عندما يسيرون في الشوارع حاملين معهم الأموال الضخمة، يتبادر إلى ذهن الغريب عن بلدهم سؤال "كم هم أغنياء"؟، لكن الوضع على العكس من ذلك تماماً لسكان فنزويلا، الذين تنحدر قيمة عملتهم إلى مستويات قياسية، جعلت الحكومة تقرر إلغاء 5 أصفار من عملتها في محاولة منها لتحسين الاقتصاد.
وعلى الرغم من أن فنزويلا تُعد من الدول الغنية بالنفط، إلا أن اقتصادها في حالة متردية للغاية، وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية، يُشكل إنتاج النفط 96 بالمئة من عائدات فنزويلا، لكنه تراجع إلى مستوى هو الأقل منذ 30 عاماً، فبلغ 1,4 مليون برميل في اليوم مقارنة بمعدل إنتاج قياسي حققته البلاد قبل عشرة أعوام عند 3,2 مليون برميل.
وبات العجز المالي يشكل نحو 20 بالمئة من إجمالي الناتج الداخلي في حين بلغ الدين الخارجي 150 مليار دولار.
ولمعرفة مدى انهيار قيمة العملة الفنزويلية والتي تُسمى بـ"البوليفار"، نشرت وكالة رويترز السبت 18 أغسطس/ آب 2018، مجموعة من الصور، أظهرت ما الذي ينبغي على المواطن الفنزويلي اصطحابه من أموال مقابل شراء سلعة قد تُباع في دول أخرى بأقل من دولار واحد، مثل الورق المخصص للمراحيض.
وأظهرت الصور الصادمة وجود عدد من السلع، مثل دجاجة، وعبوة معكرونة، وكيس صغير من الرز، أو علبة صابون، ووراءها كمية الأموال الضخمة التي ينبغي دفعها ثمناً لها.
فعلى سبيل المثال، كي يحصل المواطن الفنزويلي على دجاجة سعرها 2.22 دولار أميركي، فعليه أن يجلب معه 14.5 مليون "بوليفار"، وإذا أراد شراء 1 كيلو غرام من الطحين، فعليه أن يدفع 2.5 مليون "بوليفار"، أما إذا قرر شراء كيلوغرام من اللحم، سيضطر إلى معونة من شخص آخر يساعده على حمل الأموال، لأن عليه أن يدفع 9.5 مليون "بوليفار".
وهذه الصور الصادمة التي تعكس حال العملة الفنزويلية، تأتي في وقت قررت فيه الحكومة إصدار أوراق نقدية جديدة، سيتم تداولها غداً الإثنين 20 أغسطس/آب 2018، بعدما ألغت 5 أصفار من عملتها، إلا أن الخبراء حذروا من أن الإجراء الذي يأتي ضمن خطة واسعة قدمها الرئيس نيكولاس مادورو لإصلاح الاقتصاد قد يزيد الوضع سوءاً.
وقال مدير شركة "إيكوانالاتيكا" للاستشارات المالية أسدروبال أوليفيروس: "سيكون هناك كثير من اللغط في الأيام المقبلة بالنسبة للمستهلكين والقطاع الخاص" محذراً "إنه سيناريو فوضوي".
لكن الرئيس مادورو الذي كان سائق حافلة وزعيماً نقابياً، قال إن البلاد بحاجة إلى تطبيق نظام "انضباط مالي" والتوقف عن طباعة النقود بشكل مفرط كما حصل في السنوات الأخيرة.
وسترتبط العملة الجديدة، البوليفار التي أطلق عليها "البوليفار السيادي" للتمييز بينها وبين العملة الحالية "البوليفار القوي" بالعملة الافتراضية غير الموثوق بها تماماً "البترو"، وسيبلغ سعر كل بيترو نحو 60 دولاراً بناء على سعر برميل النفط الفنزويلي، أي ما سيساوي بالعملة الجديدة 3600 بوليفار سيادي، وهو ما يؤشر الى انخفاض كبير في قيمة العملة.
وتتضمن الإجراءات الجديدة التي كشفها مادورو في وقت متأخر من يوم الجمعة الفائت رفع الحد الأدنى للأجور إلى نصف بترو (أي 1800 بوليفار سيادي)، ويساوي هذا المبلغ نحو 28 دولاراً، ما يعني زيادة بـ34 ضعفاً عن الحد الأدنى السابق الذي يعادل أقل من دولار بحسب معدل السوق السوداء السائد حالياً.
"مؤامرات"
ويتوقع صندوق النقد الدولي بأن يصل التضخم إلى مليون في المئة هذا العام في فنزويلا الغنية بالنفط، التي تعيش عامها الرابع من الركود الاقتصادي وتشهد نقصاً في الغذاء والدواء وسط توقف الخدمات العامة.
ويحمل الرئيس "مؤامرات" المعارضة والعقوبات الأميركية مسؤولية الأزمات المالية التي تعاني منها فنزويلا، لكنه يقر بأن الحكومة "ستتعلم مع مرور الوقت" عندما يأتي الأمر إلى تغيير الوحدة النقدية.
وسيتم تعليق التعاملات المالية عبر الإنترنت اعتباراً من اليوم الأحد لتسهيل إدخال الأوراق النقدية الجديدة.
وأطلقت فنزويلا العملة الرقمية في محاولة للتعامل مع أزمة السيولة والالتفاف على العقوبات الأميركية التي أوقفت التمويل من الخارج، ولا يعد تغيير الوحدة النقدية جديداً على فنزويلا وبالتالي فإن الخطوة لا تبعث على آمال جديدة ولا تعزز ثقة المستثمرين.
فقد ألغى سلف مادورو والبطل الثوري هوغو تشافيز ثلاثة أصفار من البوليفار في 2008، لكن ذلك لم ينجح في وضع حد للتضخم المفرط.
وقال الخبير الاقتصادي جان بول ليدينز إن فنزويلا تحاول أن تحذو حذو البرازيل التي استبدلت عملتها القديمة "كروزيرو" بـ"الريال" في التسعينيات بعدما قضى التضخم المفرط على الأولى.
لكن الخبير يشير إلى أن فنزويلا لن تنجح في ذلك نظراً لانعدام الانضباط المالي لدى الحكومة وغياب التمويل.