حتى يناير/كانون الثاني 2018، لم تنجح سوى عمليتين في السطو على قصر دوجي، الذي كان مقراً للسلطة في عهد جمهورية البندقية، ثم تحول إلى متحف منذ عام 1923.
اللص المهذب عندما قام بعملية السرقة الشهيرة قبل 27 عاماً
ففي عام 1991، قضى فينشنزو بيبينو -الملقب بـ "اللص المهذب"، لطريقته المهذبة التي يتبعها في عملياته الإجرامية- معظم الليل مختبئاً في زنزانةٍ بمبنى السجون الجديدة المجاور، يُجري حساباتٍ دقيقة بخصوص تحركات حارس الأمن، بحسب صحيفة The Guardian البريطانية.
وفي اللحظة التي رآها مناسبةً، تسلل بيبينو إلى الخارج، وسار عبر جسر التنهدات Bridge of Sighs الذي يربط السجون بالقصر. ومن هناك، دخل غرفة القنصل Consoli room، واستولى على لوحة Madonna col Bambino الثمينة، التي رُسمت في أوائل القرن السادس عشر، وغطاها ببطانية وغادر القصر من بابٍ جانبي.
عملية السرقة الثانية التي تمت عام 2018
عملية السرقة التي تمت في شهر يناير/كانون الثاني 2018، في اليوم الأخير من معرض كنوز المغول والمهراجا، والتي سُرق فيها ما تبلغ قيمته نحو 2.2 مليون دولار من المجوهرات المملوكة لأحد أعضاء العائلة المالكة القطرية، تحمل سمات عملية السرقة كافة التي ارتكبها بيبينو، إذ تمت بمهارةٍ وهدوء ونجاح.
وقال بيبينو (75 عاماً)، لصحيفة The Guardian، هذا الأسبوع: "عندما كنتُ أنفذ عملية السرقة، كان هناك حارس أمن واحد فقط. لقد تحسن الأمن كثيراً منذ ذلك الحين… لكن، كان هناك شيءٌ ما خاطئ. ربما كان عطلاً في نظام الإنذار، أو ربما لم تكن الإنذارات حديثة بما يكفي".
تمكَّن اللصوص الذين ارتكبوا السرقة، في يناير/كانون الثاني 2018، من تعطيل نظام الإنذار، وفتح حقيبة مُحكمة الإغلاق في غرفة الأمن، وهي غرفة ضخمة تقع بالطابق الثاني من المبنى، وسرقوا بعض الأقراط ودبوس زينة، واختلطوا بحشدٍ من السياح دون أن يتركوا أثراً. كانت جريمة محيرة بالنسبة الشرطة، واضطرت إلى استدعاء خبراء من روما.
لم يستطع المنفذون الفرار طويلاً
وقال كبير مفوضي الشرطة، فيتو غاغلياردي، في ذلك الوقت، إنَّ الحقيبة مُحكمة الإغلاق التي وفرها القطريون القائمون على المجوهرات قد فُتحت كما لو كانت علبة من الصفيح. ويشتبه ضباط الشرطة في أنَّ اللصوص راقبوا القصر الفسيح الذي يستقطب ما يصل إلى 7 آلاف زائر يومياً، قبل أن يغتنموا اللحظة المناسبة. وشوهد اثنان من المشتبه فيهم على شاشة كاميرات المراقبة.
وفي 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أي بعد 11 شهراً من عملية السرقة، حدث تطور بالقضية عندما أُلقي القبض على 5 أشخاص في كرواتيا. وفي تطورٍ آخر غير متوقع، هرب أحد المشتبه فيهم فترة وجيزة من الحجز، إذ ذكرت التقارير أنَّه تسلق إلى الخارج من خلال نافذة حمام بمركز للشرطة في مدينة توفارنيك الكرواتية، وقفز منها هارباً. وقد أُوقف لاحقاً في أثناء محاولته عبور الحدود القريبة إلى صربيا.
ويُقال إنَّ مشتبهاً آخر ضمن من أُلقي القبض عليهم عضو في شبكة Pink Panthers، وهي شبكة دولية لسرقة المجوهرات. كان المحققون يبحثون عن هذا الرجل بعد سرقة ما قيمته نحو 11 مليون دولار من المجوهرات، من معرضٍ أُقيم عام 2011 في بازل بسويسرا.
وقال عمدة مدينة البندقية لويجي بروغنارو، إنَّ "أولئك الذين ظنوا أنَّ بإمكانهم ارتكاب جريمة في البندقية والإفلات بفعلتهم" قد سُلِّموا للعدالة.
ما الذي يفعله السارقون بالمجوهرات طالما لا يستطيعون بيعها بالسوق السوداء؟
وقال بيبينو، الذي أمضى 20 عاماً في السجن، لارتكابه نحو 3 آلاف سرقة لوحات فنية في أنحاء البندقية، إنَّه يعتقد أنَّ المشتبه فيهم تلقوا مساعدة من أحد المتعاونين داخل القصر، لكن الشرطة لم تقل الشيء نفسه علناً.
ويقولون إنَّه سيكون من المستحيل بيع المجوهرات في السوق السوداء، لأنَّها كانت مميزة للغاية. واتفق بيبينو مع ذلك، قائلاً: "لا يمكن بيعها إلا إذا فُككت القطع وبيعت كل قطعة على حدة".
وقال إنَّه لم يكن ينوي بيع اللوحة عندما سرقها من القصر، إذ كان يؤدي خدمة لفيليس مانيرو، رئيس جماعة Mala del Brenta للجريمة المنظمة، الذي أراد استخدام اللوحة لتكون فدية لتأمين الإفراج عن أحد أقاربه من السجن. وقد نجحت الخطة، إذ استُردت اللوحة وأُطلق سراح قريبه في غضون أسابيع.
وأصرَّ بيبينو على أنَّه كان دوماً "يسرق من الأغنياء فحسب ليعطي الفقراء"، أو كان يسرق لقاء الحصول على بعض الخدمات، إحداها كان توفير مكانٍ جيد لقاربه ليرسو فيه.
وقال: "لقد أعدتُ كل ما سرقته. لو كان لديَّ 1% فقط مما سرقته خلال مسيرتي، لكنت ثرياً… لكن، إذا كان لديَّ 1% مما تبرعتُ به للفقراء، كنت أكثر ثراءً".
من هو اللص المهذب؟
يُنظر إلى بيبينو باعتباره بطلاً في مدينة البندقية، وحاز أيضاً لقب "أكثر لصوص إيطاليا أمانةً"، بسبب الطريقة الهادئة والمرتَّبة التي ينفذ بها عملياته، حتى إنَّ القائمين على بعض اللوحات المسروقة اعتبروا أنَّ سرقة بيبينو لها دلالة على ذوقها الرفيع.
وقال: "لم أستخدم سوى عقلي ويديَّ، لم أستخدم أسلحةً مطلقاً".
نشأ بيبينو فقيراً، وقال إنَّ أزقة البندقية أصبحت "مُعلّمته" بعد طرده من المدرسة إثر شجاره مع ابن أحد الصيادلة، لأنَّه رفض أن يعطيه لب تفاحته ليأكله!
وذكر الصحافي ستيفانو لورينزيتو، في كتابه Hic Sunt Leones: Venticinque Storie di Veneti Notevoli، أنَّ بيبينو وُضع في قسم الأمراض النفسية قبل إطلاق سراحه وإرساله إلى العمل بمشرحة. وبدأ بسرقة المعجنات في أثناء عمله بمخبز وهو في سن الثامنة.
واتُّهم بيبينو أيضاً بتزوير بطاقات الائتمان، وتجارة المخدرات، وهو الأمر الذي ينكره بشدة، لكن في أيامنا هذه يلجأ الأثرياء إلى استشارته لتأمين منازلهم تأميناً جيداً.
يقول بيبينو: "أذهب إلى منازلهم وأنظر إلى النوافذ. يخبرونني: (هذه النافذة غير قابلة للاقتحام)، وأجيب: (لا، إنَّها ليست كذلك، يمكنني فتحها في غضون ثوانٍ)".