هل تتخيل أن شخصاً يقبل أن صنع ثقب في جمجمته على سبيل العلاج من مرض بدني أو نفسي؟ سواء كنت تتخيل هذا أو لا تتخيله، كان هذا يحدث بالفعل في الماضي، في عملية تُسمى Trepanning/ ثَقب الجمجمة، هنا يُمكنك التعرّف على ما يعنيه هذا المُصطلح ولماذا كان يتم؟
ما هو ثقب الجمجمة/ Trepanning؟
Trepanning هو إجراء جراحي ينطوي على إحداث ثقب في جمجمة شخص حي عن طريق الحفر أو إزالة طبقات من العظام من خلال استخدام أداة حادة، لمعالجة الأمراض العصبية والنفسية
يعتبر هذا المصطلح قديماً، ووفقاً لما قاله الدكتور رافائيل ديفيس، جراح الأعصاب والمدير المشارك لمعهد علوم الأعصاب بجامعة ستوني بروك، لـ "لايف ساينس"، إن هذا الإجراء تم القيام به منذ حوالي 5000 عام، مما يجعله أحد أقدم الإجراءات الطبية المعروفة للجنس البشري.
ووفقاً لمقال نشر في مجلة Surgical Neurology International، تم اكتشاف أكثر من 1500 جمجمة مثقوبة، وهو ما يُعادل حوالي 5 إلى 10% من جميع الجماجم التي عثر عليها في فترة العصر الحجري الحديث، على مستوى العالم، من أوروبا والدول الإسكندنافية إلى أمريكا الشمالية؛ ومن روسيا والصين إلى أمريكا الجنوبية، خاصةً في بيرو.
ووفقاً لجامعة كاليفورنيا، تمت ممارسة هذا الإجراء العلاجي إلى حد كبير حتى أوائل القرن السادس عشر، وقد ذكر مقال في مجلة World Neurosurgery أن التريبان تُمارس على نطاق واسع في جميع أنحاء الصين منذ آلاف السنين.
لماذا كانوا يقومون بثقب الجمجمة؟
في العصور القديمة، كان يُعتقد أن ثقب الجمجمة هو علاج لمختلف الأمراض، مثل إصابات الرأس، والصداع النصفي وحتى الصرع والعمى، وكانت هذه المُمارسة قد تستخدم أيضاً لعلاج الألم في سائر أجزاء الجسم.
بعض العلماء يعتقدون أيضاً أن هذه الممارسة كانت تتم على سبيل الطقوس الدينية والروحية في بعض الحالات، فالثقب الذي يتم إحداثه كان يُنظر إليه على أنه بإمكانه أن يسمح للأرواح الطيبة بالمرور إلى داخل الجسم وتخفيف الآلام النفسية والجسدية، ويسمح أيضاً بدفع الأرواح الشريرة للخارج.
فقد كان يُستخدم هذا الإجراء الجراحي من قبل حضارات المايا والأزتيك والأنكا -أمريكا الجنوبية حالياً- كجزء من طقوسهم القديمة، ففي بعض الثقافات القديمة، كان للرؤوس أهمية كبيرة، وأصبحت هذه الجماعات تُعرف باسم "عابدو الرأس"، وقد كان ثقب الجمجمة شائعاً لديهم بشكل خاص، وكان العظم الذي يتم إخراجه يُعتبر بمثابة تميمة، تُستخدم بعد ذلك لتطهير الأرواح السيئة، في حالات المصابين بأمراض عقلية، وكذلك المُصابين بالصرع والعمى.
عدم وجود التخدير قديماً، جعل هذا الإجراء مؤلماً للغاية، هذا الألم الذي يمكن أن يُشكل تهديداً للحياة، ومع ذلك، كان معدل البقاء على قيد الحياة بعد هذه العمليات مُرتفعاً بشكل مدهش.
ففي كثير من الأحيان، كان الشخص يظل على قيد الحياة ويُشفى بعد إجراء الجراحة، فقد وجد الباحثون أن الثقوب والأضرار التي لحقت بالجمجمة قد شُفيت، مما يعني أن الشخص ظل على قيد الحياة، وفقاً لبحث نُشر في المجلة الأمريكية للأنثروبولوجيا الفيزيائية.
كيف كانت تتم الجراحة؟
كانت التقنيات المستخدمة في هذا الإجراء الجراحي تختلف من ثقافة إلى أخرى، ففي الأغلب كانت العملية الجراحية تتم بواسطة أداة حادة يستخدمها النحاتون على الخشب والمعادن، أما في البيرو، فقد كان يتم استخدام سكين احتفالي يعرف باسم tumi بهدف قطع العظام، أما في أوروبا فقد كانت العملية تتم باستخدام الصوان والحجر الزجاجي، وقد كانت هذه الممارسة تتم على الكبار والصغار، سواء كانوا من الذكور أو من الاناث.
هل كل الحالات كانت تُشفى وتظل على قيد الحياة؟
على الرغم من أن كثيراً من الحفريات التي تم العثور عليها تؤكد أن بعض من أجروا هذه الجراحة تم شفاؤهم وظلوا على قيد الحياة بعدها، إلا أنه وجدت أيضاً أمثلة تدل على الإجراء غير الناجح للجراحة، فعثر على جمجمة لامرأة من القرون الوسطى توفيت أثناء الحمل.
كان لدى جمجمة المرأة علامات تدل على حدوث ثقب في الجمجمة، هذا الثقب كان دائرياً يبلغ قطره 4.6 ملليمتر (0.2 بوصة)، وكتب الباحثون فرضيتهم حول الأمر في دراسة نشرت عام 2018، وكانت أن المرأة الحامل تكبدت تسمم الحمل، وهو حالة تحدث أثناء الحمل وتتضمن ارتفاع ضغط الدم، وأن جراحة ثقب الجمجمة أُجريت لها لتخفيف الضغط داخل الجمجمة، لكن على الرغم من التدخل، إلا إنها لم تنج، وتوفيت والجنين مازال في رحمها.
هل لا يزال هذا الإجراء يُمارس الآن؟
لا تزال مُمارسة حفر الثقوب في جمجمة الشخص قائمة حتى اليوم، على الرغم من أنها تتم لأسباب ودوافع مُختلفة، فاليوم يقوم الجراحون بإزالة قطعة من الجمجمة للوصول إلى المخ من أجل علاج حالات مثل أورام المخ.
كذلك يعتقد البعض، وإن كانوا قلة، أن إحداث ثقب في الدماغ قد يكون الطريق الذي يُمكن الشخص من الوصول إلى الاستنارة واكتساب مهارات فريدة، أو حتى يساهم في علاج مُشكلات الصحة العقلية لدى الشخص بطريقة أو بأخرى، على سبيل المثال، هناك حالة بيتر هالفورسون، وهو رجل أقدّم في سبعينيات القرن العشرين، على حفر حفرة في رأسه، بلغ عرضها ثلاثة أثمان من البوصة، في محاولة لعلاج اكتئابه، مُعتقداً أن هذا الإجراء سوف يُحقق له السعادة الدائمة.