كشف تحقيق لصحيفة The Guardian البريطانية، أنَّ قمصان Spice Girls، التي تُباع لجمع المال لحملة "العدل بين الجنسين" لمنظمة Comic Relief، صُنعت بمصنع في بنغلاديش يدفع للنساء العاملات ما يساوي 35 بنساً بالساعة في ورديات، يقلن إنَّهن يتعرضن فيها للإساءة اللفظية والتحرش.
وقد صُنعت القمصان الخيرية، التي تحمل رسالة #IWannaBeASpiceGirl، في معظم الأحيان بأيدي عاملات ماكينات نساء، قلن إنهن أجبرن على العمل ما يصل إلى 16 ساعةً يومياً ونُعتن بـ"بنات الزواني" على لسان مديريهن، لأنّهن لم يحققن الإنتاج المستهدف، حسب تقرير نشرته صحيفة The Guardian البريطانية.
وسيتم التبرع بالأموال المجموعة من مبيعات القمصان، التي يبلغ ثمن الواحد منها 19.40 جنيه إسترليني، لمصلحة صندوق مؤسسة Comic Relief، للمساعدة في "الترويج لمساواة النساء". ومن المقرر أن تتلقى المنظمة الخيرية 11.60 جنيه إسترليني عن كل قميص؛ أجازته فرقة Spice Girls ونفذته، وإن كانت قد قالت إنّها لم تتلقَّ بعدُ أي أموال عنه.
وذكرت فرقة Spice Girls عند إعلان الشراكة مع المنظمة، أنَّ القضية مهمة لها، لأنَّ "المساواة وتحفيز قوة الناس دائماً ما كانا في القلب مما تقدمه الفرقة".
العاملات لا يعملن في ظروف إنسانية
ووفقاً للصحيفة البريطانية، فإنَّ إحدى العاملات في المصنع، الذي أنتج الملابس التي قدمتها على مواقع التواصل الاجتماعي مذيعة التلفزيون هولي ويلغوبي، والمغني سام سميث والمغنية جيسي جي، ولاعبة القوى الأولمبية جيسيكا إنيس، قالت: "لا نتلقَّ راتباً كافياً، ونعمل في ظروف غير إنسانية".
وقد صُنعت القمصان، التي تحمل من الخلف كلمات "العدالة بين الجنسين"، بيد عمَّال يتقاضون راتباً أقل بكثير من الكفاف. وتعود ملكية جزء من المصنع إلى وزير في حكومة بنغلاديش الائتلافية الشمولية، التي فازت بـ96% من الأصوات الشهر الماضي (ديسمبر/كانون الأول 2018)، في انتخابات وصفها النقاد بأنَّها "هزلية". وليس ثمة ما يشير إلى أنَّ أياً من المشاهير المشاركين في الحملة كانوا على علم بظروف العمل في المصنع.
وقال متحدث باسم فرقة Spice Girls، إنّ عضوات الفرقة كن في حالة من "الصدمة والاستياء العميقين"، وإنهن على استعداد لأن يموِّلن بشكل شخصي تحقيقاً يتقصى ظروف العمل في المصنع. أما مؤسسة Comic Relief، فقالت إنَّها تشعر بـ "الاستياء والقلق".
وقال الطرفان إنَّهما قد نظرا في مصادر الاعتماد الأخلاقية التي تخص إسناد Represent، تاجر التجزئة الإلكتروني الذي أجازت له فرقة Spice Girls صناعة القمصان، غير أنَّه قام بتغيير جهة التصنيع دون الرجوع إليهما. وقالت Represent إنّها تتحمل "المسؤولية الكاملة" عما حدث، وإنّها ستعيد للعملاء أموالهم إذا ما طلبوا ذلك. وقالت الفرقة إنّها ستطلب من Represent التبرع بأرباحها من القمصان لـ "حملات تهدف إلى إنهاء مظالم العمالة المشابهة".
فضلاً عن المرتبات الزهيدة
وقالت شركة Interstoff Apparels المالكة لمصنع القمصان، إنَّها ستحقق في النتائج "غير الحقيقية" التي توصل إليها تحقيق صحيفة The Guardian البريطانية". غير أنّه قد تم الكشف عن مجموعة من الأدلة حول الظروف التي يقاسيها الموظفون، وضمن ذلك مزاعم بما يلي:
- بعض عاملات الماكينات يتقاضين 8800 تاكا بنغالي (82 جنيهاً إسترلينياً) شهرياً، وفقاً لكشف مرتبات حديث؛ بما يعني أنّهم يتقاضين ما يعادل 35 بنساً بالساعة في أسبوع عمل به 54 ساعة عمل. وهذا يعني أن مجموع المبلغ أقل بكثير من 16 ألف تاكا وهو المبلغ الذي تطالب به الاتحادات العمالية، ولا يفي بتقديرات الرواتب التي تصل إلى حد الكفاف.
- الموظفون مجبرون على العمل ساعات إضافية، للوفاء بمستهدفات إنتاج "مستحيلة" تقضي بحياكة آلاف الملابس كل يوم، وهو ما يعني أن وردية العمل يمكن أن تصل أحياناً إلى 16 ساعة، لتنتهي عند منتصف الليل.
- يتعرض عمال المصنع الذين لا يوفون بالمستهدفات للإساءة اللفظية من جانب الإدارة وينهارون بالبكاء، بل إنَّ بعضهم قد أجبر على العمل رغم اعتلال صحته.
وتسلط هذه الاكتشافات الضوء على مخاطر العمل ضمن سلسلة توريد معقدة، وتضيف إلى المخاوف الموجودة منذ زمن حول ظروف العمل في مصانع الملابس التي تُباع بهامش ربح كبير لدى تجار التجزئة في بريطانيا.
لا توجد عدالة بين الجنسين
وقال دومينيك مولر، مدير السياسات في حملة Labour ،Behind the Label إنَّ ظروف العمل بدت كأنّها "تفوق بكثيرٍ التصرفات غير القانونية" في مصانع بنغلاديش؛ وأضاف: "لا شك في أن المشاهير والجمعيات الخيرية والعلامات التجارية لا بد أن تتأكد من أنَّ بضائعهم تُصنع في مصانع تدفع أجراً عادلاً وتقدم ظروف عمل كريمة".
وقد سبق أن أوكلت إلى المصنع مهمة تصنيع قُمصان للعلامة التجارية البلجيكية Stanley/Stella، التي زعمت أنَّها كانت تراقب عمليات المصنع من كثب. غير أن مولر حذر قائلاً: "الأدلة التي خرجت من هذا المصنع تظهر بوضوحٍ الفشل في التدقيق في حسابات المصنع ومراقبة العلامة التجارية. تزعم Stanley/Stella أنَّها تراقب جميع مصانعها في بنغلاديش، ومع ذلك تظهر الأدلة وجود خروقات فادحة لقوانين العمل وانتهاكات فاضحة لحقوق الإنسان. على العلامات التجارية تحسين ظروف العمل في مصانعها".
وقال برونو فون سيليغيم، مدير الاستدامة لدى Stanley/Stella، إنَّ الشركة تحقق في النتائج وستبقى "ملتزمة تماماً مساعدة بنغلاديش والعمال فيها على تحسين ظروف حياتهم".
أُنتجت القمصان بمصنع Interstoff في مدينة جازيبور، على بُعد نحو 3 ساعات بالسيارة من العاصمة دكا. ويشارك في ملكية المصنع وزير الخارجية البنغالي شهريار علام، ويصنع الملابس لعدد من تجار التجزئة البريطانيين. صدرت Interstoff بضائع تصل قيمتها إلى 4.2 مليون جنيه إسترليني، وحققت أرباح بلغت 2 مليار جنيه قبل الضرائب في عام 2014-15، وفقاً للحسابات المودعة لدى دار الشركات البريطانية Companies House. وحققت الشركة في عام 2013-14 أرباحاً بلغت 2.5 مليون جنيه إسترليني قبل الضرائب.
وقال علَّام، الذي تُتهم حكومته بقمع حرية التعبير باعتقال الصحفيين، إنَّه لا يعتقد أنَّ "ذكر اسمه في القصة أمرٌ صائب من وجهة النظر الصحفية". وأقر علام بأنَّه يمتلك جزءاً من Interstoff وأحد المشاركين في تأسيسها، غير أنَّه قال إنه استقال من مجلس الإدارة قبل 5سنوات. وقالت Interstoff إنَّه لم يكن مشاركاً في إدارة أعمال الشركة.
وقال ناشط بنغالي رفض الكشف عن اسمه؛ خوفاً من انتقام الحكومة: "النساء اللاتي يُنتجن تلك الملابس يتلقين رواتب يعشن بها في فقر، ولا يعملن بوظيفة محترمة. عن أي عدالة بين الجنسين تتحدثون؟!".
فالمرتبات لا تزيد على 80 جنيهاً إسترلينياً شهرياً
ووفقاً لائتلاف Asia Floor Wage، وهو ائتلاف عالمي للاتحادات والمنظمات العمالية وجماعات حقوق الإنسان، فإنَّ الحد الأدنى للأجور بالنسبة لبنغلاديش بلغ 37661 تاكا عام 2017. وحدد تقريرٌ آخر، أعده أكاديميون في ISEAL، وهي منظمة غير هادفة للربح، الحد الأدنى للأجور بجازيبور بـ 13.630 تاكا عام 2016. وتعهدت Comic Relief عام 2014 بدفع الحد الأدنى للأجور لجميع الموظفين.
غير أنَّ العمال في جازيبور، الذين اطلعت صحيفة The Guardian البريطانية على بطاقات هوية العمل الخاصة بهم، يواجهون حقيقة مختلفة.
وقالت إحدى عاملات الماكينات، التي اشترطت عدم الكشف عن اسمها، إنَّها تعمل في المصنع منذ أكثر من 5 سنوات وتتقاضى 9080 تاكا شهرياً، شاملاً مكافأة الحضور. وقالت: "أكاد لا أتقاضى شيئاً. الأجور التي نتقاضاها ضئيلة جداً؛ إنها بالكاد توصلنا إلى حد الكفاف".
فضلاً عن السباب والشتائم
وتكابد العاملة التي تعاني مشكلات في الرقبة بسبب طول الانحناء على ماكينة الخياطة، لمواصلة العمل لإعالة طفلها البالغ من العمر 7 سنوات.
وقالت: "داخل مكتب مدير الإنتاج، يستخدمون لغة مسيئة للغاية، على غرار (هذا ليس مصنع أبوكِ)، و(الباب مفتوحٌ على مصراعيه؛ اذهبي إذا لم تتمكني من تحقيق مستهدفات الإنتاج)".
وأضافت: "في بعض الأحيان، يستخدمون لغة أكثر بذاءة مثل Khankir baccha (أي يا بنت الزانية)، وغير ذلك كثير مما يمنعني حيائي من النطق به".
وأضافت: "أحياناً لا تستطيع العاملات تحمل الإهانة والضغط من الإدارة، ويتركن العمل. الشهر الماضي تركت بعض زميلاتي العمل، لأنَّهن واجهن سلوكاً بالغ السوء وكن محطمات".
وتعمل عاملات الماكينات في المصنع الذي يوظف 4000 شخص، من الثامنة صباحاً حتى الخامسة مساءً، ستة أيام أسبوعياً، تشمل ساعة استراحة غداء مدفوعة الأجر، غير أنَّهن عادةً ما يُجبرن على العمل ساعات إضافية، حسب زعمهن.
ومن المعروف أنَّ ساعات العمل الإضافية تكون مقابل أجر أعلى من الورديات العادية. تقول العاملة التي لديها طفل وتعيش مع زوجها وابنها في غرفة صغيرة: "إذا أرادت الإدارة منا أن نعمل ساعات إضافية، فليس أمامنا مجال للرفض".
وتقدر أنّها تُجبر على العمل ساعات إضافية في المساء نصف أيام الشهر. وأضافت أنَّ إحدى زميلاتها استقالت العام الماضي (2018)، لأنّها كانت حاملاً في 3 أشهر وكانت الإدارة تُجبرها على العمل حتى منتصف الليل رُغم القيء المستمر.
بالإضافة إلى حالات الاغماء المتكررة بسبب درجة الحرارة
وزعمت أيضاً أنَّ الموظفين عادةً ما يُغشى عليهم بسبب حرارة الجو داخل المصنع، في حين يُعاني العديد منهم مشكلات في الرقبة والظهر.
وقالت عاملة أخرى تعمل لدى Interstoff منذ عام 2013، إنها اضطرت إلى الاقتراض لمواصلة حياتها.
وتكسب الأم المنفصلة التي لديها طفلان 8450 تاكا شهرياً، شاملة مكافأة الحضور. واضطرت مؤخراً إلى اقتراض 20 ألف تاكا من أخيها.
وقالت: "المبلغ الذي أتقاضاه لا يكفي أبداً. كما ترون أنا العائل الوحيد للأسرة؛ وعليَّ وحدي أن أتحمل نفقات تعليم ابنتي وتلبية احتياجات الأسرة".
"المشرف على عملنا شخصٌ مخيف ومثير للفزع. نحاول دائماً أن نتجنب أي مواجهة معه؛ لا نريد مواجهته. دائماً ما تضع الإدارة مستهدفات إنتاج عالية جداً لدرجة يستحيل معها عملياً تحقيقها. لا أذكر آخر مرة تمكنا فيها من تحقيق المستهدف".
يُشكل قطاع الملابس 80% من صادرات بنغلاديش، ويعمل فيه ما يربو على 4 ملايين عامل. وفي حين يساعد هذا القطاع اقتصاد البلاد، فإنَّه يعد محل جدل كبير، بسبب تدني الأجور وظروف العمل غير الآمنة فيه.
في عام 2013، قضى 1134 شخصاً عندما انهار مبنى رنا بلازا، بسبب ضعف في هيكله البنائي.