مبرمجون بين أنقاض الحرب.. ازدهار أعمال البرمجة في سوريا رغم القتال العنيف

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/02 الساعة 21:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/02 الساعة 21:20 بتوقيت غرينتش

إلى جانب عددٍ مِن زملائها الطلاب، كانت زينة خليلي، خريجة علوم الحاسوب السورية التي تبلغ من العمر 25 عاماً، لديها فكرةٌ تأملُ أن تغير حياتَها.

تقول زينة متحدثةً بالهاتف من العاصمة السورية دمشق: "أردنا كتابة ورقة علمية والحصول على منحة دراسية للخروج من هنا". وبعد عامٍ ونصف العام، أصبحت فكرة تصميم روبوت دردشة يتحدث العربية شركةً ناشئةً، ولا تزال زينة، على مضضٍ إلى حدٍ ما، تعيش في العاصمة السورية.

تسببت 7 سنواتٍ مِن الحرب المريرة في مقتل ما يُقدَّر بنحو نصف مليون شخص، وإحداث خسائر فادحة بصفوف الشباب السوري. وغادر البلادَ ملايينُ الشباب، الذين درس آلاف منهم علوم الحاسوب. ووفقاً للمركز السوري لأبحاث السياسات، تضاعفت البطالة أكثر من 3 مرات، فصعدت مِن 15% في عام 2011 إلى ما يصل إلى 53% في عام 2015، بحسب تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية.

لماذا تبقى هنا؟

وبعض المبرمجين مثل زينة، التي جاءت من مدينة درعا الجنوبية حيثُ بدأت الحرب، يكافحون لمجرد كسب لقمة العيش. وتقول زينة إنَّ قلةً من المبرمجين بقوا في سوريا. درسَت زينة في كلية علوم الحاسوب بجامعة دمشق، وتخصَّصَت في الذكاء الاصطناعي، وتقول: "في حين يمكنك الحصول على فرصٍ أفضل بالخارج، فلماذا تبقى هنا؟ هذا هو السؤال دائماً".

إلَّا أنه في الوقت نفسه، أدَّت هجرة المواهب إلى ظهور بعض الفرص لأولئك الذين بقوا، أو كما تقول زينة: "لا يوجد منافسون في سوريا".

وفي هذه الأثناء، فإنَّ دمشق، قاعدة الحُكم لنظام بشار الأسد الحاكم، مستقرةٌ بما يكفي لاستمرار التجارة. وتقول زينة: "مع أنَّها منطقة حرب، فإنَّ الناس ما زالوا يستيقظون كل يوم للذهاب إلى العمل وكسب المال. ما زلنا نريد أن نعيش".

زينة هي أحد مؤسسي شركة "مُجيب"، وهي شركة ناشئة تعمل على برنامج روبوت الدردشة المُصمَّم من قبل الطلاب، الذين يسوِّقونه أيضاً للشركات الصغيرة. يمكن للبرنامج الإجابة عن أسئلةٍ بسيطةٍ ينشرها بعض العملاء المُحتَمَلين على موقع فيسبوك. وتقول زينة إنَّه حتى مع وجود الحرب الدائرة في المشهد السوري، فإنَّ النفقات العامة منخفضة. وتضيف: "لن تحصل على أرباحٍ كبيرة، لكنك لن تُنفق الكثير أيضاً"، بحسب الصحيفة البريطانية.

وتُقدِّر زينة أنَّ مشروعها الوليد يربح 500 دولار شهرياً، وهو ما يعادل راتب طبيب أو مهندس واحد. ويعمل المؤسسون على خفض التكاليف، من خلال العيش مع عائلاتهم والقيام بأعمالٍ حرة إضافية.

فاز برنامج "مُجيب" بمبلغ 10 آلاف دولار في مسابقةٍ وطنية لريادة الأعمال، وهو مبلغ كبير بسوريا، أُنفِق بالفعل على المُعدَّات. والآن تريد زينة توسيع فريقها. وتقول: "لا نريد أن تسرقنا دراما الشركات المبتدئة". يعمل الفريق في مؤسسة ICT الحاضنة للمشروعات، وهي مؤسسة غير ربحية تديرها جمعية الحاسبات السورية المدعومة من الدولة، ويتشارك الفريق فيها مع 7 شركات ناشئة أخرى.

فقر في الدورات باللغة العربية

وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن أحد أصغر المشاركين في الحاضنة هي مودة كلاح، طالبة إدارة أعمال عمرها 19 عاماً. لاحظَت هي وبقية المؤسسين وجودَ فقرٍ في الدورات المتوافرة على الإنترنت باللغة العربية، التي يعتمد عليها العديد من الطلاب السوريين لتعزيز تعليمهم. واستخدم ما يقرب من 5 آلاف طالب منصَّتَهم "Mindzone"، التي تقدم دوراتٍ مجانيةٍ في مجالات منها البرمجة والتصوير الفوتوغرافي.

كافَحَت شركة Mindzone مثل العديد من شركات التكنولوجيا الناشئة لتحويل فكرتها الجيدة إلى أرباح. وتقول مودة، التي نشأت في مدينة دمشق: "بدأنا كشركةٍ غير هادفة إلى الربح. ثم اكتشفنا أنَّ الأمر لا يمكن أن ينجح على هذا المنوال". لذا، طوَّرت الشركة الآن خطةً لتقديم عروض رعاية في الدورات الدراسية للشركات.

وتواجه شركات التكنولوجيا الناشئة في سوريا، بطبيعة الحال، مشكلاتٍ قد لا يتخيلها أقرانُهم في مناطق أخرى، على الساحل الغربي للولايات المتحدة على سبيل المثال. وفيما يتعلق بهذه المشاكل، يتنهَّد أنس السبع، رائد الأعمال الدمشقي الذي يبلغ من العمر 24 عاماً، ويعمل على إطلاق خدمة توصيل البقالة عبر الإنترنت، ويقول: "ليس لدينا نظامٌ بيئيٌّ يساعدنا في بناء مشروعنا. نحن نناضل بكل خطوةٍ في مشروعنا بطريقةٍ لا يمكن لمن هو خارج سوريا أن يتصوَّرها".

وبحسب الصحيفة البريطانية، على جانبٍ آخر، فإن تدفُّق رأس المال الاستثماري الذي يدعم شركات التكنولوجيا الناشئة في سوريا ضعيفٌ إلى حدٍّ كبيرٍ. وخدمات الإنترنت غير منتظمة. فضلاً عن العقوبات الدولية ضد نظام الأسد التي تُصعِّب على الشركات السورية عملية الحصول على تمويلٍ مالي؛ لذلك يتنقَّل رواد الأعمال في كثيرٍ مِن الأحيان إلى لبنان المجاور لسوريا للحصول على الأموال، ولأنَّ بيروت -عاصمة لبنان- لديها أيضاً أقرب مطار ما زال يعمل.

تطبيق من دمشق إلى بيروت

لذلك، فلا عجب أن تظهر تقنيةٌ ناشئة توفِّر طريقةً للخروج مِن سوريا إلى بيروت. "لبيروت" أو "LiBeiroot" هي منصة توفر إمكانية مشاركة الطريق مع الآخرين بين دمشق وبيروت، وهي رحلة تستغرق 115 كم تقريباً بواسطة سيارة الأجرة. هذا التطبيق يساعد السائقين في استكمال عدد الراكبين بسياراتهم، ويساعد المسافرين في العثور على أرخص تكلفةٍ لرحلاتهم إلى بيروت.

وكان المهندس عمرو كحَّالة، الذي نشأ في دمشق ولكنَّه يعمل الآن مهندس برمجيات بشركة آبل في ولاية كاليفورنيا، هو من صمَّم أوَّل إصدارٍ، ووظَّف ودرَّب بعض المُطوِّرين المحليين.

يعترف كحَّالة بأنَّ التطبيق كان بِدائياً وصعباً عندما صدر في يونيو/حزيران 2017، ويقول: "لكنَّك كمبتدئ تريد أن تتحرك بسرعة وتفعل شيئاً يساعد الناس".

ووجد كحَّالة في أثناء بحثه عن موهوبين للعمل على تطوير التطبيق، أنَّ نحو ثلث المتقدمين المؤهَّلين لوظائف هندسة البرمجيات هم من النساء، وترتفع هذه النسبة إلى 40% بين المتقدمين لوظائف التصميم الغرافيكي، وأكثر من نصف الوظائف في مجال التسويق. ومن خلال بعض التفسيرات، لاحظَ أنَّ العديدَ من مُطوِّري البرامج الذكور غادروا سوريا هرباً من التجنيد الإجباري.

علامات:
تحميل المزيد