توافدوا بالآلاف منذ ساعات الصباح الأولى من يوم الإثنين 11 يونيوحزيران 2018، فأشعة الشمس الحارقة وصيام يوم رمضاني لم يُثنا آلافاً من ساكنة منطقة "سرغينة" بضواحي إقليم بولمان عن السير كيلومترات طويلة لحضور طقوس استخراج كنز قديم مدفون بالمنطقة.
بدأت حكاية الكنز في الانتشار الأسبوع الماضي، حين خرج شاب "الحسين.ج" ليخبر أهل قريته والقرى المجاورة، بأن شيخاً زاره في المنام وأخبره بمكان كنز مدفون يُعرف محلياً بـ"الدفينة"، على مستوى جبل "سرغينة"، مؤكداً أن "مخلوقاً يأتيه في هيئة رجل وقور يخبره كل مرة عن مكان وجود الكنز".
الشاب صاحب الرؤيا أخبر قبيلته بأنه ما كان ليصدق رؤياه لولا أن الرجل في الحلم ضرب له موعداً للقاء به في المكان الذي يوجد به الكنز المفترض؛ إذ تحدثا معاً ومدّه بتعويذة تمكِّنه من استخراج الكنز يوم 26 رمضان، ضارباً لساكنة القرى السبع المعنيَّة بمحتويات الكنز، موعداً للحضور إلى عين المكان؛ للمساهمة في استخراجه.
هذه الرؤيا وتفاصيلها كما تاريخ اللقاء لاستخراج الذهب والياقوت والمرجان من باطن الأرض، انتشرت كالنار في الهشيم بين أبناء القرى والمداشر، وامتدت إلى مدن أخرى مجاورة؛ إذ عرفت المنطقة توافد الآلاف من المواطنين، وفق ما أكده شاهد عيان لـ"عربي بوست"، لافتاً إلى أن المتوافدين أتوا من مدن مجاورة، بالإضافة إلى بعض أبناء المنطقة من المهاجرين بإسبانيا، وكل أمانيهم الحصول على نصيبهم من هذا الاكتشاف الذي سيُذهِب عنهم الفقر ويجلب الغنى.
الشاب الثلاثيني المعروف بأخلاقه الحميدة وتوازنه العقلي، وفق ما أكده متحدثون لـ"عربي بوست"، دفع الكثيرين للسير كيلومتراتٍ على الأقدام للوصول إلى مكان اللقاء، في حين استقل آخرون سياراتهم، ودعا ساكنة المنطقة إلى الحضور باكراً للمكان المتفق عليه من أجل استخراج الكنز، وعلى كل من أراد أخذ نصيبه حمل بطاقة التعريف الوطنية بالإضافة إلى الأعلام وصور الملك، وهو ما كان بالفعل قبل أن يصاب المتوافدون بخيبة أمل كبيرة.
الصدمة.. سخرية من الآلاف!
بدأ الحسين، صاحب الرؤيا، يتلو خطاباً ضمن أوراق يُمسكها بين يديه، بينما كان البقية صامتين يَستمعون إليه بإمعان، منتظرين إفصاحه عن تفاصيل أكبر عن الكنز المنتظر من أجل التعاون على استخراجه، إلا أن ما بدأ "صاحب الكنز" في قوله كان بعيداً عن هذا؛ ذلك أن المتحدث بدأ في إلقاء درس ديني عن مفاهيم العبودية والربوبية وصحة القرآن، امتدت ما يقرب من 25 دقيقة دون أي ذكر للكنز.
لم يكتفِ الشاب بهذا القدر؛ بل طالب الحاضرين بالصعود إلى قمة الجبل لانطلاقة طقوس الاكتشاف وكشف الأسرار الخاصة بالكنز ومحتوياته، في انتظار المفاجأة التي لم تكن سوى مزحة.
صدمة كبيرة وقَدْر كبير من الاستهجان والخيبة، أصيب بها الحاضرون حين اكتشفوا أن الأمر لا يعدو كونه كذبة كبيرة صدَّقها الساكنة، وأن الكنز الذي يدَّعي الشاب أنه قادر على استخراجه بالجبل هو شعار المملكة، حيث إنه بعد أن انتهى مجموعة من الشبان من تحديد مكان الكنز باستخدام حبال الجير الأبيض والحجارة، تبيَّن لهم أنهم كانوا يرسمون شعار "الله الوطن الملك"، وهو الشعار الذي قال عنه الشاب إنه "الكنز".
نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي تابعوا بريبة، ما يحدث بنواحي بولمان، فيمحين تساءل البعض عن السر وراء تمكُّن شاب بسيط من إقناع الآلاف باتباعه وجمعهم في مكان خلاء، متسائلين عن الأدوار المفروض القيام بها في مثل هذه الحالات من طرف السلطات الأمنية.