بعد 8 سنوات من الأبحاث المعمقة، وإجراء التجارب على 588 عينة من الجليد بولاية ألاسكا الأميركية، اكتشف الباحثون حقيقة مفزعة.
اكتشفوا أن التربة المجمدة تحتوي على كمية من الزئبق تفوق كميات الزئبق الموجودة في اليابسة والجو معاً، وذلك بنحو الضعف.
عندما بدأ الباحث الأميركي المتخصص بالمناخ، بول شوستر، في حفر جليد ألاسكا، وصفه زملاؤه بالمجنون. ومن خلال عمليات الحفر بالجليد، رغب شوستر في التثبت من أمر الزئبق، وكان الباحثون يعتقدون أن الزئبق يتركّز في القطب الشمالي بنسب ضئيلة، لكن "البيانات التي حصل عليها شوستر وزملاؤه كانت صادمة"، كما ورد في تقرير لصحيفةSuddeutsche Zeitung الألمانية.
لماذا يتسرب الزئبق الآن من القطب
بدأت الصورة المخيفة تتضح، فالجرف الجليدي لنصف الكرة الشمالي يضم ما بين 300 ألف و800 ألف طن من الزئبق، فيما يسمى الجليد السرمدي، على مساحة تصل إلى ما يعادل 24% من مساحة الأرض المكشوفة بالكوكب.
وقد أورد شوستر أن "الزئبق لا يزال محصوراً في الجليد. لكن، وفي حال ذابت التربة المجمدة بمفعول الاحتباس الحراري، فيمكن أن تتسرب كميات كبيرة من هذا المعدن، ويصبح ميثيل الزئبق سامّاً. وبشكل عام، تعتبر التربة المجمدة أكبر مجمع للزئبق في العالم".
وتشير البيانات الواردة من الأقمار الاصطناعية إلى أن الغطاء الجليدي الدائم بالقطب الشمالي يتراجع بما معدله 10% في كل عقد، كما يتسارع تراجع مساحات الأنهار الجليدية في جرينلاند والقطب الجنوبي.
وكان برنامج الأمم المتحدة للبيئة قد أعرب عن قلقه من الكمية التي تقدر بنحو 200 ألف طن من الزئبق، والتي تنبعث سنويا من الأنشطة الصناعية والطاقية. وفي حال تسربت كمية من هذا المعدن الثقيل إلى التربة المجمدة، فسيتم إطلاق كمية كبيرة منه.
الأخطار الصحية على الإنسان
وخلال السنة الماضية، دخلت اتفاقية ميناماتا بشأن الزئبق حيز التنفيذ. وتنص هذه الاتفاقية على العمل على الحدّ من انبعاثات الزئبق الناتجة عن الأنشطة البشرية، على غرار حرق الفحم. وتجدر الإشارة إلى أن النسب المرتفعة من ميثيل الزئبق قد تتسبب في تلف الجهاز العصبي والشلل؛ ومن ثم الموت. ونتيجة لذلك، قد يصبح تناول الأسماك والأطعمة البحرية أمراً خطيراً.
الأخطار على البيئة والكائنات البحرية
وبمجرد أن تنتشر شظايا الزئبق في الهواء، تعود إلى التربة والمياه لتمتصها النباتات وتتناولها الحيوانات. وبهذه الطريقة، يصل الزئبق إلى الغذاء البشري، علماً أن الأسماك والحيوانات البحرية تعدّ أكثر الكائنات الحية عرضة للتسمم بمعدن الزئبق. وبناء على ذلك، يمكن أن تصل هذه السموم القطبية إلى الأغذية بألمانيا. وفي هذا الصدد، صرح شوستر بأن "تناول الأسماك يشكل خطراً على صحة الإنسان؛ نظراً إلى أن الزئبق يستقر في مياه البحر".
يتطلب الأمر سنتين كي يصل الزئبق المتسرب من التربة المجمدة الذائبة إلى المحيطات والأنهار والبحار، ومن ثم إلى السلسلة الغذائية للكائنات البحرية، لينتقل في نهاية المطاف إلى الإنسان. وفي هذا الإطار، أفاد شوستر بأن "3 مليارات شخص في العالم يتناولون الأسماك، وهو ما يجعل الأمر كارثياً".
كيف أنتج القطب هذه الكميات الكبيرة من الزئبق؟
في البداية، سعى شوستر وفريقه البحثي إلى معرفة الطريقة التي يتم من خلالها اختزان المعادن الثقيلة في باطن الأرض قروناً طويلة، واكتشفوا كمية كبيرة جداً من المعادن السامة بالجليد القطبي. "نسبة النباتات والحيوانات التي تواجدت في القطب الشمالي كانت ضئيلة للغاية. ولذلك، بقي الزئبق فوق سطح الأرض حتى كسته الثلوج"، كما يقول شوستر، مضيفا أنه بسبب بعض التفاعلات الجوية، نتجت كمية كبيرة جداً من الزئبق.
وما الذي يمكن عمله لتفادي الكارثة؟
يخشى العلماء أن تكون كمية الزئبق أكبر بكثير مما يتوقعون، حيث إن بحثهم يستند إلى مجموعة من العينات التي جلبوها من ولاية ألاسكا. وانطلاقاً من هذه النتائج المدهشة، يرغب العلماء في الحصول على عينات بحثية أخرى من سيبيريا وغرينلاند. ففي هذه المناطق، توجد تربة متجمدة؛ بسبب درجة الحرارة التي تكون تحت الصفر طوال السنة، بالإضافة إلى أن كمية الأمطار الموسمية لا تتجاوز 1000 مليمتر.
شوستر يرى أن "سرعة ذوبان الجليد تعتمد على ما نقوم به لحماية المناخ"، خاصة أنه لا يستطيع أي شخص التنبؤ بمدى استقرار النظام البيئي في المنطقة القطبية الشمالية. وتابع شوستر أن "ارتفاع درجات الحرارة بدرجة واحدة فقط سيؤثر على المزيد من المناطق المتجمدة".