لم يكن هذا اليوم عادياً بالنسبة لبعض الفتيات ونساء السعودية اللاتي حضرن ورشة عمل لتعلم قيادة السيارة لأول مرة في تاريخهن بعد رفع المملكة القيود عن قيادة النساء للمركبات، واستخراج رخص لهن من أجل ممارسة هذه الهواية الجذابة.
صحيفة نيويورك تايمز الأميركية حضرت هذه الورشة ونقلت أجواء هذا اليوم لقرائها في تقرير الإثنين 5 مارس/آذار 2018.
وبحسب الصحيفة الأميركية صعدت إحدى الفتيات السعوديات إلى مقعد السائق، وارتدت حزام الأمان، ووضعت قدمها على الدواسات، ورفعت مكابح اليد، واستعدت لقيادة السيارة. ثُمَّ أخذت نفساً عميقاً، ورفعت قدمها قليلاً عن المكابح وبدأت للمرة الأولى في فعل ما ستفعله النساء قريباً في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية: قيادة السيارات.
"هل هذا مضبوط؟" سألت الطالبة رهف الزهراني، 21 عاماً، في توتُّرٍ وهي تمضي بالسيارة.
وطمأنها المدرب بأنَّ الخطوات مضبوطة فعلاً.
ولا يزال هناك ثلاثة شهور ونصف قبل الموعد الذي وعدت فيه السلطات السعودية برفع الحظر طويل الأمد على قيادة النساء فيه، وبدأ الكثيرون يخططون بالفعل لما سيكون بصورة مؤكدة تغييراً كبيراً في المجتمع السعودي.
أعلنت الجامعات النسائية أنَّها تخطط لفتح مدارس لتعليم قيادة السيارات، بينما غيَّرت شركات السيارات من توجه إعلاناتها، سعياً للاستفادة من الإقبال الهائل المتوقع للسائقات الجديدات -ومشترِيات السيارات- في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 32 مليوناً، بحسب الصحيفة الأميركية.
تقترب المرأة السعودية في كثيرٍ من الأحيان من هذا التغيير بمزيجٍ معقد من الحماس والتخوُّف، مثلما كان ملموساً يوم الإثنين 5 مارس/آذار في حرم جامعة عفت في مدينة جدة الساحلية على البحر الأحمر، حيث جرب عدد من الشابات قيادة السيارات للمرة الأولى، بحسب الصحيفة الأميركية.
مدارس خاصة لتعليم القيادة
وقال المديرون للصحيفة الأميركية إنَّ الجامعة قد تفتتح بعد ذلك مدرسةً لتعليم قيادة السيارات للنساء، لكنَّها تنتظر إصدار الحكومة اللوائح المناسبة. لذلك كانت الدورة أشبه بورشة عمل تقدمها شركة فورد للسيارات، التي تسعى إلى تحسين سلامة السائقين. وبما أنَّ المملكة العربية السعودية لم تصدر بعد رخص قيادة للنساء، فإنَّ الدورة تستهدف النساء اللواتي ليس لديهن خبرة في قيادة السيارات.
وتجمَّعت نحو 15 طالبة في فصلٍ دراسي لبدء إحدى ورش العمل. وكان جميعهن يرتدين العباءات الفضفاضة التي ترتديها النساء السعوديات، بينما ارتدى أغلبهن الحجاب، وارتدى قليل منهن النقاب أيضاً، وارتدى بعضهن أحذية التنس والجينز تحت العباءة، وحقيبة الظهر وحقائب اليد.
وبدأت ورشة العمل بحديثٍ قصير عن السلامة على الطرق، وحوادث السيارات التي يتسبب النظر إلى شاشات الهواتف المحمولة أثناء القيادة في عددٍ كبير منها، ثُمَّ تفرقت النساء لإجراء مزيدٍ من التجارب العملية، بحسب الصحيفة الأميركية.
وفي فناءٍ مفتوح، كن يرتدين نظارات تهدف إلى محاكاة ضعف الرؤية الناتج عن تناول الدواء، أو النعاس. ثُمَّ جرَّبن القيادة بمقودٍ صغير متصل بعامود عبر خريطة على الأرض، مع انتباههن إلى الشوارع وإشارات التوقف والمشاة.
لكنَّ العمل الحقيقي كان في موقف سيارات مغلق على مقربة منهن، والذي كان يضم سيارات حقيقية.
جلست مجموعات من النساء في السيارات بينما شرح المدربون ميزات كلٍ منها: عصا الفتيس، ودواسات البنزين والمكابح، ومقياس درجة الحرارة، وأزرار التحكم في ثبات السرعة، وإشارات الدوران، وماسحات الزجاج الأمامي. في مرحلةٍ ما، ضغطت طالبةٌ تجلس في مقعد السائق زر رش الزجاج الأمامي للسيارة، ما أثار ضحك جميع النساء الأخريات.
إلى أن طلب منها المعلم في النهاية وضع قدمها على المكابح والضغط على زر التشغيل، فانطلق صوت محرك السيارة وبدت ابتسامة على وجه الطالبة وصاحت مبتهجة، فصفقت النساء الأخريات.
هل ستتغير حياة المرأة السعودية؟
وبحسب الصحيفة الأميركية، من الصعب المغالاة في وصف إلى أي مدى ستتغير حياة المرأة السعودية بمنحها الحق في قيادة السيارات. كان النساء لفترةٍ طويلة يُنحَّين عن الحياة العامة في المملكة العربية السعودية، وكن مفصولاتٍ عن الرجال في معظم الأماكن، ولا يُسمَح لهن بامتهان سوى عدد قليل من الوظائف، بل ويُشجَّعن على البقاء في المنزل مُجبَراتٍ على الاعتماد على السائقين الخاصين أو أقاربهن الرجال لنقلهن إلى أي مكان.
غير أنَّ السنوات الأخيرة شهدت تغيرات كثيرة بالنسبة للمرأة السعودية، إذ سُمِح لها بالعمل في مجالات جديدة، وعُيِّنت في مناصب رفيعة المستوى، وازداد عدد مرتادات الجامعات. وتحدث ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، عن أهمية زيادة دور المرأة في القوى العاملة باعتباره جزءاً من جهوده لتنويع الاقتصاد بمنأى عن النفط.
وقد صدَّقت جميع النساء في ورشة العمل على حقهن في قيادة السيارات، واختار بعضهن بالفعل سيارات معينة للشراء، إذ كانت إحداهن ترغب في شراء سيارة من طراز أودي واصفةً إياها بأنَّها "سيارة قوية"، بحسب نيويورك تايمز.
بينما أرادت أخرى شراء مرسيدس، "مثل والدي".
وقالت سيدة أخرى للصحيفة الأميركية، إنَّها ستعيد سائقها الهندي للمنزل وتقود سيارته بنفسها.
ذكرت مرتادات الورشة أنَّ القدرة على القيادة ستقلل من اعتمادهن على أولئك الذين يتعين عليهم الآن نقلهن، وتجعلهن مسؤولات عن وضع جداولهن الخاصة.
تقول رحاب الحويدر، 21 عاماً: "لا أريد قيادة السيارات للتمتع بالقيادة فحسب، بل أريد أن أكون قادرة على وضع روتيني اليومي".
وعبَّرت عن استيائها تجاه اضطرارها إلى انتظار أحد الأشخاص لتوصيلها عندما كانت تريد الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية في الصباح. وقالت إنَّ أفضل ما في القيادة سيكون "الشعور بالمزيد من الحرية"، بحسب الصحيفة الأميركية.
لكنَّ بعضهن لم يكن متأكداً من استعداده لمواجهة حركة المرور التي تكون قاسية في كثير من الأحيان في المملكة العربية السعودية، أو السائقين الذكور الذين ليس لديهم خبرة في التفاعل مع النساء على الطرق.
وقالت رنيم مدرس، 22 عاماً، إنَّها كانت تريد قيادة سيارتها قبل تعرُّض سيارة كانت تركبها لحادث مروري، متسببة لها في رضوضٍ سيئة أعلى جانبها وأسفله.
ووصفت الأمر بأنَّه "كان رهيباً".
لذا تخطط الآن للانتظار لترى كيف سيكون الأمر بالنسبة للنساء الأخريات قبل استخراج رخصةٍ خاصة بها.
فرصة نادرة
وبحسب الصحيفة الأميركية انتهت الورشة بما تظل فرصةً نادرة للنساء في المملكة العربية السعودية: أي قيادة سيارة عبر مسار من المخاريط في أحد مواقف للسيارات.
قالت رهف الزهراني، وهي طالبة في الهندسة المعمارية، قبل أن يُتاح لها فرصة الجلوس خلف عجلة القيادة، إنَّها قادت مزلجات مائية في البحر الأحمر ودراجات نارية في الصحراء، لكن لم يسبق لها أن قادت سيارة قط. وكانت فكرة قيادة السيارات تسبب لها التوتر.
وأضافت: "لا أعرف الفرق بين دواسة المكابح والبنزين".
بدأت ببطء، ثم عبرت المنحنى الأول، ثم الثاني، وعندما اقتربت من علامة التوقف ضغطت على دواسة المكابح أشد من اللازم، مما تسبب في هزة دفعت الركاب الآخرين إلى الأمام. ضحكت بعصبية ثم مضت في طريقها مرةً أخرى قبل الوصول إلى النهاية وإيقاف السيارة بهزة أخف قليلاً.
قال المدرب: "حمداً لله على سلامتك".
وأجابت هي: "مرحى لي".
لم تستغرق الجولة سوى بضع دقائق، لكنَّها غيرت نظرتها إلى الأمر برمته.
وقالت: "كان ممتعاً للغاية. أحببته. يمدك الجلوس خلف عجلة القيادة بشعور رائع".