ما الرسالة التي أراد نادر أن يتركها لنا حين قفز من أعلى برج القاهرة؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/12/05 الساعة 15:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/12/05 الساعة 15:55 بتوقيت غرينتش
الشاب المصري الذي ألقى بنفسه من أعلى برج القاهرة - مواقع التواصل الاجتماعي

تردَّد، نظر من حوله، قرَّر وتراجع، ومن ثَمَّ قرر، فقفز مباشرة من فوق البرج سريعاً، وفي غفوة من الحضور الذين يلتقطون الصور، ويحاولون مشاهدة القاهرة من أعلى كي يتغافلوا عن سوأة الحواري والشوارع من أسفل، التي تضج بالهزيمة، والاكتئاب، وغلاء الأسعار، وكثير ممن يفكرون في الانتحار كما نادر محمد، الشاب العشريني، طالب كلية الهندسة بجامعة حلوان.

منظمة الصحة العالمية أوردت في تقريرها السنوي الخاص بحالات الانتحار، أن كل 40 ثانية يقدم شخص على الانتحار، في واحدة من هذه الثواني الأربعين، في يوم السبت، الثلاثين من نوفمبر/تشرين الثاني لعام 2019، قرَّر نادر محمد أن يتخلص من حياته من فوق برج القاهرة، ذي الارتفاع البالغ 187 متراً.

قفزة نادر جعلتنا جميعاً أمام توقعات وخيالات مفتوحة، ونهاية محتومة، وهي موته ارتطاماً من علو، بينما توقعاتنا ألزمتنا التَّكور على أنفسنا كي نتخيل اللحظات الأخيرة في حياته.

ما الرسالة التي وَدَّ أن يتركها لنا بهذا المشهد وهو يقفز من أعلى؟!

هل تمنّى أن تنظر له القاهرة الشرقية بكل قاطنيها وأن يمنعوا سقوطه المدوي؟! أن يخترقوا دواخله ويُطببوا اكتئابه ويجبروه على العوده من نقطه الانطلاق للنهاية؟!

هل أراد نادر أن يجعل من نهايته اعتراضاً جمعياً على روتين دراسة الهندسة وتعقيداتها ومطالبات الأستاذة المختصين، وإنهاك المذاكرة المستمرة، والخوف من المستقبل القريب بعد التخرج، وكل هذه اللانهائيات من المخاوف والارتباكات التي تصيب الكثير من طلبة الهندسة؟

نادر كان شغوفاً على ما يبدو بالعلو، فمن خلال متابعتي لصفحته الشخصية على موقع فيسبوك كان قد نشر في الرابع من سبتمبر/أيلول 2019، فيلماً وثائقياً، اسمه "مصر من الأعلى"، أذيع عبر ناشيونال جيوغرافيك.

هل أراد نادر أن يلقي نظرة أخيرة على مصر من الأعلى، كي يصبّ جام غضبه، وشعوره بالوحدة والاكتئاب والقمع على الجميع!

ربما اختار نادر النهاية من أعلى كي لا ننسى تلك القفزة، ولا ننسى تلك الخطوات المتردده نحو السور الحديدي المدبب.

من بعض المنشورات الخاصة على صفحة نادر كان نادر على خلاف بقدر ما مع الحالة السياسية العامة بالبلاد، أو اختصاراً كان نادر مع الثورة.

قفز نادر تجاه القاهرة الشرقية تماماً بزاوية مائلة إلى الشِّمال قليلاً، هناك ميدان التحرير دائرياً صامتاً، الميدان شهد سقوط نادر كاملاً دون مونتاج، دون قص أو لصق، دون نقص في التفاصيل، من على بعد، لكنه شهد السقوط تاماً حتى الارتطام الأخير.

هل كانت تلك رسالة أخرى من قفزة نادر أراد أن يتركها لنا؟!

هل كان يود أن يقول لنا أنا مع منحني الثورة، سأخذ به من أعلى الكوبري إلى الأسفل، تماماً كما هو حال المنحنى الثوري بالبلاد الآن، لا ثَمة ثورة في الأفق، فقط ثَورة مهزومة، ذات منحنى منبطح إلى أقصى حَد، هزيمة أخذها نادر معه في القفزة الأخيرة.

هذا غيض من فيض وراء قفزة نادر، ولكلٍّ منا أن يفتح الباب بداخله كي يكتب ويسأل نفسه عما أراد أن يتركه لنا نادر من وراء قفزته النهائية من فوق برج القاهرة؟!

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
أحمد الطوخي
صحفي مصري
صحفي مصري
تحميل المزيد