في أحد متاجر العاصمة اليابانية طوكيو، تتدلى ثعابين البحر، أنقليس eel، البلاستيكية.
أسماك كبيرة قابلة للنفخ من السقف، بينما يفحص المُتسوِّقون في وقتٍ متأخر من العصر الأسماك الحقيقية، التي كانت معبَّأةً بطريقةٍ جميلة ومعروضة بشكلٍ بارز على الرفوف الموجودة أدناه.
إنها مطاعم متخصصة تديرها أجيالٌ من العائلات نفسها، يتناول روادها سمك الأنقليس المشوي، الذي يُعتقد أنه يخفف من حرارة الصيف الياباني ورطوبته.
تأتي هذه الطقوس السنوية تكريماً للطبق الذي كان جزءاً من مشهد الطهي على مرِّ قرون. لكن شهية اليابانيين لسمك الأنقليس الياباني، الذي يعيش في المياه العذبة ويشبه ثعبان البحر تتسبب في عواقب وخيمة.
إذ أصبحت مخزونات هذه الأسماك تُمثِّل جزءاً بسيطاً للغاية ممَّا كانت عليه في ستينيات القرن الماضي، ويقول بعض أنصار المحافظة على البيئة، إنَّ الاستهلاك المفرط المستمر يمكن أن يُلقي بهذه الأسماك إلى نفس المصير الذي لاقته أسماك التونة ذات الزعانف الزرقاء، التي تعيش في المحيط الهادئ.
ويُذكَر أنَّ وزارة البيئة أدرجت أسماك الأنقليس اليابانية ضمن الأنواع المهدَّدة بالانقراض في عام 2013. وفي العام التالي 2014، أضافها الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة إلى قائمته الحمراء، التي تضم الأنواعَ المهددة بالانقراض، وألقى باللوم على الاستهلاك المفرط، والضرر البيئي الواقع على الأنهار والمناطق الساحلية، حيث تبيض هذه الأسماك وتنمو، وفق ما نشرت صحيفة The Guardian البريطانية.
الصيد الجائر وأعدادها المتضائلة ضاعفا سعرها
اجتذبت أزمة أسماك الأنقليس تركيزاً أكبر في ظل استعداد اليابان للاحتفال بيوم الثور في التقويم القمري -وهما يومان سيشهدهما العام الجاري 2018 في 20 يوليو/تموز و1 أغسطس/آب- وعادةً ما يُعتبران اليومين الأشد حرارة في العام.
أسفر الصيد الجائر لصغار أسماك الأنقليس الزجاجية، التي تُنقَل إلى أحواض المزارع حيث تتغذى حتى تنضج، عن ارتفاعٍ قياسي في الأسعار، ما يضطر معظم المطاعم إلى نشر لافتاتٍ اعتذاراً للزبائن لتقاضيها ثمناً أكبر بكثير كل عام مقابل وجبة Kabayaki بسيطة.
ارتفع سعر السوق لأسماك الأنقليس البالغة إلى مستوى قياسي، بلغ 5300 ين ياباني (48 دولاراً) للكيلوغرام، في شهر مارس/آذار الماضي، وهو أعلى بمرةٍ ونصف المرة من العام الماضي 2017، وفقاً لما ذكره اتحاد تعاونيات مزارعي أسماك الأنقليس في اليابان.
واليابان وحدها تستهلك 70% منها
جديرٌ بالذكر أنَّ اليابان -التي تستهلك ما يقدر بنحو 70% من أسماك الأنقليس المُصطادة من المياه العذبة في العالم- نقلت 14 طناً فقط من اليرقات إلى أحواض المزارع في الموسم الجاري -أي أقل بنسبة الثلث تقريباً من العام الماضي- بسبب سوء عمليات الصيد.
وقال كينزو كايفو، الأستاذ بجامعة تشو في طوكيو، والخبير في الحفاظ على أسماك الأنقليس، إنَّ الانخفاض في مخزونات هذه الأسماك تسارع بسبب الصيد الجائر.
وأشار كايفو في تصريحٍ لصحيفة Yomiuri Shimbun اليابانية، أنَّ بعض الصيادين غير المُرخَّصين أو الذين تجاوزوا حصتهم القانونية من الصيد تاجروا متاجرةً غير قانونية بما يصل إلى 63% من أسماك الأنقليس المُصطادة من المياه المحلية اليابانية في عام 2015.
يتناولونها في أكثر أيام السنة حرارة ظنّاً أنها تمنح النشاط
وقال كايفو إنَّ يوم الثور "قد يكون فرصةً مثالية للتفكير في مشكلة أسماك الأنقليس التي نواجهها، وطرحها للنقاش".
في تلك الأيام وغيرها من الأيام الحارة في منتصف الصيف، ينجذب الناس إلى شرائح سمك الأنقليس المشوية، التي تُغمَس في صلصةٍ الصويا الحلوة، وتُطهى ببطء على الفحم وتُقدَّم فوق الأرز.
يُتناوَل هذا الطبق الغني بالفيتامينات لتوفير الطاقة التي يُعد الناس في أمسِّ الحاجة إليها في ذروة فصل الصيف. ويعتقد البعض أنَّ الدخان المنبعث من طهي أسماك الأنقليس على الشواية يمنح نشاطاً فورياً.
وحكومات دول آسيوية لا تبذل الجهد الكافي لتقييد صيدها
جديرٌ بالذكر أنَّ اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، وافقت الشهر الماضي يونيو/حزيران، على عدم تغيير الحد الأقصى لعمليات صيد صغار أسماك الأنقليس، ما أثار استياء منظمات الحفاظ على البيئة. وتتهرب الصين -التي تمتلك أكبر حصةٍ سنوية تصل إلى 36 طناً وتُصدِّر إلى اليابان- بانتظام، من الجهود متعددة الجنسيات لتقييد عمليات الصيد.
ومن المُتوقَّع أن تناقش أطراف اتفاقية التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض من الحيوانات والنباتات البرية، مستقبل أنقليس المياه العذبة المتدهور على نحوٍ متزايد، في اجتماعٍ سيعقد في مايو/أيار المقبل.
بيد أنَّ بعض تجار التجزئة بدأوا يتخذون إجراءات بالفعل. إذ قالت سلسلة متاجر Aeon إنَّها ستتوقف عن شراء أسماك الأنقليس اليابانية، التي لم يوثَّق أصلها ورحلتها عبر سلسلة التوريد بطريقةٍ صحيحة. وستتحول إلى بيع أسماك أنقليس بزعانف قصيرة، وهو نوع أرخص ثمناً شائع في إندونيسيا، وفقاً لما ذكرته صحيفة Asahi Shimbun اليابانية.
يستحيل تربيتها فيصطادون صغارها
ويلجأ بعض مزارعي الأنقليس إلى تسمين مخزوناتهم من الأسماك حتى تنتج سمكةٌ واحدة ما يكفي من اللحم لطبقين، على الرغم من وجود مخاوف من أن تُنفِّر العظام الكبيرة -التي عادةً ما تكون غير محسوسة تقريباً- بعض مشتهي هذه الأسماك.
على الرغم من التقدُّم في أساليب الزراعة، ما زال من المستحيل تربية الأنقليس من الولادة حتى النضج. إذ يجب على مصايد الأسماك أن تصطاد صغار الأنقليس من المياه قبل نقلها إلى أحواض المزارع.
ويطالب ناشطون بيئيون المستهلكين بمقاومة رغبتهم في أكل أسماك الأنقليس اليابانية في الصيف الجاري وطوال العام.
ومطالب عالمية بتحمل اليابان مسؤولياتها
وقال كازو كوماتسوبارا، الناشط البيئي المُدافع عن حماية المحيطات في فرع منظمة Greenpeace البيئية في اليابان: "على الرغم من وجود نقص حاد، قررت اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية معاً عدم خفض حصة الصيد في الموسم المقبل".
وأضاف: "قالت وكالة مصايد الأسماك إنَّه لا يوجد دليل علمي يدعم خفض الصيد. لكنَّ اليابان يمكن أن تخفض حصتها من الصيد بنفسها لمساعدة مجموعات أسماك الأنقليس على التعافي. يجب على اليابان أن تتحمل المسؤولية بصفتها أكبر سوق لأسماك الأنقليس اليابانية".
وأردف: "الطريقة الوحيدة لتتجنَّب دعم الصيد الجائر وتكون مستهلكاً مسؤولاً يدعم الصيد المستدام هي التوقف عن شراء الثعابين".
اقرأ أيضاً
دولتان إحداهما عربية تحطمان رقماً قياسياً في ارتفاع درجات الحرارة