تشعر بالخوف إذا وقفت أمامه، فهو مخلوق مذهل وعظيم.
فبشكله المحدب وحجمه ووزنه، يمثل الثور جابرييل كل ما هو ثمين وذو قيمة في حيوان الثور. وهو يقبع تقريباً على قمة هرم صناعة الماشية الضخمة والمعقدة التي لا هم لها سوى المال في البرازيل.
يمكن وصف جابرييل بأنه "ثور ممتاز" ذو جينات مثالية، لدرجة أنه يعيش محمياً في مزرعة مختبر في ولاية ميناس جيرايس الجنوبية الشرقية، حيث يمكن استخدام سائله المنوي لتوليد ما يقرب من 600 ألف رأس ماشية.
وتصل قيمة ثور مثل جابرييل إلى حوالي مليون دولار، حسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
أغلب البرازيليين لايعرفون وزن هذه الصناعة
تقول كارولينا أرانتس، المصوّرة الصحفية التي التقطت صوراً لجابرييل: "تشعر أنك ضعيف للغاية بجوار حيوان مثل هذا، لقد كنت خائفة جداً من الاقتراب من هذا الحيوان، فهو ضخم، وأعتقد أنه يعكس طاقة هذه الصناعة بقوته ووزنه وحجمه وقدرته".
قضت أرانتس، التي تعيش الآن في فرنسا، ثلاثة أعوام في السفر ذهاباً وإياباً إلى بلدها، وذلك لتوثيق عالم تربية المواشي الفاخرة السري والمذهل. يقتفي مشروعها الذي يحمل عنوان "البقرة المقدسة" أثر الرأسماليين الريفيين ومواشيهم الخاصة المميزة، التي تشكل عصبَ هذه الصناعة المليارية.
وقالت أرانتس "لا أعتقد أن البرازيليين يعرفون مدى أهمية ذلك بالضبط. يعرف البعض حجم الصناعة، ولكنهم لا يعرفون بالضبط وزنها بالنسبة لصناعة اللحوم العالمية".
أصوله هندية مقدسة ولكن البرازيليين يقدرونه لسبب آخر
تمتلك مزرعة نافيراي الثور جابرييل، وتُعد عائلة رودريجز التي تمتلك مزرعة تبلغ مساحتها 3800 فدان أهم عملاء نافيراي. تشتهر هذه العائلة كذلك بتهجينها الماشية منذ عشرات السنين، وذلك لتحسين جودة وربحية لحومها.
يرجع تاريخ عمل العائلة إلى القرن التاسع عشر حين جُلب زيبو من الهند، وهو حيوان محدب ذو قرون، وذلك حتى يختلط مع السلالات الأوروبية الموجودة بالفعل في البرازيل. ونظراً لكونه حيواناً مقدساً في الهند، أصبح زيبو بطريقة ما حيواناً ثميناً لدى المزارعين البرازيليين أيضاً، حيث تدخل جيناته في تكوين بعض الثيران الأكثر قيمة في البلاد مثل جابرييل.
يعمل المزارعون مع شركات الجينات، وذلك لتحسين أداء وربحية قطعانهم. تُخزن جينات معظم خيرة الأبقار والثيران في معامل مثل Alta Genetics في ولاية أوبرابا، وتخصب قبل نقل الحيوانات المنوية الناتجة إلى عملاء الشركة، من المربين والمزارعين الأثرياء، ليستولدوا الأبقار صناعياً في جميع أنحاء البلاد.
تمتلك ألتا جينيكس Alta Genetics القدرة على استيعاب 279 ثوراً لضمان جودة إنتاج السائل المنوي.
الهدف من عملية التهجين الضخمة: أبقار بقدرات استثنائية بعضها سيواجه المخاطر المستقبلية
يعمل هؤلاء المزارعون والعلماء على إنتاج أنواع أسمن وأقوى وأسرع نضجاً من الماشية.
وفقاً لأرانتس: "فإن المزارعين يفكرون في مختبراتهم الوراثية حول كيفية تهجين حيوانات يمكن لها الوصول إلى المذبح في وقت مبكر، ويمكن أن تكون سمينة بدرجة كافية ويمكنها التعامل مع العواصف والأمطار والجفاف لفترة طويلة، حيوانات يمكنها التكيف مع آثار تغيير المناخ".
ترى أرانتس أن الهدف النهائي هو زيادة قوة البرازيل في صناعة اللحوم العالمية، إلى درجة إنتاج حيوانات مقاومة للتغييرات الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري.
وتقول إن تكلفة السائل المنوي لهذه الثيران قد تصل إلى 5000 دولار لكل جرعة 0,55 مل، ولذلك فإن شراءها يعد استثماراً، فهو حيوان يتحول إلى بنك نظراً للسعر المرتفع لمادته الجينية.
وتستطرد قائلة "يقوم ملاك هذه الماشية بوضعها في هذه المختبرات التي تشبه متاجر الحيوانات الأليفة. يضع المالك الثور في ألتا جينيتكس وفي مزرعته يقوم بتهجين مادته الجينية مع حيوانات أخرى عالية الجودة، ومن ثم ربما يبيع السلالة الناتجة عن هذه الحيوانات في المزادات".
المزادات: ثقافة كاثوليكية تقوم على الفتوة والزعامة والمشروبات والبذخ
وفي مزادات الماشية التي تعج بالمشروبات والبذخ، يتم الحكم على جودة هذه الحيوانات عن طريق حجم كاحلها، وحجم الخصية لديها، وحتى المسافة بين أعينها.
وكما تقول أرانتس فإن المزادات حصرية وتهيمن عليها ثقافة الثروة والبطش. وتضيف أيضاً "إنها بيئة ذكورية للغاية، كما أن صناعة الماشية في البرازيل تتسم بالمحافظة والطابع الكاثوليكي، ويهيمن عليها البيض، وتقوم على ثقافة الفتوة والزعامة، وهي بالغة الأهمية لارتباطها بالسياسة".
هذه البيئة الحصرية والثروة الموجودة في أعلى قمة صناعة اللحوم في البرازيل هما ما يجعلانها مثيرة للاهتمام.
صناعة الماشية البرازيلية تحتل المركز الأول عالمياً وتواصل النمو.. ولكن هل هذا ما يريده الشعب؟
وعلى الرغم من تشوية الصناعة بسبب استخدام عمال السخرة في مزارعها وفضائح الفساد التي وصلت إلى أعلى مؤسسات الحكومة، إلا أن البرازيل تفوقت على الولايات المتحدة باعتبارها أكبر منتج للحوم في عام 2012، وتهدف إلى الوصول إلى 40% من سوق اللحم البقري العالمي قريباً، وهو ضعف حصتها الحالية من السوق. مستويات الإنتاج عالية بشكل مذهل، فعلى سبيل المثال، اشترت هونغ كونغ وحدها أكثر من 98000 طن من اللحم البقري، في شهر فبراير/شباط فقط.
في الوقت الحالي، يوجد ما يقرب من رأس ماشية واحدة للفرد، في دولة يبلغ عدد سكانها 200 مليون نسمة.
وعلى الرغم من أن البرازيل دولة كبيرة وتحتوي على كميات هائلة من الأراضي، فإن الآثار البيئية كبيرة.
وتقول أرانتس إن: "اللوبي "الزراعي" يهدف لمضاعفة هذا العدد "من الماشية" في العقد المقبل، ولكن هل نحن الشعب البرازيلي، نريد مضاعفة هذا العدد؟ هل هو ما نحتاجه الآن في العالم؟ هذا ما يجب مناقشته علانية".