تروي لنا الأسطورة الصينية أن شيخاً أراد أن يعرف الفرق بين السعداء
والتعساء، فقصد أحد الحكماء ليسأله، وقال له: يا حكيم، هلّا أخبرتني ما الفرق بين
السعداء والتعساء؟
نظر إليه الحكيم بحنوّ ثم قاده إلى قصر كبير، فما إن نزلا إلى البهو حتى شاهدا
أناساً كثراً تمتد أمامهم الموائد عامرة بأطيب الطعام، وكانت أجسادهم نحيلة، وتبدو
على سيماهم علامات الجوع. رغم أن كلاً منهم يمسك بملعقة ضخمة طولها أربعة أمتار،
لكنهم لا يستطيعون أن يأكلوا. فقال الشيخ للحكيم: لقد عرفت هؤلاء، إنهم التعساء.
قاده الحكيم بعدها إلى قصر آخر يشبه القصر الأول تماماً، وكانت موائده عامرة بأطيب الطعام، وكان الجالسون مبتهجين، تبدو عليهم علامات الصحة والقوة والنشاط، وكانت في يد كل منهم ملعقة ضخمة طولها أربعة أمتار أيضاً، فما إن رآهم الشيخ حتى صرخ قائلاً: هؤلاء هم السعداء، ولكني لم أفهم حتى الآن الفرق بين هؤلاء وأولئك؟
فهمس الحكيم في أذنيه قائلاً: السعداء يستخدمون نفس ملاعق التعساء، لكن لا ليأكلوا بها، بل ليُطعم بعضهم بعضاً. فالـ "أنا" هي سبب التعاسة.
ربما السعادة هي الفرح أو الرضا، الرضا العام بشكلٍ فضفاض. السعادة إنجاز لأن أي طريق نسلكه في هذه الحياة من أجل تحقيق هدف ما يُشعر الإنسان بالسعادة. ليس تحقيق الهدف بحد ذاته هو الذي يُشعرنا بالسعادة، وإنما ما أصبحنا عليه هو الذي يحدد سعادتنا أو حزننا، لأن الإنجاز يمثل حياة رائعة، ولكن يجب أن يكون وفق مبادئنا وقناعاتنا ووفقاً لرغباتنا.
في هذه الحياة إن لم نواصل النمو والتقدم والتغيير لن نشعر بالسعادة مطلقاً، لأن التقدم والنمو يساوي السعادة.
ربما السعادة هي أن نجد الجمال في كل ما يحدث حولنا، وكل ما يعترض طريقنا، بحيث نتحمّل مسؤولية أفعالنا، ونتحكم في مصائرنا، ونمتلك زمام قراراتنا التي تُحدد بوصلة السعادة لدى كلٍّ منا، بعيدًا عن المقاييس المعروفة والمعممة للسعادة.
هذا ما أكدته شيرلي ماكلين، الحاصلة على جائزة الأوسكار عندما قالت:
"السعادة شعور مرتبط بتقبل مواقف الحياة كما هي، وتقبل الشكوك المرتبطة بها كجزء طبيعي فيها".
ومن بين أهم المؤثرات التي لها دور كبير في الشعور بالسعادة التقرب
من الله، وذكره في الرخاء والشدة. كما أن وجود عائلة محيطة تعمل على دعم المحيطين
بها والتخفيف من ضغوطهم اليومية تزيد من شعور الراحة النفسية. كما أن ممارسة
الأعمال الخيرية، واللعب مع الأطفال يضيفان مشاعر البراءة والإحسان على النفس
البشرية لترضى عن نفسها أكثر.
ولا نغفل عن القدرة على علاج وإدارة المواقف التي نواجهها من خلال محاولة السيطرة
على المشاعر السلبية، وتفادي الثقل الناتج عنها. وهنا نشير إلى نقطة مهمة، أن
المواقف السلبية لا تعني بالضرورة عدم وجود مشاعر سلبية دائماً، وإنما الفارق
الوحيد هو القدرة على توجيه هذه المشاعر عبر قنوات نحن مَن نملك إدارتها، ونحن من
نتحكم بها.
سؤال آخر يُطرح كلما ذُكرت السعادة وهو:
ولكن هل السعادة حصر على الأغنياء؟
بالتأكيد لا.
هذا ما أكده تقرير السعادة العالمي، بواسطة شبكة حلول التنمية
المستدامة التابع للأمم المتحدة، حيث يصنف التقرير البلدان بناء على ستة متغيرات
رئيسية تدعم الرفاهية وهي: الدخل، والحرية، والثقة، ومتوسط العمر المتوقع في
الحياة الصحية، والدعم الاجتماعي، والكرم.
وأشار التقرير إلى كل من فنلندا ،الدنمارك، أيسلندا، هولندا، السويد، نيوزلندا،
كندا، أستراليا، النرويج، وهي الدول الأكثر سعادة في العالم على الترتيب.
وصرَّح جون هيليويل، المحرر المشارك بالتقرير "صحيح أن جميع الفنلنديين في العام الماضي كانوا أكثر سعادة من بقية سكان البلاد، ولكن الوافدين كانوا أيضاً أسعد مهاجرين في العالم". إن هذه النتائج لا تتعلق بالحمض النووي الفنلندي، بل بطريقة الحياة التي يعيش بها الناس في هذه البلدان. وفي هذا التقرير لم نر أمريكا أو إنجلترا أو حتى فرنسا في الدول الأكثر سعادة في العالم، رغم امتلاكها قوة اقتصادية كبيرة، ومستويات دخل مرتفعة، وتملك كل مقومات التقدم الحضاري والاقتصادي.
ختاماً في هذا المقال المتواضع لا ندَّعي أنَّ السعادة المطلقة يمكن أن تكون حالاً دائماً أبداً، فجميعنا يعاني، ولكن يجب أن نزوّد أنفسَنا بالأمل، ونسلح وعيَنا بالقوة لمواجهة الحزن، أو لتقليل الشعور بالإحباط، لأن الأمر استثنائي بدرجة كبيرة، ونسبي إلى حدٍّ كبير. وإذا كنتَ تصنِّفُ نفسَك بأنك غير سعيد، فتأكَّد أنك وبكل سهولة يمكن لك أن تكون أقل بؤساً أو حزناً.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.