي تُردّ إليّ، لكن ما الذي ينبغي علي فعله الآن؟ سأبقى بعيداً عن المتاعب وأنتظر حتى يحدث شيء ما".