من بين القتلة المتسلسلين، تحتل قضية ريتشارد شايس القاتل المتسلسل الملقب بمصاص دماء ساكرامنتو، مكانة خاصة؛ نظراً إلى غرابة تفاصيلها، ومدى الشر الإنساني فيها، وحتى لحظات الجنون التي لم تتكرر في حالات القتل المتسلسل كثيراً، والتي سجَّلها تاريخ الجريمة على أنها حالة فريدة، مرعبة، ومثيرة للرعب والتقزز.
ريتشارد شايس هو قاتل متسلسل أمريكي، وآكل لحوم بشر، ومريض نيكروفيليا "ممارسة الجنس مع الجثث"، ومصاص دماء قتل 6 ضحايا، من بينهم طفل في السادسة؛ وبرغم بشاعة الأوصاف السابقة، فإن قصة مصاص دماء ساكرامنتو بدأت مبكراً، وبشكل مأساوي تماماً مثلما انتهت.
ريتشارد شايس الطفل.. علامات مبكرة
وُلد ريتشارد ترينتون شايس Richard Trenton CHASE بمدينة ساكرامنتو في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، في 23 مايو/أيار عام 1950، لأبوين متشددين كعادة طفولة المضطربين نفسياً؛ وفي أغلب الأحيان كان يتعرض للضرب والأذى البدني.
في طفولته المبكرة أظهر ريتشارد شايس أشهر 3 علامات تظهر عادة في التصنيف التربوي لتنشئة قاتل متسلسل: التبول اللاإرادي، وقتل أو تعذيب الحيوانات، وإشعال الحرائق.
وطبقاً لسيرة شايس، فقد بدأ في سن المراهقة إدمان المواد المخدرة وإظهار علامات الهوس والمرض العقلي، وعاش فترة شباب مبكر ما بين الأفكار الغريبة والمعاناة من الوسواس القهري.
وفي سن 18 عاماً ذهب ريتشارد شايس طواعية إلى العلاج النفسي؛ وشُخِّصت حالته على أنها اعتلال ذهني ناتج عن كبت غضب شديد في فترات حياته الأولى، ولكن بعد ذلك لم يلتزم شايس متابعة حالته الذهنية، وأصرت والدته على أن مشاكله النفسية غير جادة، وأن عليه أن يعيش حياة مستقلة كفرد ناضج.
الهلاوس تشتد.. والعزلة تحاصر شايس
أشرف والدا ريتشارد شايس على انتقاله للعيش مستقلاً برفقة شريك سكن في إحدى مقاطعات كاليفورنيا، ولكن سرعان ما بدأت تصرفاته الغريبة في إثارة مخاوف مَن حوله.
في هذه الأثناء كان شايس سراً يطارد ويقتل الحيوانات الصغيرة مثل الأرانب، وعانى أفكاراً ضلالية مثل أنه يجب عليه أن يستهلك دماء الأرانب لكي لا ينكمش قلبه ويموت! وحقن بالفعل نفسه بدماء أحد الأرانب وعانى تسمماً شديداً في الدم.
وبحسب التحقيقات المكثفة في سيرة شايس، فإنه كان يعاني من حالات هلاوس غريبة بعد تعاطيه المخدرات؛ ففي إحدى المرات ذهب إلى غرفة الطوارئ بأحد المستشفيات صارخاً بأنه كان هنا من قبلُ ويبحث عمن سرق أحد أجزاء قلبه، وأنهم تركوا أحشاءه مقلوبة بداخله، وأن قلبه لا يعمل منذ ساعات، وأن عظام جمجمته تخرج ببطء من مؤخرة رأسه!
بخلاف تصرفاته الغريبة مع زميل سكنه، إذ سدَّ خزانة الملابس بالألواح الخشبية، لأنه على حد قوله: الناس لا يكفّون عن اقتحام مساحته الشخصية!
بعد عديد من المواقف المريبة، أجبره زميل سكنه على الرحيل، وعندما ذهب إلى أحد المصحات طواعية مرة ثانية للعلاج، احتجزوه 3 أيام، ولكن أُطلِق سراحه بعد أن أظهرت نتائج وضعه تحت الملاحظة، أنه لائق ذهنياً! وعاد للعيش في شقة أخرى بمفرده تكفّل بمصروفاتها والده، وبعدها عاش فترة من الضلالات وكان مقتنعاً بأنه مصاب بمرض يجعل قلبه ينكمش حتى يختفي؛ وكان السبيل الوحيد في ذهنه هو الانخراط في قتل وسلخ الحيوانات وشرب الدماء.
ولكن بعد عديد من الحوادث التي قُبض عليه فيها بصحبة أحشاء الحيوانات، ودماء جافة على شفتيه؛ أُودع ريتشارد شايس أحد المصحات للمجرمين المرضى عقلياً بنهايات عام 1975، بعد تشخيص حالته بالضلالات الناتجة عن مرض الفصام العقلي schizophrenia. ولكن للدهشة من نظم إدارة المؤسسات الطبية والعقابية بأمريكا في هذا الوقت؛ أُطلق سراحه ثانية عام 1976، بعدما أقر طبيبه المعالج بأنه ليس خطراً على المجتمع!
الجرائم الست.. ونهاية ريتشارد شايس
بعدما توقَّف طبيبه عن وصف أدوية علاج الفصام؛ كان يعتمد على أمه، التي كانت تتكفل بمصروفات حياته كاملة، ولكن بعدما بدأت الانسحاب من حياته تدريجياً وتركه بلا علاج، بدأ شايس في التوجه إلى هوسٍ أشد خطورة: البشر بدلاً من الحيوانات!
بدأ ريتشارد شايس في الاهتمام بالأسلحة، وتحديداً النارية كالبنادق والمسدسات؛ وبدأ في الانخراط بشكل أكبر في التمثيل بحيوانات أكبر حجماً مثل الأبقار.
وفي نهايات عام 1977، بدأ هوس شايس يتذبذب ما بين التوجه إلى قتل البشر أو لا، كأن جزءاً ما بداخله ما زال يدرك مدى الشر الذي وصل إليه. ولكن بنهاية عام 1977، قتل ريتشارد شايس أول ضحاياه وهو أمبروز جريفين (51 عاماً)، عندما أطلق عليه شايس النار في أثناء تفريغ محتويات سيارته.
بعد أن اشتعلت جذوة الجنون لدى ريتشارد شايس، اقتحم بعدها بعدة أسابيع أحد المنازل وخرَّبه عندما عرف أنه خالٍ، وقام بقضاء حاجته في وسط المنزل، وكاد يُمسَك بفعلته لولا أنه هرب في اللحظات الأخيرة.
وفي 23 يناير/كانون الثاني، كانت جريمته الثانية التي أخذت منحىً أكثر بشاعة، والتي راحت ضحيتها تريزا ويليامز (22 عاماً)، وكانت حاملاً في شهرها الثالث، عندما كانت تُخرج حاوية القمامة قرب منزلها، فهاجمها شايس وأطلق عليها 3 رصاصات مميتة؛ قام بعدها باغتصاب جثتها جنسياً في أثناء طعنها بسكين تقطيع كبيرة، ثم قام بتقطيع أوصالها، وشرب دمها، وترك بقاياها وفرَّ.
وخلال أيام لم يقاوم ريتشارد شايس رغبته الحماسية في القتل فاقتحم أحد المنازل، والذي تصادف أن بابه كان غير موصد -لاحقاً اعترف شايس بأن المنازل غير الموصدة بالنسبة له كانت بمثابة تحدٍّ ودعوة للعبث- وقام بأبشع جرائمه على الإطلاق؛ والتي كانت -ولا تزال- واحدة من أكثر جرائم أمريكا بشاعة حتى اليوم.
في 27 يناير/كانون الثاني عام 1978، عُثر بالمنزل على جثث كلٍّ من إيفلين ميروث (38 عاماً) وصديقها دان ميرديث (50 عاماً)، وابنها جيسون (6 سنوات)، ولم يُعثر على ديفيد (22 شهراً) ابن أخت إيفيلين الرضيع، الذي كانت تجالسه إيفيلين وقت ارتكاب الجريمة.
جثة إيفيلين كانت في حالة شديدة البشاعة بعد تعرضها للاغتصاب الجنسي الشاذ، وقطع الأوصال، والتمثيل بالأحشاء، كما وُجد الطفل مصاباً برصاصتين في الرأس، ودان ميردث برصاصة في الرأس.
بعد أن فنّدت الشرطة مسرح الجريمة لاحظت من آثار الدماء على مهد الرضيع أنه قد يكون حياً وأن القاتل ربما اختطفه للمساومة بحياته، وبالطبع بعد أن ترك شايس بصماته الدموية في مكان الجريمة، تم التعرُّف على هويته، وقامت الشرطة بالبحث المكثف ومحاصرة المدينة؛ أملاً في إنقاذ الرضيع، ولكن المأساة اكتملت بقتل ريتشارد شايس للرضيع والتخلص من جثته خلف إحدى الكنائس.
وبعد أقل من أسبوع قُبض على ريتشارد شايس، بعدما انتشرت أوصافه في أرجاء ساكرامنتو، وحوكم وحُكم عليه بالإعدام، ولم تلتفت المحكمة إلى أي مرض نفسي عاناه شايس. وقبل تنفيذ حكم الإعدام عام 1979، أقنعه مجموعة من المساجين بالانتحار بدلاً من قتله (جرى العُرف على قتل أو اغتصاب المغتصبين والمتحرشين بالأطفال داخل السجون الأمريكية على يد السجناء). وفي ديسمبر/كانون الأول عام 1980، عُثر على جثة ريتشارد شايس في زنزانته، إثر انتحاره بجرعة كبيرة من الأدوية.