اكتشف العلماء مفتاح إيقاف تشغيل "جينات الألم"، مما يزيد من آمال التوصل إلى علاج طويل الأمد، للتخلص من الآلام المبرحة للأمراض الخطيرة التي يعاني منها الملايين.
تنطوي تلك الطريقة على تعديل الحمض النووي للمريض، لتعطيل الجين المسؤول عن بث إشارات الألم عبر العمود الفقري، وفقاً لما ذكرته صحيفة The Daily Mail البريطانية، السبت 4 يناير/كانون الثاني 2020.
العلاج الجديد لا يُسبب الإدمان
نجحت الدراسات الأولية على الفئران بالفعل، ويخطط الباحثون الأمريكيون إلى البدء في إجراء التجارب السريرية على البشر خلال العام المقبل، التي من المحتمل أن توفر رعاية خالية من الألم للمرضى في المراحل المتأخرة، أو من يعانون من حالات مزمنة.
ابتكر العلاج شركة Navega Therapeutics الناشئة في سان دييغو كاليفورنيا. وقال المؤسسون للصحيفة البريطانية، إنه قد يحصل على الموافقة والاعتماد النهائي في غضون خمس سنوات.
في الغالب يعتمد مَن يعانون من آلام مزمنة طويلة الأجل على أدوية المسكنات الأفيونية، التي تتسبب في الإدمان، بينما قال فيرناندو أليمان، الشريك المؤسس لشركة Navega: "الميزة الكبرى لأسلوبنا أنه لا يسبب الإدمان".
الطريقة الجديدة للشركة في التعامل مع الآلام اتبعت أسلوباً جديداً عالي الدقة لتحرير الجينات، يسمى "كريسبر" (CRISPER)، ويستخدم بشكل رئيسي في الوقت الحالي لمكافحة الأمراض الوراثية النادرة.
كيف تعمل طريقة "كريسبر"؟
تستخدم تقنية "كريسبر" الجزيئات التي يمكن برمجتها للعثور على "الجين المستهدف"، ومع احتواء كل خلية بشرية على حوالي 25,000 جين، يشبه الأمر البحث عن إبرة في كومة قش، ثم يستخدم بروتين معين لاستخراج الجين المستهدف المعيب وإحلال جين طبيعي مكانه، وفي الشهر الماضي، أعلن باحثون تمكنهم من علاج أنيميا الخلايا المنجلية بهذه الطريقة.
الصحيفة البريطانية أشارت أيضاً إلى أن شركة Navega تستخدم تقنية "كريسبر" بطريقة مختلفة قليلاً، تُسمّى "تحرير ما بعد الجينوم"، إذ تُعطّل الجينات بدلاً من استبدالها.
تفسر آنا مورينو، الشريك المؤسس شركة Navega، هذا الأمر قائلة: "يمكنك تنشيط أو تثبيط الجين المستهدف دون إجراء تغييرات دائمة. لذا يمكننا تثبيط الجين المعروف بالتسبب في الحساسية تجاه الألم".
أضافت: "إننا متحمسون للغاية لأننا رأينا في ثلاثة نماذج مختلفة للألم عبر تجاربنا على الفئران، انخفاضاً في معدلات الألم بشكل عام".
مساعدة مرضى السرطان
خضعت الفئران للعلاج الكيماوي الذي يتسبب عادة في الشعور بالألم لدى مرضى السرطان. وتقول الدكتورة آنا: "أحد الأسباب الرئيسية لتوقف مرضى السرطان عن العلاج الكيماوي الذي قد ينقذ حياتهم هو الألم الكبير المصاحب لهذا العلاج".
آنا أوضحت أيضاً أنه "كلما زادت جرعة العلاج الكيماوي كانت احتمالية نجاة المريض أكبر. ولكن مع ارتفاع الجرعة تزيد احتمالات معاناة المريض من الألم المزمن".
يحصل غالباً مرضى السرطان على المورفين من أجل الحد من آلامهم، لكن ذلك يتركهم في حالة إنهاك تام وغير قادرين على أبسط الأعمال.
لذا يمكن استخدام طريقة تثبيط "جين الألم"، المُسمّاة SCN9A، بديلاً للمورفين، ومساعدة مرضى السرطان على استمرار العلاج الكيماوي لوقت أطول، وتمكينهم من عيش شهورهم الأخيرة بقدرة كاملة على الحركة وخدمة أنفسهم.
تتضمن طريقة شركة Navega وضع أداة تحرير "كريسبر" داخل جسم فيروس غير مضر، ليعمل بمثابة "حصان طروادة"، ويُحقن هذا الفيروس إلى العمود الفقري، مثل التخدير الموضعي في الطبقة فوق الجافية، وبعدها يصيب الفيروس الخلايا العصبية، وبمجرد أن يكون داخل خلية، تُطلق أداة "كريسبر" وتبدأ بالعمل على تعطيل جين الألم.
من جانبه، اعترف الدكتور أليمان بأنه "حتى الآن، لا يمكننا التخلص من الألم تماماً باستخدام تقنيتنا، في الفئران على الأقل"، مضيفاً: "إذا أردت التخلص من الألم بالكامل، تحتاج إلى الوصول إلى 100% من الخلايا العصبية التي تحاول استهدافها".
لكن من الممكن التحكم في مقدار خفض الألم اعتماداً على الجرعة التي يُحقن بها المريض، بنفس طريقة عمل أدوية المسكنات القياسية، وعلى عكس الأدوية التقليدية لن يزول تأثير تلك الطريقة سريعاً.
يقول الدكتور أليمان إن هذه الطريقة قد يمتد تأثيرها "ستة أشهر إلى عام" في البشر، مع اعترافه بأنهم لا يعرفون على وجه اليقين حتى الآن، وسوف يتلاشى تأثير العلاج مع التجدّد والإحلال الطبيعي للخلايا العصبية بخلايا أخرى لم تخضع للتثبيط الجيني.
خوف من التقنية الجديدة
بدوره، أشاد عالم الوراثة فيودور أورنوف، الأستاذ بجامعة كاليفورنيا، بعمل شركة Navega، وقال إنه "في الولايات المتحدة يموت 70 ألفاً سنوياً بسبب جرعة زائدة من المخدرات المسكنة. لذا أي طريقة لمواجهة آلام السرطان من دون أدوية مخدرة ستكون ذات فائدة عظيمة".
لكن أورنوف حذر من الجانب السلبي لتلك التقنية، مشيراً إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثار بالفعل فكرة شريرة تنطوي على استخدام تقنية "كريسبر"، من أجل الهندسة الوراثية لمجموعة من البشر محصنين ضد الألم.
كان بوتين قد قال في المهرجان العالمي للشباب في سوتشي عام 2017: "الهندسة الوراثية سوف تفتح فرصاً غير مسبوقة في مجال الطب، ولكن يمكن استخدامها أيضاً من أجل تطوير أفراد يمكنهم القتال دون خوف أو شعور بالألم، وهو احتمال قد يكون أكثر رعباً من القنبلة النووية".