في زاوية تقابل ضريح الولي الصالح سيدي عبدالرحمن الثعالبي، وبين أزقة حي القصبة العثماني بالجزائر العاصمة، يقبع مكتب جمعية تراث وثقافة، الذي تترأسه نوارة بن سليمان، والتي تسعى جاهدة لإحياء اللباس التقليدي الجزائري.
هذه المرأة التي تعمل أيضاً مصممة أزياء، تعطي أهمية كبيرة لكل ما يعكس تاريخ الجزائر، فتجد بباب مكتبها ألبسة تعود إلى سنوات غابرة، وتؤرخ لفترات تاريخية مرت عليها الجزائر عامة، والقصبة على وجه التحديد.
وعلى رأس المعروضات بباب مكتب الجمعية، لباس الحايك والعجار، الذي يعد من رموز حي القصة والجزائر العاصمة، فيظهر لك أبيض ناصعاً على بُعد أمتار، ويعيد للأذهان قصص حرائر الثورة ومعركة الجزائر.
والحايك في الثقافة الجزائرية لباس تضعه النسوة فوق ملابسهن العادية حين يغادرن منازلهن التزاماً للحشمة، فهو ليس موروثاً شعبياً فقط أو رمزاً للثقافة المحلية والوطنية الجزائرية، بل هو رمز لزينة المرأة الجزائرية وحافظ لحيائها، الذي يُضفي عليها سحراً وجمالاً وبهاءً يزيده بياض القماش.
حرم رئيس الوزراء الباكستاني ترتديه
لم تكن تتوقع نوارة بن سليمان أن يتحول اللباس الذي تدافع عنه، لإحيائه وإرجاعه إلى أزقة وشوارع العاصمة، إلى رمز في باكستان، لما ظهرت حرم رئيس الوزراء المنصب مؤخراً وهي ترتديه بكل تفاصيله تقريباً.
وقالت نوارة في تصريح لـ "عربي بوست" أن "يظهر الحايك لدى زوجة رئيس الوزراء الباكستاني، أمر لم يكن يخطر بالبال إطلاقاً".
وعبّرت المتحدثة عن بالغ سعادتها، وهي تشاهد صور بشرى بي بي، زوجة رئيس الوزراء الباكستاني وهي ترتدي هذا اللباس؛ لأنها من أكثر المدافعين والمصممين له بالجزائر.
وكانت الصورة التي انتشرت على هامش حفل تنصيب رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان في 20 أغسطس/آب 2018، وظهور زوجته بالبرقع الأبيض كما سمّوه، أثارت جدلاً كبيراً، باعتبارها السيدة الأولى بعد الانتخابات في باكستان.
الجزائريون يُشيدون
يعتبر الجزائريون أن ظهور الحايك بباكستان، ومن لبس زوجة رئيس الوزراء، فخر للباس التقليدي الجزائري.
وكتب الإعلامي الجزائري في قناة الجزيرة حاتم غندير، على صفحته بالفيسبوك: "الحايك والعجار.. اللباس التقليدي للمرأة الجزائرية وبعد ما اختفى منذ سنوات، ظهر قبل يومين في باكستان أثناء التنصيب الرسمي لرئيس الوزراء الجديد عمران خان".
وقال أيضاً: "ارتدت زوجته بشرى بواتو ما يشبه إلى حد كبير الزي التقليدي الجزائري، المسمى الحايك"، وتطرق غندير إلى عرض جانب من سيرة رئيس الوزراء الباكستاني المنتخب عمران خان.
الحايك والعجار .. اللباس التقليدي للمرأة الجزائرية وبعد ما اختفى منذ سنوات، ظهر قبل يومين في باكستان أثناء التنصيب…
Geplaatst door حاتم غندير op Dinsdag 21 augustus 2018
كما أشاد كثيراً رئيس الجمعية الثقافية "نوافذ" رياض وطار، باللباس الذي ظهرت به زوجة رئيس الوزراء في باكستان، وقال لـ "عربي بوست": "هذا اللباس يعيد الجزائريين في كل الولايات إلى سنوات خلت".
ويضيف في هذا الشأن: "علينا نحن الجزائريين، إحياء هذا اللباس الذي يعد رمزاً من رموز المرأة الجزائرية".
لباس بشرى ليس بكل تفاصيل الحايك
تؤكد مصممة الأزياء ورئيسة جمعية تراث وثقافة نوارة بن سليمان، في حديثها لـ "عربي بوست"، أن اللباس الذي ظهرت به حرم رئيس الوزراء الباكستاني يشبه إلى حد كبير لباس الحايك الجزائري، لكن ليس بكل تفاصيله.
فاللباس الذي اشتهرت به الجزائريات كما تقول: "منذ الفتح الإسلامي للأندلس، يحتوي على 3 قطع أساسية، هي الزرير والحايك والعجار، وهي بالكامل تحمل نفس اللون وهو الأبيض".
وتفصل: "أما الزرير فذلك الذي يوضع كقطعة أولية من تحت الذراعين وحتى أسفل الرجلين، ثم يلف الجسم بالكامل بقطعة أخرى تدعى الحايك، وهي تمتد من أعلى الرأس وحتى الرجلين، أما العجار فهي القطعة التي توضع أسفل العينين".
أما اللباس الذي ظهرت به بشرى بوتو في باكستان "فهو عبارة عن خمار طويل يصل حتى الرجلين، وتناسق مع اللون الأبيض الذي كانت ترتديه، كفستان يشبه إلى حد كبير الزرير الجزائري، أما ما وضعته على وجهها، فهو يشبه العجار، غير أن الفرق بينهما، كون العجار يكون أقصر وعلى شكل مثلث".
على كل تختم نوارة: "لباس زوجة رئيس الوزراء الباكستاني، أعطاني فكرة جديدة ربما لتطوير لباس الحايك مستقبلا، بمزج الحايك مع فستان أبيض يحل مكان القطعة المسماة الزرير".
له في الجزائر تسميات وأنواع
تؤكد نوارة بن سليمان أن للحايك في الجزائر عدة تسميات، فنجده باسم الحايك في وسط والشرق، أما في مناطق الغرب فيسمى "الكساء" أو "الكسا" دون نطق الهمزة، وفي بعض المناطق الجزائرية يسمى "السفساري"، و"الملحفة".
وللحايك أنواع "فنجد حايك المرمة وهو من أجود أنواع الحايك، حيث كان ارتداؤه يقتصر على الطبقة المخملية أو الغنية، تتنافس وتتباهي النسوة بارتدائه، فهو يُنسج من الحرير الخالص، ومنه ما نجده ممزوجاً بالكتان أو الصوف، ويكون لونه أبيض ناصع".
وهناك أيضاً الحايك السفساري، وترتديه نسوة الشرق الجزائري، حيث انتقل إلى هذه المنطقة مع قدوم اللاجئين الأندلسيين، حتى أصبح لباس ما يعرف "بنساء الحواضر" ويكون مصنوعاً من الحرير أو القطن، ويكون على عدة ألوان كالأبيض والأصفر.
ونجد أيضاً، تردف: "الحايك العشعاشي، وهو لباس النسوة في الغرب الجزائري، وتحديداً في تلمسان، حيث كان ولا يزال يُنسج بها، أما لونه فيكون أبيض ويتخلله اللون الأصفر، وغالباً ما يكون لون العجار مخالفاً للحايك".
حمامات الجزائر
بغرض الحفاظ على هذا الموروث واللباس التقليدي تم بجمعية شباب ومواهب وآفاق الجزائرية، تأسيس فوج أطلق عليه تسمية "حمامات الجزائر" وهو فوج يسعى للترويج وإحياء لباس الحايك.
وتقول نصيرة دواتي رئيسة الفوج لـ "عربي بوست" إن "من أبرز أنشطة الجمعية عامة والفوج على وجه التحديد، الحفاظ على الهوية الوطنية، واللباس التقليدي الجزائري وعلى رأسها الحايك".
ولتحقيق الغرض تضيف: "قمنا في عدة مناسبات بتنظيم مسيرات جابت أحياء وشوارع العاصمة، بارتداء الحايك والعجار، وذلك للفت الانتباه إلى وجود رمز من رموز اللباس النسائي الجزائري في طيّ النسيان والاندثار".
وتؤكد أن "الجمعية من الفاعلين في الحملة الفيسبوكية التي أطلقت منذ سنتين تحت عنوان "البس جزائري" وشاركت فيها نجمات الإعلام والتمثيل والغناء، وحتى برلمانيات وعضوات في الحكومة الجزائرية".
ولم تستبعد نصيرة دواتي تنظيم مسيرة أخرى مطلع العام المقبل 2019، لتحفيز الجزائريات على إحياء لباس الحايك الجزائري.
ماذا تعرف عن الحايك الجزائري؟
كان الحايك سابقاً جزءاً من ديكور العاصمة وعدة مدن وكانت المرأة التي لا تمتلك واحداً منه في منزلها امرأة غير مكتملة، وتنوعت أنواعُه وتعددت أشكاله، إلا أن النوع الذي ذاع صيته وشهرته هو "حايك مرمى" وهو عبارة عن قطعة قماش واحدة بيضاء ناصعة من الحرير الصافي.
وكلمة الحايك مشتقة من كلمة حياكة، أو نسيج الثوب، ولأن أهل الشمال الإفريقي لا ينطقون الهمزة التي تكتب على النبرة مثل الجزائر، أصبح الحائك عندهم "حايك".
والحايك في اللغة العربية يطلق أيضاً على الذي يمشي متبختًر ا،هذه التسمية الأخيرة ربما هي القرب إلى الصواب وهذا إذا عرفنا بأن الحايك كان يلبس من قبَل الرجل قبل المرأة، لكن ليس بشكله المعروف حالياً.
قديماً كان عبارة عن قطعة من القماش الفاخر توضع على الكتفين والصدر إلى ما تحت الحصر، وتطوّر ليصبح في البداية القرن الثامن عشر يستعمل للزينة، وفي ذلك العهد عُرف اللون الأبيض وكان يُلبس حتى عند الرسميين واستمرت استعماله حتى القرن التاسع عشر فقد شمل استعماله كذلك أعياناً من القوم بحيث نجد أمير عبدالقادر مؤسس الدولة الجزائرية كان يرتديه عندما ينزع البرنوسة.
والحايك جزء من تاريخ الجزائر بما يزخر من بطولات النساء في الفترة الاستعمارية، وخاصة في حرب العصابات داخل المدن، وما كان على النسوة إلا القيام بمهمات خطيرة إبان الثورة بزرع القنابل ونقل الذخيرة والتخفي فيه؛ لأن المستعمر كان يخشى أن يقترب من النساء ويقوم بتفتيشهن.
وقد استغل بعض المجاهدين الحايك لتمويه المستعمر للتنقل في أزقة القصبة دون أن يكتشف هذا إلا بعدما أُفشي بهذا السر من طرف الخونة، فأصبحت النساء الجزائريات يرغمن في بعض الأحيان على نزعه أمام الحواجز أو يمرر عليهن الآلة لكشف إن كنّ يحملن السلاح.
وبهذا دخل الحايك في الثورة الجزائرية التي خاضها الشعب ضد المستعمر من كثرة استعماله من طرف النساء والرجال في بعض الأحيان.
أمام التطورات الحالية للعصر لم تستطِع المرأة الجزائرية الصمود أمام هذا الزحف الجارف، وبدأ الاستغناء عنه ليحل محله الحجاب أو الجلباب الأفغاني الغريب عن الجزائر وأصالتها.
اقرأ أيضاً
رأينا زوجة عمران خان "المنتقبة"، ويبدو أن هناك الكثير لا نعرفه عنها وعن زوجتيه السابقتين