التبغ الخالي من الدخان يمكن أن يكون بديلاً للسجائر بالنسبة للأطباء والممرضين.
بهذا العرض المتبجِّح، تقدَّمت شركة فيليب موريس الدولية، أكبر شركة سجائر في العالم، إلى العاملين في هيئة الخدمات الصحية الوطنية المعنية بتقديم الخدمات الصحية للمواطنين في إنكلترا بمناسبة الذكرى السبعين لتأسيس هذه الهيئة، مبدية استعدادها لمساعدتهم على الإقلاع عن التدخين، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة The Independent البريطانية.
وأرسلت شركة فيليب موريس الدولية، التي تنتج مجموعة واسعة من علامات السجائر التجارية الأكثر مبيعاً من بينها سجائر مارلبورو وغيرها، رسالةً إلى جميع اتحادات هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية، ووزير الصحة، مات هانكوك، تقدَّمت فيها بعرض لمساعدة الأطباء والممرضين وغيرهم من العاملين في قطاع الصحة، للإقلاع عن التدخين باستخدام بدائل السجائر التي تنتجها الشركة.
وتقوم هذه الأجهزة التي قدمتها الشركة بتسخين التبغ بدلاً من حرقه، ولكنها لا تزال تحتوي على نفس السموم والمواد الكيميائية المسببة للإدمان مثل السجائر العادية.
وبموجب المبادئ التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية، لا يُسمح لشركات التبغ بالاشتراك في أي مبادرات صحية عامة، وذلك بسبب ملايين الأشخاص الذين قُتلوا نتيجة لاستخدام منتجاتها.
والحملة اختيارية إما الإقلاع الكامل أو البدائل الخالية من الدخان
وكتب مارك ماكغريغور، مدير شركة فيليب موريس لشؤون الشركات في المملكة المتحدة وأيرلندا، في الرسالة: "رغبةً منا في دعم هيئة الخدمات الصحية الوطنية بمناسبة الذكرى السبعين لتأسيسها، نحن حريصون على العمل معكم لمساعدة 73 ألف موظف من العاملين في الهيئة، والذين يدخنون حالياً، على الإقلاع عن التدخين".
وجاء في الرسالة أيضاً، إن "هذه الحملة ستكون تعاونية؛ إذ يمكن للهيئة تقديم نصيحة للإقلاع عن النيكوتين تماماً".
وبالنسبة للمدخنين الذين لن يُقلعوا، تقترح الرسالة مساعدتهم في التحول إلى استخدام بدائل خالية من الدخان.
ولكن البعض وصفها بـ"حيلة مشينة"
"غير لائقة إطلاقاً، ومخالفة كلياً لبروتوكول منظمة الصحة العالمية"، هكذا وصف وزير الصحة العامة ستيف براين في نقاش أثناء إحدى جلسات مجلس العموم البريطاني، يوم الخميس 19 يوليو/تموز 2018، أفعال شركة فيليب موريس.
ولكن النشطاء قالوا إن تصريحات الوزراء لا تفي بالغرض كاملاً.
ووصفت ديبورا أرنوت، الرئيسة التنفيذية للمؤسسة الخيرية الصحية المعنية بالتدخين والصحة "Action on Smoking and Health"، الخطوة التي اتَّخذتها شركة فيليب موريس بأنها "حيلة مُشينة على العلاقات العامة".
وقالت أرنوت لصحيفة الإندبندنت The Independent: "أنا سعيدة لأن وزير الصحة العامة أكد أنه أمر غير مقبول على الإطلاق أن تتعاون هيئة الخدمات الصحية الوطنية مع شركة من صناعة التبغ. ولكن الأمر لم يقتصر على الهيئة فقط، فقد تواصلت شركة فيليب موريس الدولية مع السلطات المحلية، وقدَّمت عروضاً مماثلة.
وأردفت: "آمل أن يؤكد الوزير في البرلمان اليوم على دعمه القوي للمبادئ التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية، التي تنص على أنه "لا ينبغي أن تكون صناعة التبغ شريكاً في أي مبادرة مرتبطة بوضع أو تنفيذ سياسات الصحة العامة؛ نظراً إلى أن مصالحها تتعارض تعارضاً مباشراً مع أهداف الصحة العامة".
وهناك أبحاث تقول إن منتجات التبغ البديلة أقل ضرراً
وأنفقت شركة فيليب موريس، التي أنكرت على مدى عقود ارتباط التدخين بالإصابة بمرض السرطان والمشاكل الصحية الأخرى، على الرغم من امتلاكها للأدلة التي تبرهن على ذلك، مليارات الدولارات لتطوير منتجات التبغ البديلة، في الوقت الذي يتخلص فيه المدخنون من السجائر التقليدية.
وتختلف منتجات التبغ التي لا ينتج عنها دخان في الشركة عن السجائر الإلكترونية، أو "vapes" التي يسميها البعض الشيشة الإلكترونية، التي تحتوي على النيكوتين على شكل سائل بدلاً من التبغ.
منتجات التبغ البديلة تعمل على تسخين التبغ، ولكن ليس بدرجة حرارة كافية لإنتاج الدخان.
وقد أظهرت بعض الدراسات أن استخدام تلك البدائل أقل ضرراً من التدخين.
لكن المشكلة فيمن يمول هذه الأبحاث
بيد أن المشكلة أن الأبحاث المتعلقة بالآثار الصحية لمنتجات التبغ البديلة، تُمَول حتى الآن من قبل شركات صناعة التبغ.
ولا يزال هذا التبغ يحتوي على نفس السموم المسببة للسرطان والمواد الكيميائية المسببة للإدمان، لكن شركات السجائر تدعي أن الطريقة التي يُقدم من خلالها تجعله أقل ضرراً على الصحة.
وقال المستشارون الصحيون الأميركيون، في شهر يناير/كانون الثاني 2018، إنه لا ينبغي السماح لشركة فيليب موريس بتقديم هذا الادعاء.
أما المفارقة فهي في العدد الهائل للمدخنين داخل هيئة الخدمات الصحية
ويوجد 73 ألف مدخن بين العاملين في هيئة الخدمات الصحية الوطنية في إنكلترا، وتكلف عادتهم الخدمات الصحية أكثر من 200 مليون جنيه إسترليني سنوياً، بسبب أخذهم لاستراحات تدخين، والإجازات المرضية والعلاج، وفقاً لما جاء في بحث أجرته الكلية الملكية للأطباء نُشر في الشهر الماضي يونيو/حزيران 2018.
كما يتخذ المدخنون أيضاً إجازات مرضية بنسبة أكثر بـ56%، أي ما يعادل 101 مليون جنيه إسترليني من تكاليف هيئة الخدمات الصحية الوطنية، بالإضافة إلى 6 ملايين جنيه إسترليني تكلفة علاج الموظفين الذين يعانون من أمراض بسبب التبغ يمكن الوقاية منها. في المجموع، أفادت اللجنة التابعة للكلية الملكية للأطباء، أن كل مدخن من العاملين في الهيئة يكلفها ما يصل إلى 2800 جنيه إسترليني.
والشركة تعيّرها بأنها تحتاج مائة عام لتحقيق هدفها
وقال متحدث باسم شركة فيليب موريس، إن المبادرة التي تقدَّمت بها الشركة إلى هيئة الخدمات الصحية الوطنية "تتماشى تماماً مع المبادئ التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية".
وأردف المتحدث قائلاً: "إن هيئة الخدمات الصحية الوطنية هي مؤسسة بريطانية مرموقة ومحترمة، ولكن وفقاً للاتجاهات الحالية، سيكون عمرها أكثر من 100 عام، قبل أن يوشك التدخين على الانتهاء في المملكة المتحدة.
وأضاف: "نحن حريصون على العمل مع أي منظمة، بما في ذلك هيئة الخدمات الصحية الوطنية، لمساعدة العاملين بها على الإقلاع عن التدخين. إذ إن الإقلاع عن التدخين هو دائماً الخيار الأفضل للعاملين في هيئة الخدمات الصحية الوطنية".
وتابع قائلاً: "نعتقد أنه بإمكاننا القيام بدور حيوي ورئيسي في تقديم النصح حول كيفية التحول إلى بدائل أفضل، مثل السجائر الإلكترونية والتبغ الساخن".