وقف الطلاب البالغ عددهم 26382 طالباً ثابتين، بينما يحمل كل منهم فرشاة أسنان في يده. وحين وصل المدرب بالعدِّ التنازلي إلى الصفر، بدأ الجميع في تنظيف أسنانهم بالفرشاة تنظيفاً دؤوباً يساراً ويميناً وإلى الأعلى وإلى الأسفل، وصارت الثواني دقيقتين طويلتين قبل أن يُطلَب منهم التوقف.
حسب صحيفة Washington Post الأمريكية حُطِّم رقم قياسي عالمي في تلك الفعالية التي أُجريت بأوائل نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وكان لأكبر عدد أشخاص يغسلون أسنانهم في آن ومكان واحد، وقد استغرق الأمر ساعتين لحصر عدد الطلاب الذين حطموا الرقم القياسي السابق.
وقال راجيش بوميج، أحد المشاركين البالغ من العمر 17 عاماً، بينما يلتقط صورةً شخصيةً له بصحبة أصدقائه، مُشيراً بعلامة النصر: "العالم كله سيعرف عنا الآن".
تحطيم الأرقام القياسية العالمية هاجس في الهند
وفي الهند، التي هي ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، أصبح تحطيم الأرقام القياسية العالمية بمثابة هاجس، ففي معظم الأيام تنشر الصحف قصصاً عن أشخاص يحاولون تحطيم رقم قياسي أو ينجحون في ذلك بالفعل، تارّة بأكبر شعار للكراسي المتحرّكة "بأبعاد تبلغ 34 متراً في 26 متراً، وتعاون في تشكيله 1000 شخص جالسين على الكراسي المتحرّكة"، وتارّة أخرى يُحطمون الرقم القياسي لأكبر مجموعة من المواد الغذائية المعبّأة، إذ جمعوا 10005 عبوات من مقرمشات برينغلز لتشكّل عبارة "Get it back India"، وهناك أيضاً أكبر عدد من الذين مارسوا تمرين بلانك للبطن في آن واحد، لمدّة 60 ثانية، وبلغ عددهم حينها 2353 شخصاً.
حتى رئيس الوزراء ناريندرا مودي نفسه تزعَّم البلاد في تحطيم رقمين قياسيين عالميين لأكبر عدد من الأشخاص يمارسون اليوغا معاً في فعالية ضمَّت 35985 شخصاً من 84 جنسية.
يسجِّل الهنود في جميع أنحاء البلاد أرقاماً قياسية ويحطِّمونها كلَّ يوم، بما يُدلل على التطلعات المتزايدة للأمة اليافعة. وتظلُّ الكأس المقدسة للباحثين عن الرقم القياسي متجسّدة في موسوعة غينيس للأرقام القياسية.
ولِتُدرج أسماؤهم في موسوعة غينيس، سحب الهنود المركبات بلِحاهم، وقطعوا البطِّيخ على بطونهم بينما يرقدون على سرير من المسامير.
يقول نيخيل شوكلا، ممثل موسوعة غينيس في الهند: "نحن أمّة تنافسية للغاية، سواء كان بداخل الصفوف المدرسية أو حتّى أثناء الصعود على متن أحد القطارات المحلّية، تجب علينا المنافسة".
أكبر عدد من طلبات المنافسة من العالم النامي
في السنوات السبع التي انقضت منذ أن أنشأت غينيس مكتباً لها في الهند، ازدادت طلبات التقدّم للمنافسات. ويرسل الهنود أكبر عدد من طلبات المنافسة من العالم النامي، إذ لا يفوق الهند في عدد طلبات التقدّم على مستوى العالم سوى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وبحسب الشركة، قدّم الهنود، خلال العام الماضي، أكثر من 5500 طلب، بما يمثّل زيادة قدرها 122% عن العدد قبل خمس سنوات.
وقال نيخيل شوكلا إن انتشار الإنترنت في الهند قد ساعد على خلق هذا المشهد.
في العقدين الماضيين، زاد عدد الهنود الذين يتسنّى لهم الوصول إلى الإنترنت بنسبة 2700%. وتعد الهند أيضاً ثاني أكبر سوق للهواتف الذكية، وتزعم شركات الاتصالات المحلية أنها تقدم أرخص أنظمة إنترنت للهواتف المحمولة في العالم.
ويتذكّر شوكلا حالة رجل من شرق الهند اضطر للسفر حوالي 19 ميلاً للوصول إلى مقهى للإنترنت، كي يُقدّم طلب الالتحاق بالمنافسة في عام 2012.
وقال شكلا إن الهواتف الذكية قد "قلبت موازين اللعبة" في وقتنا هذا، إذ صار لدينا أشخاص يتقدمون بطلباتهم من القرى والبلدات الصغيرة، وكان ذلك عاملاً أساسياً لنجاحنا.
ترعرع أربين لال، البالغ من العمر 20 عاماً، في مدينة عادية بوسط الهند، واعتاد مشاهدة محطّة Discovery التلفزيونية، والتي كثيراً ما تستعرض أرقاماً قياسية عالمية جريئة، وقد أمضى ساعات يتصفح الإنترنت كي يطالع الأرقام القياسية بحثاً عن شيء يمكن القيام به.
يقول أربين: "أردت أن أكون الأفضل في العالم بقدرةٍ غير عادية".
وبدا بالنسبة له تحقيق رقم قياسي في تناول البيض غير المطهي قابلاً للتنفيذ، إلا أن تلك الممارسة كانت صعبة، إذ إنه لا يُحب مذاق البيض النيء، ورغم ذلك، كان عاقدَ العزم على الإنجاز.
وبالفعل حطّم أربين رقماً قياسياً في هذه الفئة، إذ استطاع تناول تسع بيضات نيئة في 30 ثانية، ونال أرقاماً قياسية كذلك في تناول العنب بقدميه، ورصَّ أكبر قدر من العملات المعدنية في هيئة برج.
يقول أربين عن الإغراء الكامن في أرقام غينيس القياسية: "إنه شعور بالإنجاز، فما كنت لتتّصل بي إذا لم أكن أحد محطّمي الأرقام القياسية".
كيف تتقدم لغينيس؟
وبالنظر إلى رسوم التقدّم التي تبلغ 5 دولارات، تعتبر أرقام غينيس القياسية خياراً في المُتناول. وبالنسبة للأرقام القياسية الفردية يتعين على الأشخاص إرسال مقطع فيديو خاص بهم يقومون بالتحدي بحضور ثلاثة شهود، وربما يستغرق الأمر أكثر من ثلاثة أشهر لينال المتقدّمون ردّاً بالتأكيد من موسوعة جينيس. وتكلّف استمارات التقديم المستعجلة 800 دولار، بينما تتضمّن فعاليات المشاركات الجماعية مُحكِّماً، وهو ما قد يُكلف آلاف الدولارات.
وقال فيناي لال، أستاذ التاريخ بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، الذي عكف على دراسة الهوس الهندي بالأرقام القياسية: "لفترة طويلة، كانت الهند أكبر البلدان في العالم وأقلّها أهمية. وكان الدافع وراء هذا الهاجس هو أن علينا إثبات كفاءتنا في شيء ما، ومن ثمّ صار دخول موسوعة غينيس بمثابة مقياس لعظمة البلاد".
بالنسبة إلى راكشيث شيتي، وهو رياضي ملهم من إحدى القرى لم تتمكّن عائلته من تكبّد نفقات حصوله على تدريب مهني، كان الدافع بسيطاً.
إذ يقول شيتي البالغ من العمر 35 عاماً: "بالنظر إلى عدم قدرتي على خوض المنافسة على مستوى المقاطعة أو الولاية، فكرت في القيام بشيء مختلف لأخلق لنفسي اسماً في هذه الرياضة".
وقد ألهمه ماراثون لندن بفكرة؛ إذ قرر أن يركض مُرتدياً أزياء تنكّرية، وقد سجّل حتى وقتنا هذا 14 رقماً قياسياً في موسوعة غينيس، بما في ذلك لقب أسرع شخص يجري نصف ماراثون مرتدياً وسادة هوائية تُحدث صخباً، وزيّاً على شكل حذاءٍ، وآخر على شكل شريط قياس.
يقول شيتي: "لقد كتب الجميع عني في الصحف، لكنني لم أتلق أي مساعدة من أحدٍ"، وقال إنه يشعر بخيبة أمل، لأنه حتّى ذورة نجاحاته في تسجيل الأرقام القياسية لم تسفر عن عرض مالي أو وظيفة.
وقال شوكلا، ممثل غينيس في الهند، إنك حين تحمل رقماً قياسياً يكون الأمر أكثر تعقيداً من مجرّد 15 دقيقة من الشهرة على الإنترنت.
وقال "الأمر يتعلق بالتميّز أكثر من الشهرة، فكيف تثابر في القيام بما فعلت مهما كانت ماهيّته".
وقد شاركت علامة تجارية لإحدى منتجات معجون الأسنان في استضافة فعالية غسيل الأسنان، وذلك بالتعاون مع رابطة طبّ الأسنان ومعهد كالينغا للعلوم الاجتماعية. وبالنسبة للمنظمين فإن تحقيق الرقم القياسي يعني الشهرة والتسويق وزيادة الوعي بما يرمون إليه.
أما بالنسبة للمشاركين، مثل راجيش، فكان الحدث يعني أكثر من ذلك بكثير.
إذ قال: "إننا لا نتمكّن حتى من شراء معجون الأسنان في قريتنا"، وأضاف الصبي الذي يتعلَّم في مدرسة مجانية لأطفال المجتمعات الأصلية بإحدى أفقر مناطق البلاد: "أن تكون جزءاً من رقم قياسي عالمي هو أمر مُبهِج".